المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مأمون المغازي
الصورة مهداة من الأديبة المفتنة : حنان الآغا ، كل الشكر لها تباريح ( قصة تشكيلية )
أجلس إلى الصورة ، أغوص فيها ... أعيد رسم القَسَمات ، أتصور كل ألوان التغير التي خلفتها السنون ... لا تُقنع عقلي ، لابد أن الرسم يخالف الواقع! .. ولو ترابت الأيام ؛ أين الأيام؟!
هل نفدت حقًا ؟!
أشعر بها تتفلت من بين أصابعي ، أحتلب الذكريات . كنت أقبض على الأيام ، ما هي إلا حفنة أشهر ، بعدها نلتقي ... سأتمم الصورة ... لم تكتمل بعد خطوط الرصاص ؛ كنا نحب الرسم بالرصاص .. الخطوط .. أصلنا الخطوط.. الخط هو الجوانية .. لن ننمو من غير خطوط .. الرصاص هو الأمثل ما دمت لا تعرف حدود الطريق .. نقِّط . خطط . حدِّد ... امح؛ ليس الكل .؟. ما لا يتفق . يجتمع الرأي ، نستقر .؟. أولاً الخط ... النقطة لا تعني . الخط نقاط . أنا وأنت .. ومن يأتي ؟! يمتد الخط. ما رأيك في العمق ؟!
ـ كنا طفلين.
ـ ما رأيك في اللون ؟
ـ الأفتح أنسب.
ـ الضوء الأصل .
ينعجن الخط ... ينتشر الضوء.
ـ ما لون الشعر ؟!
ـ ولماذا الشعر ؟!
ـ ابدأ بالعين .
ـ العين تراك .
ـ أنت العين ...
ـ فلنبدأ بالعين .
ترتسم الأحلام ، ينتشر الضوء بلون الحلم ، الأمل ، الأيام . كانت في كفي حفنة أيام .
ـ نجعلها البُعد !
ـ أيهما البُعد ؟!
ـ البعد الخط .. يسيل الخط ، ينتشر الظل تحت العين ، ننظر فوق ...
ـ ما أبعدنا من الظل!
ـ الظل الخط ، الخط الظل .. أنا وأنت ، أنت وأنا . فلننظر فوق ، ما أرفع أن ننظر فوق . لن أصعد وحدي .
ذهب الطفلان ، انتظم الشارب . نُحِتَ النهد . من منا في العُمق ؟!
ـ احذر البُعد .
ـ لن أتركها مسطحة ... نتفق على اللون .
ـ لون واحد ؟
ـ أربعة ألوان .؟. أمس ، اليوم ، غدًا ... حفنة أيام .
ـ أي كل الألوان .
نجلس ، يلتصق الكتفان ، حوار في صمت ، تتواتر خواطرنا فيما في الصورة ..
ـ أين الخط ؟!
ـ صار اللون .
ـ دُفن الخط ؟
ـ يبقى الخط ...
الصورة تتضح ، نمزج الألوان . أربعة ألوان . لون الصبح ، لون الغروب ، لون الليل ، حفنة أحلام .
ـ أي كل اليوم .
ـ أمامنا الأيام .
ـ أي طول العمر .
ـ لن ننسى ما فات .
ـ ما نحن بلا ما فات ؟!
في الصورة شبح ... طراطيش الألوان ...
ـ لنغسل الفُرش .
نعالج الشبح . اللون أصلي ، ثابت ، لا يَمَّحي .
ـ ماذا نفعل ؟! نشطب ؟
ـ سيضيع العمق .
نحاذر أن ينكسر الخط . الخط يستقيم . الشبح يستطيل ، يصبح جزءًا من الصورة ؛ تتعايش معه الألوان . تتجانس؟!
لا يمكن أن تتجانس . يأخذنا الحزن إلى ما بعد حفنة الأحلام . يقترب منا أكثر . نتبين ملامحه . الألوان تتجه إليه ؛ يمتص مني أحلامي ، يتلون ، يتغذى من أحلامي ، يتعملق ... نهرب في العمق ... نتدلى بالخط ، الخط رفيع ، لن نتخلى عن إتمام الصورة . الشبح خرج من الصورة .
نهدأ . نبتسم ، نجلس ... يلتصق الكتفان ... نتنفس في العمق . تتضح الرؤية ( في السكة ) نراها لم تعد طويلة ...( سيبهم مع بعضهم ) . نتلفت ، نشعر بوجود الشبح ... ( امش بعيد عنهم ) . نلتصق أكثر ... ملامحه أكثر وضوحًا . نثبت له أننا نعرفه .. نتعملق ... نلتصق ... نتمرد ... نلتحم . يلوذ بالفرار ، طرطش الألوان ، ازدحمت الصورة .
عاد ، يحاول ردم الصورة .
افعل ما تفعل ... لدينا الخط .
بدّل ملامحه ، يلوح من بعيد ... من خارج الصورة
ـ أنت معي ؟
ـ أنت معي ؟
عبد الوهاب يغني ( ... حبك رحلة عمري وقدري ...) الليل يخيم ، ترفرف الملائكة .. تصفر الشياطين . نحاول تنظيف الصورة ، نضحك رغمًا عنا ... الطرطشات صارت أشباحًا ، جيش الأشباح يحتل الصورة .
ـ ألواني ؟!
ـ ألوانك ؟!
سميرة سعيد تغني ( شفت يا قلبي ازاي وانا جنبه كنت حطير م الفرحة بقربه ؟! ) .. لن يفلح جيش الأشباح ... نعرفهم ، بدأ الحفر ، يريدون الخط ... نعرفهم ، نكثف الألوان ، يشتد الحفر ... نعرفهم ، تتضح الصورة ... نعرفهم أكثر . تتضح الصورة : حدود الصورة أشباح ترفع رايات النار إيذانًا بالدخول ، وردة الجزائرية تغني ( بعمري كله حبيتك وانت عارف شوقي لك أد إيه)
يعود الشبح . نعرفه ، نفس الشبح .. جِلدٌ آخر ، وجه آخر ، ثوب آخر ، نفس الشبح . البلدوزر يقتحم ... مكلل بالورود ، فيه من ملامح فيل أبرهة ، وعليه أبرهة ... يصفق له ألف أبرهة .
فتق الصورة ... شطر الألوان ... صلبة جدًا . نلوِّن قدر الطاقة ، السرعة فائقة ، نلون فوق الطاقة ، محمد منير يغني ( لو بطلنا نحلم نموت .. لو حاولنا يمكن نفوت ) .
يحفر في العمق ، معاوله كثيرة ، قوية ، تجتمع الأشباح ... انفجار .
ميادة تغني ( هي الليالي كدا هي الليالي ... بتفرق دا ودا ، وتقرب دا و دا ) وحدي مع الصورة ... ما زال الخط ... وحدك مع الصورة ... ما زال الخط ... حنان تغني ( في الشارع دا ... كانت أيام أجمل أيام .. فين الأيام دلوقتي ؟؟؟!!! )
لدينا الخط ... الأصل الخط . أحمد الحجار يغني ( الوهم فات والذكريات قالتلي حبك بالوجود يا ريت تعود ... يا ريت تعود)
مأمون المغازي
الكويت ـ 3/1/2004