إهداء خاص إلى أستاذي بن عمر غاني شفاه الله و عافاه
نفسية مريض على سرير أبيض ( من واقعي)
الزمان : ظهيرة الثلاثاء22 جوان 2004
المكان : غرفة رقم 3 بعيادة ابن رشد حي بوالصوف قسنطينة
ثمانية أيام بعد العملية الجراحية
فوق السرير الأبيض الذي لم أغادره منذ أيام خلت , أمسكتُ بكراستي و قلمي , و رحتُ أخط كلمات أحسستها تتدافع بجوانحي , و تتراقص على أوتار أفكاري فكانت هذه الكلمات .
" ما أروع أن يجد المرء نفسه محاطا بالحب و الرعاية, ما أروع أن يشعر
بوجوده داخل كل إنسان أحبه, كنتُ بالماضي فارسَ الكلمات ألوّنها و أشكّلها كيفما أشاء, كنت بارعا في ترجمة أحاسيسي و أحاسيس من حولي و لطالما كتبت أشعارا و وصفت أنهارا, و كم أجدني الآن عاجزا عن التعبير عن ما يسكنني من مشاعر و ما تراودني من أفكار, و ما يدّق في جسد مريض مُنهار."
إنها أصعب مرحلة مررت بها في حياتي , و بقدر صعوبتها و ألامها,بقدر متعتها و حلاوتها, مرحلة غريبة فعلا , أحس بنقطة تحوّل بداخلي , أصبحتُ أرى كل ما حولي جميلا و رائعا, لا أحسني أحملُ بين طيات نفسي إلا الحب و لا أشعر بالكره أبدا , لا أشعر بأنني ساخط على الواقع كما كنت أفعل دائما , لا ألوم القدر , و لا أندب حظي الذي طالما لم نتفق أنا و هو على صعيد واحد.
بل أنا سعيد, سعيد جدا رغم كل الآلام التي أحسُ بها في جسدي, رغم عجزي و ضعفي, و رغم كل الأمور التي يعرفها كل من مر يوما على طاولة جراح.
كم رأيتني حزينا في عيون أمي الدافئة الخائفة,كم رأيتني متكسرا في عيون أبي
كم وجدتني راسخا , عالقا بأنفاس أخي الوحيد,كم رأيتُ لهفة الحب و الخوف من كل عائلتي الرائعة.
كم أشكر الله و فضله, بأنه أوجدني في حيزٍ كهذا, و عائلة كهذه, و أصدقاء كأصدقائي.
كما أنني حظيتُ بعائلة جديدة هنا, أناس في منتهى الروعة و الرقة, أولهم طبيبي الجراح و كل طاقمه, و كذا الممرضين و الممرضات, و حتى عمال النظافة و الحراس.
فعلاً, صدق من سماهم " ملائكة الرحمة " فقد شعرتُ بحسهم الإنساني
فلقد رفعوا من معنوياتي كثيرا و بطريقة رائعة .
كل ما أتمناه الآن , أن تعود صحتي كما كانت , و سأتسلح بالصبر و العزيمة و قوة الإرادة لأقفَ مجددًا على قدماي و أمشي من جديد .
إنني أحس الآن بسعادة غريبة لأنني أحسست فعلا بأهمية وجودي عند الكثيرين, و أدركت محبة كل من حولي والحمد لله على كل حال.
الإيمان بالقضاء و القدر و كل ما يصيب الإنسان هو من مشيئة الله سبحانه و تعالى , و علم المشيئة تقف عنده العقول و تتلاشى أمامه العلوم .
أحسُ بسعادة كامنة في أبعد نقطة من كياني الجديد, أحسُ بأنني أقوى و أصلب,و إيماني بقدرة الله أعمق و أرسخ.
و لو قدّر الله و لم أشفى, و بقيتُ لا أقوى على الحركة فسأرضى بمشيئتهِ سبحانه و تعالى , و حكمته من ذلك .
|