سأكتبُُ اليوم عن أنوثتك ، ومع كل فقرة أكتبها سأودِع العيونَ التي تقرؤني بريقاً أدبياً أخّاذاً لأنه يكتب عن أنوثتك الشاخصة بريقاً، الذابلة فتوراً.. وسبحان من قسّم الأرزاق كُلاً حسب موقع الحاجة إليه، وقسّم المشاعرَ على ساحات القلوب وفق محاسن المحبوب كُلاً حسب الهيام به، والشوق إليه..وهل للعاشق من رزق يوميٍّ يترقب بزوغ شمسه إلا ما يحبوه به محبوبه من خام المحاسن المعنوية ، تلك التي يُصنّعها الذوقُ الأدبيُّ فنوناً طبيعية لا دخْلَ للصَّنعة فيها، لأنها خلَتْ من الصنعة في خلقتها وجِبلّتها....فأنتِ في رقتك تشبهين الغيمة الودود تصبباً، الولود مطراً ، الغادية غدقاً، الساجمة كرماً..هذا ما حكتْه لي أنوثتُك الرؤومُ وهي تحسن ظني في كل أنثى على وجه الأرض. هي أنوثتُكِ حينما تُفردني بين الرجال مثلاً يُغريك مني كُلّي وبَعضي، ويدهشك ضحكي كما يُجهشك بكائي، ويعجبك رأيي كما يَبهرُك حدسي ...هي هي أنوثتُك على حد الإغراء لمطامعي، وعلى حد الإغواء لجملة تهتُّكي وزيغي، وضلال رشدي.
في أنوثتك تلتقي لطائفُ الكون كلُّها ، كأنْ ليس في الكون لطف مخمليّ يُذهب قسوةَ الأيام كلطف أنوثتك...فإنّ في كفيك موطنَ السكينة الوفي المتدرج مع كفيك في فلسفة الضم الحنون الوافي ، وما ذاك إلا لأن في تجريد الإحساس لهما إدراجاً لجميع متاعبي الساقطة من ضمتهما ساعة لقاء آخذٍ في العروج نحو الفضاء.
انظري كيف تنساب كفّاك كسلسلة الذهب فتخرّان بين كفيّ في إعلان كامل الاستسلام! إنه استسلام الأنوثة النازل عن عرش الكبرياء العاجيِّ؛ ليلقى حبيبه على عرش الحب مع بقاء أهلية الملك لها، فهي ملكتُه، وسلطانة قلبه، وأميرة دلاله ، لا يعشقها أنثى قبل عشقه لها ملكة الأنوثة قاطبة..ولا يداعبها صرفاً من الغنج الأنثوي حتى يرى في تثنيها بين يديه خضوع الجمال بين يديها آمرةً ناهيةً، ولا تعبث أنامله المجنونة بوقار شَعرها حتى يتوجها بجنون تلك الأنامل تاج الترصيع بكمال الأنثى في أوج تعليها شاهقة راسية.
فماذا عن أنوثتك؟؟؟؟؟
وحينما أقف على حقيقة أنوثتك عند احتضان كفيَّ حريرَ النعيم السرمديّ من يديكِ لا أقوى على الرجوع إلى صوابي بدونكِ، فوحقِّّ ديباج الجنان المأمور بأمرك.. ما زلت أجد طعم كفيّ في فمي، كأنّ ما سرى بين اليدين طغى على مسامات الجسم مني فأحبَّتك كلُّ ذرة مني حبا مستقلا تحت راية القلب المغرم الشغوف المتيم.. ألم أقل لك حينها: أدركيني بمدد من التمنع فإني أوشك على الغرق في بحار انسيابية أنوثتك العارمة المكتسحة ميادين تحملي ، وتجلُّدي!!.
وسألتِني حينها: ماسرُّ توقف عجلة الزمن عن الدوران في مثل هذه اللحظات التي لا أرى حياتي فيها سوى طفلةٍ صغيرةٍ هربتْ من ملاحقة الفزع إلى كفيك يا حبيبي ؟؟؟؟
وقلت لك حينها وقد نسينا شغَبَ الأصابع في معركة عراك الخلود: لا يزال الزمن يجر أثقاله على عاتق الضعف الإنساني قاهراً، ومسيطراً، تمر ساعاتُه كزحزحة الرواسي فوق الرؤوس ..لا يتوقف في الحقيقة؛ لكن ننساه ساعة خلود إلى زاوية لا تحتكم إلى قانونه ، ولا تخضع لسلطانه ..ساعة توافق مع الذات ..ساعة لقاء ينكر الإنسان فيها استقلال ذاته لأنه لا يراها إلا ذات من يحب ويهوى.
وهل لتشابك الأيدي بين الحبيبين من تفسير سوى الصورة المصغّرة لواقع أكبر هو حتواء كل منهما صاحبه فوق دواعي الانفصال والأنانية والتحيز.
وماذا قالت لي أنوثتك؟؟
في أنوثتك نزعة تعقلية تبدأ كالرقيب في بث عيون التحفظ ، وهي تعقلية حينما تبدأ في الشرح الواقعي لمعنى الأنوثة إيحاءً منها أن تلك الجِبلّة الفطرية لا تزال تسير في دروب الكون وفق قانون ، ونظام يأبى التعسف، ويرفض الانخراط فيما لا تُحمد عقباه، فبقدر ما تزفرين من رقة، وتسكبين من عاطفة أنثوية صرفة المورد، بقدر ما يبعد بك النظر ، ويدق بك الفهم ، ويحكم العقل في ضرورة المزج النوعي للعواطف البشرية عند التعامل لا سيما مع الغير، فما أحلاها رقة متماسكة، ولِيناً متصلباً، وطمعاً مقتصداً، وغيرة متعقلة...ولو أن كل أنثى أدركتْ فائدة مزج تلك العناصر خليطاً يساهم في بناء الهيكل الإنساني السليم من غوائل العوارض الشيطانية لصححتْ مفاهيمها حول قضية ما يطلق من تصرفاتها وما يقيد، ولعلمت أن في المنع أحيانا ما لا تتم الحرية إلا به، ولا تكتمل ماهية حقيقتها إلا إذا قلدت قلائد ، ومعاصم ، وعقودا من المنع الفطري الربانيّ .