ألقيتُ على كتفي وشاحا فلسطينيا , و خرجتُ إلى الطرقات , لأواري سوءة الخجل و العار على جسدٍ مفتولة فيه العضلات , خرجتُ أجوبُ الشوارع الضيقة و الطرق العريضة , لأَلمحنِي صاغرا في كل الوجوه , مسروقة ملامحي غريبة عنّي , ما رأيتني مثل اليومَ منكسرا ذليلاَ , و في كل العيون نظرات تشمئزُ رؤيتي , تنفرُ مني , حتى مرآتي في تباشير الصباح غادرت غرفتي و رحلت إلى فلسطين,تبحثُ عن وجه كريم تعكسهُ في مراياها,عن وجه ٍتستحقُ أن تبتسمَ إذا ما أطلّ بعزةِ غزة , و بسمة غزة , و سحنة غزة , تفاخرُ بين المرايا فقد زارني هذا الشجيّ و غردّت تقاسيمهُ على وجنتيَّ .
و ما من طريق ألج فيه إلاّ و قد أفزعتهُ و أفزعني بصرخات قويّة , أنْ ارفعْ قدميكَ عن طهارتي فتربتي تربة ندّية , مخضرة بدماءٍ زكيّة .. فأنتَ غريب غريبٌ عليَّ , من أينَ أتيتَ.. ؟؟؟ فرائحةُ خطواتك كريهة , و وصوتها زيف, و وقعها رجسٌ عليَّ . أنْ اذهبْ فلستَ مني و لستُ منكَ , فقد تجرعتَ من كأس الخنوع حتى ثملتَ ,و هذي الدروبُ دروبٌ نقيّة .
دنوتُ قليلاً فمسّ الترابَ ذيلُ الوشاح , فاهتزتْ دُروبي و ارتجتْ تُراقصُ هذا العائدَ من أرضِ الرباط , و قالت : رويدًا رويدَا , أنْ أمكُثْ قليلاً فقد اشتهيتُ طعم البطولة و لحنَ الصمود , و رائحةَ العطر النديّة .
وجدتني أحبو على ركبتيّ َ,و أرضي تقبلُ وشاح عزّ و تحدّقُ بغضب في مقلتيَّ , ألاَ قدْ نجوتَ أيها العربي , فلولاَ الوشاح لكنتُ انشققتُ و دفنتُ عار جبنكَ و ذلّ نفسكَ , فوجهي يعاف خطو الجبناء , فوجهي يعاف أقدام الذل و لو كانت أقداماً عربية .