أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: قتيــــــــ ــــــل

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    قتيــــــــ ــــــل

    قتيــــــــــــــــــــــ ــل
    لأول مرة منذ أن خلق الله الأرض وأوجد فيها الجبال وأجرى فيها بحاراً عريضة وأنهاراً ، لأول مرة يأتي المساء فلا يجده ، الكلُّ يعرف انه ولِد قبل أن يوجد هذا البحر الكبير بأسماكه ونوارسه وغيومه الخريفية وشمسه التي تتبخر قبل المغيب – لم تشاهد ولو لمرة واحدة وهي تغوص في البحر – إلا أنه عاش في هذا الزمان ، كان الزيد والمحار والملح يسكن تجاويف البحر ورئتيه وكتفيه العريضتين ، ولد ككل الأشياء كالبذرة ترفع عنها التراب الرطب وكالبيضة تفقس في الدفء وكالجنين يملأ رئتيه الصغيرتين بالحياة أول مرة ، كان وسيماً له تقاطيع نخلة ورائعاً له رائحة المارّة وعطرُهم لا أحد في جوف بناية أو خيمة منصوبة في العراء لا يعرفه ، وكم أشعر بالضيق وأنا ألوك من سيرته ما سبق وسمعتموه وشاهده أكثركم ولا أظن أن أحداً عاش في هذا الزمان أو قبله أو بعده لم يسمع به أو يشاهده أو حكت له به الجدة قبل النوم.
    في الصباح الباكر وجدوا كوباً بلاستيكياً وطبقاً وليمونتين وأشياءه الصغيرة وبعض الأسئلة من يكون ؟ كيف جاء؟ كيف ؟ وكيف ؟
    لا احد يدري أن البناية رقم 19 والمكونة من سبعة أدوار في إحدى مدن العالم أكل الدهر أحشاءها وفرّ ساكنوها حيث شاركتهم الشروخ قهوتهم الصباحية وتلصصت على غرف نومهم فتركوها للبوم والخفاش والتي كان يفترش بلاطها الرطب طوال ثلاثة أعوام قد .. لم أقل ذلك – وسيما كصدفة في شهرها التاسع ، آخر مرة رأوه يحلم برسائل تأتيه من الوطن.
    قمنا بشراء أرض... سيبني لك بيتاً وستكون لك زوجة وأطفال... أطفال؟! يكفي انك أفنيت عمرك لإخوتك ، أذكركم بأن أخاه عصام سينال شهادة كبيرة في الفيزياء والعلوم خلال شهر من الآن ، أنا وأمك نشكر الله القدير أن جعلنا نرى كل هذا وأكثر سنموت وملء جفوننا الرضا ، لكنهما انشطرا معاً... الرجل والحلم الذي كان يلج عليه وحدته منسرباً من شرخ فوق عينيه تماماً ، يتنزل من السقف الأسمنتي الصلب والذي إنشغل عنه الدهر ردحاً من الزمان ...تركه وحيداً لرعشة المساء ... عارياً تحت جمهرة النجوم ... ملّ وقفته تلك فبرك غصباً عنه ، لا أحد ولا حتى أنا – يدري أنه كان يدخر ثمن الحلم ، لم يتعرفوا عليه ، لا ولا عثروا على الحلم برأسه... فرّ منه في اللحظة الأخيرة هكذا اعتقدوا خطأ وحقيقة ماتا معاً.
    هل رأى أحدكم ميتاً وفي رأسه حلم ؟ ، ممدداً بملابس النوم كأنه يحلم هو الآخر !!! يتوسد الجثة في هدوء ودعة كما يوسّد المساء رأسه في البحر ويغسل وجهه بضوء النجوم الزُّرق ، وضعوا نصفه لأعلى بجوار قدميه ، واحد من أولئك الرائعين الذين تصادفهم مئات المرات في الطرقات والأماكن العامة دون أن يستحقوا منك نظرة كأنك لا تراهم وكما يفعل القارب حين تعترضه صخرة تفعل أنت والآخرون ، كان من تحت يديه يخرج المطر ومن بين ضلوعه تهبُّ على الدنيا الريح والأحلام.
    سأتزوج في مثل هذا اليوم من العام القادم بإذن الله.
    كان يحكي لي ذات صباح اسمع وقع خطوة بذاكرتي واذكر كما الآن أن طيفاً جميلاً ظل يتراقص بين عينيه وسرّ لي بأمنية ظلت لغزاً - أتمنى أن أنجب بنتين – هكذا قال
    قال هذا في بلد يكنى فيه الرجال بأبنائهم !! ومكثت أرقب تحول الطيف لجزيرة خضراء ، حين نظرت عينيه هذه المرة رأيت البسمة العذبة في عينيه الواسعتين فأدركت أن الطيف لم يذهب كله وانه كان محقاً حين ترك له وجهه يلهو فيه كيف يشاء ، والحقيقة انه نفسه صار ذلك الطيف فحبستهما في عيني. لا لن أقل لكم كيف أصبحنا صديقين لأنني نفسي لا ادري، كل ما أعرفه إننا هكذا وجدنا أنفسنا ذات يوم- كنا أكثر من صديقين أكثر .. وأكثر ، هكذا يعرف أهله هنالك وأهلي ، ولا اخفي عليكم إعجابي به ولكني اخفي عليكم - أن شئت - إنني استمد منه صمودي في الحياة لم يكن يخطر ببالي أن تلك ستكون المرة الأخيرة التي اشاهدهما ، معاً ، رجلاً وحلمه !! وإن شئت الدقة حلماً ورجله وإن رمت الحقيقة محبّاً وحبّه ، لم يخطر ببالي أنهما سيختفيان مثلما تبتلع الصحراء قافلة بأكملها وتطمرها الرمال الناعمة لم يكن يهمني من أيّ البلاد أتى إلينا وكنت قبل معرفتي به أبحث عنه ولا زمني إحساس غريب .. كلما مر شخص بجواري أخاله سيلقي بيديه على كتفيّ ويقول لي أنا هو !! لا شئ فيه يختلف عن الآخرين ، في الحقل ... الورشة... يمسك لوح طباشير... ورقة أو حقيبة سفر ، ذات ضفائر أو تتحلى بقرط وفي حقيبتها صورة حبيب ، حبلى أو تقود طفلاً، لا تستطيع أن تعرف ما إذا كانت ستقابلك بالشارع أم إنها إحدى أخواتك أو إخوانك !! عادل أم يوسف أو أبي ... احد أبناء أو بنات الزمان في ذات يوم ، لا احد منا يعرف كيف يموت وبأي وسيلة بل إنه لا يفكر في ذالك أبداً أو حتى للآخرين ، عندما رأيته آخر مرة كنت أظن إنني سأراه بعدها كثيراً ودعني ومشي مشيته تلك قاذفاً يديه بقوة للإمام كأنه يعارك شخصاً غير مرئي ، مضى تاركاً للشمس أن تغرب خلف كتفيه ما زالت خطواته تمشى في أذنّي غير أنه رحل ، ودعني وبي شوق إليه شوق السفن المبحرة لصدى المرافئ كان ذلك المساء كئيباً كغير عادته ، الشمس شقت لها جرحاً ببطن الأرض وانتحرت ، الغيوم الدكينة كقطع الدم الجامد – لها رائحته أيضاً - وغرقت الشوارع في حمرة المغيب فبدت كأنّ نهراً احمر اجتاح البلدة ، ثم وطأ الليل صدر المدينة بقدمه الطويلة الثقيلة ولم تشفع لها تنهداتها ولا حشرجاتها فماتت كما يموت كل الناس ، كان ذلك اثر بلاغ تلقته الشرطة بوجود قتيل تحت الأنقاض ، في بعض البلاد يموت الرجل فيضعون حمله على ظهر اكبر بنيه وغالباً ما تجوع أسرته فترغم زوجه على فعل ذلك الشئ ، وفي بلاد كثيرة لا تساوي حياة الإنسان شيئاً ذا قيمة .. في بلاد أخرى وهي كثيرة تنشب حروب ويموت أناس لأجل فكرة ابتدعها حاكم أهوج أو أوحي له بها شخص مهووس أو لأجل حفنة من المال قرر البعض الحصول عليها بطريقة أو بأخرى ، وقد يكون قدر الناس إنهم ولدوا في هذا الزمان أو ذاك.
    كانت أمه ترضعه عصارة الصخور كيما يعشق الحجارة والتراب ، كانت عيناه تبحثان دائماً عن شئ رائع تتغزلان به ، وفي بلاد أخرى يعني موت شخص مثله أن دخلها قد انخفض بمقدار الفرق بين ما يأكله وما ينتجه في بلاد أخرى كثيرة يدفن مع آخرين في الأرض الصخرية عله يصبح ذات يوم زيتاً ، تذكرت أنّ محراثاً مرّ على الأرض الصخرية فوقّع باسمه على جبهته العريضة الجميلة .. شخص يتوزّع تقاطيعه المارة ... حدثني جدّي :- يا بني هنالك بلاد لها قائمة بالأسعار ... البعض ... والبعض ... والـ ...حسب لون البشرة والشعر وشكل الأنف وأشياء أخرى يخفونها ويعرفها الجميع ، في بلاد قرأت عنها ولم يقل لي احد لا يثمن بثمن لأنه كل شئ ... في بلاد. فجأة وكالصدى المنبعث في جوف بئر عميقة قديمة ومهجورة أتاني صوت غسان إبني:
    من أي البلاد نحن يا أبي ؟ !!
    هذه القصة حائزة علي الجائزة الأولي _ جامعة كسلا _ ( السودان ) 1996 م

  2. #2
    الصورة الرمزية عبدالملك الخديدي شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    الدولة : السعودية
    المشاركات : 3,954
    المواضيع : 158
    الردود : 3954
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    الأخ الأديب القاص / فائز حسن العوض
    قصة رائعة بها من المواقف الإنسانية مايثير العاطفة ويدهش النفس المتبصرة بعواقب الأمور ، ولكن لدي استفسار عن دهشة القاص من أمنية الرجل الذي أحب أن يكون لديه بنتين .. هل نحن نعود إلى عصر وأد البنات ؟؟ أم ماذا ؟
    تستحق والله هذه القصة أكثر من جائزة ..
    تقبل تحيتي وتقديري

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالملك الخديدي مشاهدة المشاركة
    الأخ الأديب القاص / فائز حسن العوض
    قصة رائعة بها من المواقف الإنسانية مايثير العاطفة ويدهش النفس المتبصرة بعواقب الأمور ، ولكن لدي استفسار عن دهشة القاص من أمنية الرجل الذي أحب أن يكون لديه بنتين .. هل نحن نعود إلى عصر وأد البنات ؟؟ أم ماذا ؟
    تستحق والله هذه القصة أكثر من جائزة ..
    تقبل تحيتي وتقديري

    أخي عبد الملك الخديدي

    أولاً أحييك جداً علي القراءة الرائعة والمتبصرة ، وأحييك جداً علي مشاعرك الإنسانية المتدفقة ، أنت رجل ذو موهبتين ، الفكر والعاطفة ، وأنت إنسان مبدع تقرأ خلف السطور وتستنتج وتستنبط الحكم والرؤى ، أشكرك مرة أخري علي القراءة والإطراء للقصة بأنها تستحق أكثر من جائزة .
    بخصوص سؤالك ، رغم أننا في مرحلة تطورية لا بأس بها إلا أننا ما زالنا في مجتمع ذكورى يفضل الولد علي البنت والرجل علي المرأة بدليل أننا نكني أنفسنا بـــ( أبو فلان ) وليس ( أبو فلانة ) ، ولذلك أستغربت من أمنية القتيل أن يرزق بنتين وليس واحدة ، إننا ما زلنا نعتقد أن الإبن قوة إقتصادية وقوة معنوية للأسرة ، ونعتبر أن البنت ما زالت عاراً علينا بدليل جرائم الشرف ، مازالت عرفاً سائداً في معظم البلدان العربية ، وأحياناً لا يعاقب مرتكب الجريمة بإعتبارها غسل لعار الأسرة والقبيلة .

    أشكرك أخي وعزيزي عبد الملك الخديدي .
    مودتي وإحترامي لك ولك الأعضاء في الملتقي .

  4. #4
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    قصة إنسانية عميقة الحس جياشة بالمشاعر والمعاني
    لم تنل حقها من القراءة
    أرفعها لتحظى بحقها من قراءة مبدعينا

    أهلا بك أيها الكريم في واحتك
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  5. #5
    الصورة الرمزية لانا عبد الستار أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    العمر : 53
    المشاركات : 2,496
    المواضيع : 10
    الردود : 2496
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    قصة جميلة أعجبتني فكرتها وسردها
    واعجبني أن يتمنى القتيل ابنتين
    فابنتان تكونا له حرزا من النار كنز لمن يعقلون
    أشكرك

  6. #6

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    أستاذتي الرائعة / ربيحة الرفاعي _ المديرة التنفيذية _ (شمس الظهيرة التي يبصرها الأعمي).
    ما ذكرت بحق قصتي وشاح علي صدري أعتز به وتاج ٌ فوق رأسي وقولك فيها أثلج صدري ، فشكراً علي كل حرف ٍ كتبته
    بحقها (إنسانية عميقة الحس جياشة المشاعر والمعاني ... إلخ) كلماتك مفعمة ٌ بالصدق وعمق الفهم ، كما أن قولك أنها
    لم تنل حظها من القراءة لهو دليل علي سمو فهمك لها ، ورغم مرور وقت علي كتابتها بملتقي القصة والمسرحية إلا أن
    رفعك لها يعني أن المنتدي بخير وذلك ليس مصادفة ً فقد سبق وأن كتب أستاذ الأجيال (الدكتور / سمير العمري) رئيس
    ومؤسس الملتقي معلقاً علي قصتي المدينة السمراء (الأرشيف) تعليقاً ما زلت أحفظه وأعتز به أيما إعزاز _ لله در هذه
    القصة _ فهنيئاً للملتقي بكما وهنيئاً لنا بما تكتبان وتنظران وأن الملتقي يسير في الطريق الصحيح ، فإلي الأمام دوماً ،
    ورغم غيبتي بعض الوقت لظروف خاصة إلا أنني سأظل أكتب وأنشر هنا وكلي ثقة ٌ في إرتياد الآفاق الرحبة في سماوات
    الإبداع والأدب والقص .
    شكري ومودتي وتقديري إدارة الملتقي والإخوة الأعضاء

  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لانا عبد الستار مشاهدة المشاركة
    قصة جميلة أعجبتني فكرتها وسردها
    واعجبني أن يتمنى القتيل ابنتين
    فابنتان تكونا له حرزا من النار كنز لمن يعقلون
    أشكرك
    الأستاذة / لانا عبد الستار
    الرائعة ... زهرة البنفسج ... جميلة الفكر ... أنيقة القلم
    أشكر عباراتك الأنيقة وكلماتك الرقيقة المعبرة ، أعجبني إعجابك بالقصة وفكرتها
    وسردها (كما ذكرت) ومتأكدٌ أنها حققت ما أنتويته وما عبرت عنه بكلماتك المفعمات
    بالصدق .
    مودتي وإحترامي .

  9. #9
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : السودان _ كسلا
    المشاركات : 196
    المواضيع : 25
    الردود : 196
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نداء غريب صبري مشاهدة المشاركة
    قصة جميلة أخي

    شكرا لك

    بوركت
    الأخت الشاعرة المرهفة / نداء غريب صبري
    القصة عموماً هي (أثر) إنطباع وطالما تركت فيك أثراً عبرت عنه بكلمة (جميلة)
    فأظنها قد نجحت وحققت الغرض منها .
    شكراً علي التعبير الرائع وممتن لك بلا حدود .
    مودتي وإحترامي .

  10. #10
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,141
    المواضيع : 318
    الردود : 21141
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    جميل القلم وما سطر ـ وجميل الفكر بما عبر
    لغة سامقة ومضمون هادف وسرد مشوق جميل لحالة إنسانية
    أجدت تصويرها بأسلوب متمكن وتصوير معبر
    يعجبني هذا العمق والتوجه الإنساني الراقي في قصصك
    قصتك تستحق الجائزة الأولى وأكثر
    تحياتي وكل تقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة