أما بعد،
فيا معشر الصم البكم، ومن على أبصارهم غشاوة! مازلنا نترقب خبرا أو شهابَ قبس في ليل بهيم. فما عسى الرقيب يقول؟ أحطتُ بما لم تحيطوا به علما وجئتكم من دمشق بنبإ يقين! إلامَ المطل والمهل يا معشر الأهواب؟ كم يلزمكم من "واجامعتاه"! ومتى تجيبون: لبيك دمشق، لبيك! النفير، النفير! متى تقطعون شربكم، فلا يطيب حتى يُؤخذ بثأر الثكلى ويَأمنَ الوجِل؟ كم من الصرخات تكفيكم وكم جثة؟ كم عينا مسمولة وكم حنجرة؟ كم معتقلا وكم طريدا؟ استبهَمَ عليكم الأمرُ فلا مأتى له؟
يا معشر مَن لا مهابة لهم! أليس لو كانوا مشركين لوجب لهم الجِوار؟ صدقوني لا مهابة لكم، كيف وليس فيكم من يأخذ السيف بحقه! ولستم ملأ خير ولا كان جمعُكم مما يُرجى نفعه. وما هو إلا يوم أو بعض يوم ونراكم يرجع بعضكم إلى بعض القول.
سلام عليك أيها الهدهد الأثيري! أما أنت فقلتَ وأبَنْت: إني وجدتُ خبًّا يملكُهم وله مقامع من حديد. ما بلغه أن العدل أساس الملك، ولا درى أن الظلم مؤذن بخراب العمران. ووجدتُ قوما من السَّفِلة يسجدون له من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فهم لا يهتدون. لكنَّ معشر من نكصوا قالوا: سننظر أصدقتَ أم كنت من الكاذبين. فذهب الرقيبُ بالكتاب وترك لنا الفأل الكذوب. قالوا: ألْقهِ إليهم ثم تولَّ عنهم فانظرْ ماذا يرجعون! قال ملِكُ العته: ما كنتُ قاطعا أمرا حتى تشهدون. وسيشهد الرقيبُ ويُقسِم المعتوه، والمِلَسى لا عُهدة له. سيقول لهم الخلَبوت قولاً خُلَّبا، والمعاذير تُصيِّر العَيِيَّ خطيبا.
أما نحن فصدقناك أيها الهدهد. وليذهبْ رقيبُهم إلى سقر، فما يوم حليمة بسِر!
روديكم أصحاب الفخامة والجلالة! لأنتم الحكماء ومَن فطر السماء! فويحاً لنا! ما لنا نستعجل بالسيئة قبل الحسنة؟! يا ربات الحجال! ما لكم وقرعَ طبول الحرية؟ إن لكم في خدوركم هناء وسعة، فقَرْنَ في بيوتكن!
يا أصحاب السمو! أراكم بَجْما لكن لا أرى أحدا، وما يُنتظر منكم وبينكم الشر المستطير؟ ومَن يجتمعْ تتقَعقَعْ عُمُده. أفأنتم أهل نجدة وغوث؟! أيها النمل ادخلوا مساكنكم!
وأما أنتم يا أحرار الشام! يا من تَمرَّستُم بالآفات حتى تنوَّخَ الذعرُ عند أقدامكم! لا تشْكُوا إلى غير مُصْمِت! وولُّوا وجوهكم شطرَ مَن يجيب المضطر إذا دعاه! "إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولَّوا مدبرين".
والسلام عليك أيتها الجامعة! السلام عليكم دار قوم مؤمنين!
السابع من صفر 1433ه (03/01/2012)