أحيانًا أفكّر ...
بماذا أفكّر ..؟ ولمَ لا أفكّر ..؟
هكذا أتساءل أحيانًا بيني وبين نفسي، بماذا وكيف..! حين يأتيني ذلك الصوت، الأفكار كثيرة ووطننا العربي يعجّ بالقضايا التي تجعلك مرغمًا على التفكير، يا أخي فكّر .. فكّر بحلّ يخرجنا من هذا الوضع الذي نعيشه، هكذا يناديني الصوت من داخلي دائمًا وبكل قوّة ؛ يزجرني وينبهني إلى مسألة مهمة تسمّى عامل الوقت، ويقول لي : الوقت يمضي وليس في مصلحتك أنْ تتأخر أكثر من ذلك، فأقول له نعم، نعم صدقت، ولكن بماذا أفكّر وكيف ؟ ثمّ أنسى الموضوع وأرجئ التفكير في كلّ الأفكار التي سبق وأنْ راودتني وفكّرت بها والتي لا أستطيع أنْ أفصح عنها لأحد.
لكن هذا الصوت عاد من جديد، فأزعجني هذه المرّة وأقلق راحتي ، فاحترت ماذا سأفعل معه ؟ وبعد طول تفكير نهرته وبشدّة وقلت له بصوت جهوري – أعلى من صوته طبعًا- هل سيتوقف مصير هذا الوطن الكبير على تفكيري أنا، ألا ترى الأفكار منتشرة في كلّ مكان ولا أحد يعبأ بها؟ سكت الصوت للحظة فظننت أنّني انتصرت عليه وأقنعته.
لكن وعلى حين غفلة وفيما كنت أتابع مسلسلًا مدبلجًا إلى لغة الضاد وكان رقم الحلقة 999؛ إذا به يعود من جديد صارخًا بي وبشكل استفزني لدرجة أنّني شعرت بغضب كبير جدا فصرخت :
-كيف تعاملني بهذا الأسلوب ؟
-أريد أن أوقظك أيّها النائم !
-يا سلام !! من قال لك أنّي نائم ؟ ألا تراني بكامل لياقتي الفكرية . أتابع لحظة بلحظة شئون بيتي ؟ فكيف تقول عنّي نائم أيّها المزعج؟
سكت قليلًا وعاد لصمته، ما أجمل الصمت في وقتنا الحالي ! ثمّ عدت لمتابعة المسلسل بشغف كبير، فإذا به يعود من جديد، لكن هذه المرّة بشكل هادئ ولطيف لدرجة أنّني شعرت بالحرج منه، فقال لي :
-دعنا نتكلم بصراحة.
-لمَ لا هيّا تكلّم .
-إلى متى ستظلّ هكذا كسولًا خاملًا لا مستقبل لك ولا هويّة ؟
بصراحة عندما قال هذه الجملة عاد إليّ شعور الغضب، لكنّني تحمّلته ولا أدري كيف، ربما لأنّي لمست من صوته بأنّه يريد مصلحتي وهو يخشى عليّ فعلًا، لعلّه يعلم ما لا أعلمه فقلت له :
-حسنًا لماذا أنا كما ذكرت ؟
-لأنّك تافه؟
هنا انفجرت به وصرخت قائلا:
-لي تقول ذلك أيّها الشيطان اللعين، ألا تعلم من أنا ؟
-بلى أعلم من أنت، ولكن أنت لا تعلم أنت، تعلم ماذا حصل مع الأبطال والبطلات صاحبات الوجوه الصفراء والحمراء والخضراء ولكنّك لا تعلم ماذا يجري من حولك وفي واقعك المعاش، وكل ذلك لا يحرّك فيك ساكنا. بينما تبكي كالأطفال لافتراق البطل عن البطلة، تحزن ويرتجف قلبك هذا إنْ كان لك قلب، بينما صراخ من هم حولك قد لا يعنيك في شيء يا تـــ ..
وقبل أنْ يكمل كتمت على أنفاسه، فأنا لا أحب أنْ يتطاول عليّ أحد، خصوصًا من يحاول أنْ يشعرني بأني عضو عاطل عن التفكير في المجتمع، وكأنّ أمره لا يعنيني لا من قريب ولا من بعيد، وحاولت أنْ أفهمه ذلك وأنا أضغط على أنفاسه وأخنقه برائحة السيجارة التي لا تفارقني لكي لا يقول تلك الكلمة التي ألهبت شعوري وأشعرتني بإهانة كبيرة، لكنّه تفلّت من بين يديّ ليقول:
-سأعذرك على فعلتك وقسوتك عليك، لكن لا بدّ وأنْ تراجع نفسك.
-من قال لك أنّي لا أراجعها؟ ها... من قال لك أنّي لا أفكّر ؟
-قلْ لي بماذا فكّرت فربما أعذرك ؟
-لقد فكّرت في أشياء كثيرة تدور في عالمي، لكنّني لا أستطيع البوح بها مخافة العسس.
-مثل ماذا ؟ هيّا قلْ فأنا لست مراقبًا من أحد، ولن يسمعنا غير الله تعالى .
-أخاف أنْ أقول لك، ثمّ ترشدهم عليّ، وأنا بصراحة لست حملًا للزنازين، وأساليب التعذيب، وجهاز كشف الكذب الذي يشبه الجهاز المتداول في الدّول المتحضرة طبعًا مع اختلاف بسيط وغير جوهري في بعض تقنياته وتفاصيل تطبيقه.
-قلْ ولا تخفْ، ولن أفعل ما يؤذيك؛ هيّا ..
-لقد فكّرت أولًا وقبل كل شيء، بأنْ أوجّه رسالة شكر لأمريكا ممثلة بشخص أوباما على خدماته الجليلة للعرب وإيفاؤه بكلّ الوعود التي قطعها على نفسه تجاهنا، ولأنّها تفكّر عنّا أحيانا وغالبًا، وهذا يحسب لها، كما فكّرت أنْ أشكر كل أحبّتها ومن أحبّها سرًا وعلانية، وأيضًا فكّرت وبما أنّنا على أبواب مرحلة جديدة من التاريخ لم يسمع عنها أحد، ولم يسبق وأنْ كتب عنها أحد أنْ أوجّه رسالة شكر أيضًا إلى جامعة الدّول العربيّة على عملها الدءوب ليل نهار لتعزيز الوحدة العربيّة بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والرياضية ..ألخ ؛ ضاربة بعرض الحائط كل تهديدات أمريكا ومعارضي هذه الوحدة، فكما تعلم من لا يشكر النّاس لا يشكر الله.
-وبماذا فكّرت أيضًا ؟
-فكّرت أنْ أقترح على جامعتنا العربيّة أنْ تستبدل مقرّاتها القديمة بمقرّات أفخم من تلك التي أكل عليها الدهر وشرب، فهذه لم تعد تتناسب و إنجازاتها العظيمة، فقلت لمَ لا نبني لها قصورًا وأبراجًا عالية علو قاماتنا وإنجازاتنا في هذا العالم، على أنْ توزّع المقرّات القديمة على الفقراء والأيتام والأرامل وأبناء الشهداء الذين سقطوا وضحّوا بأنفسهم دفاعًا عن كرامة أمّتنا التي استبيحت بيضتها كي يسكنوا فيها . كما فكّرت أيضًا أنْ أقترح عليها أنْ تبني لنا تمثالًا على غرار تمثال الحريّة الموجود في أمريكا والتي أهدتها إياه فرنسا - مشكورة طبعًا لتذكّرنا بثورتها العظيمة ؛ وبقوانين الحريّة وحقوق الإنسان التي ترفل بها شعوبنا - على أنْ نسميه تمثال " الدهشة " فتحت ضغط هذا الواقع الجميل من حقّنا أنْ نتفاءل وصدّقني أنّني أخشى أنْ تموت شعوبنا من فرط السعادة التي تسكن زوايا كلّ بيت من بيوتنا الممتدّة من الماااااااااع ع إلى المااااااع ع، على أنْ نضع في يد التمثال اليمنى رغيفًا من الخبز بدلًا من مشعل الحريّة، أمّا اليد الأخرى فنضع أصابعها في العين اليمنى أيضًا على اعتبار أنّني سأقترح أن يكون التمثال أعور وبعين واحدة .
-يا لك من مفكّر، ألم تجد غير الجامعة العربية لتتكلم عنها!
-وهل يوجد غيرها لنتكلم عنه بحريّتنا من دون حسيب أو رقيب ؟
-تفكير جميل !
-أرأيت أنا أفكّر ؛ إذن أنا عربي!!!
-أرجو منك المعذرة فقد اعتقدت أنّك من متابعي الكلام الفارغ ولم أظنّ أنّك تحمل في عقلك همّ أمّتك وتفكّر لها بحلول جذريّة لتخرجها من واقعها الذي يعبر عن مدى فرحتها وسكوتها وامتنانها لأمريكا وحلفائها على كل ما فعلته بكم ولكم.
-سوء الظنّ يؤدي إلى المهالك ، سأسامحك ؛ لكن إياك أنْ تعود لمثلها وتوقظني مرّة أخرى.
-سؤال أخير قبل أنْ أرحل؛ ماذا كنت تفعل أمام التلفاز ؟
-كنت جالسًا لأنّ زوجتي أرغمتني على ذلك.
-لمَ ؟
-لأنّها أقسمت عليّ أنْ أرى المطبخ في المسلسل الذي تتابعه والذي تعادل كلفة تشييده حارتنا وكل الحارات المجاورة لنا.
-ولمَ فعلتْ ذلك؟
-تقول أنّه في حال أنْ ربحنا في السحب القادم لأوراق اليانصيب ستشتري بيتًا على أنْ يكون فيه نفس المطبخ .
-بالتوفيق، سأذهب الآن وعدْ أنت لمتابعة المسلسل.
-نعم اذهب، فقد بدأت أتثاءب .