دمــاء بــاردة
لم تكن هي المرة الأولى التي تقف فيها أمام مرآتها حائرة باكية , عاينت وجه من تقف أمامها
لم تلاحظ سوى تيبس القسمات وغياب دورة دموية كانت موجودة, أدركت حينها أنها فقدت كثيرا مما كانت تحمل من أنوثة , فركت وجهها علها تحرك شيئا من دماء باردة تسكنه , شيء ما أخذ يدور في رأسها
وهي تقلب شفتيها وكأنها لا تثق فيما تفكر به ,
إذن ليس أمامها إلا الإنتظار كما هي عادتها , ولكن ماذا يدور في رأسك أيتها المرأة ؟ هزت رأسها أعادت النظر الى من تواجهها مرة أخرى ابتسمت لها ولكن شيئا لم يتغير من قسمات وجهها فقد بقي باهتا
زهرات عمرها الأربع يغطون في نوم عميق ولا يدركون ما يدور حولهم ,حتى وإن أدرك بعضهم فلا حول لهم ولا حيلة
نظرت الى وجوههم الملائكية , أطالت النظر فشقت صدرها تنهيدة طويلة قاسية انحدرت على إثرها الدموع
غطت وجهها بكفيها لعل ذلك يحجب ما انحدر منهما , حاولت ردع ذلك ولم تفلح
كان الوضع أكبر من إرادتها . وهي على كل حال فقدت إرادتها منذ زمن بعيد
في آخر الليل اعتاد أن يعود محمَّلا بقسوة يغطي بها عجزه وقد اعتادتها واستسلمت لهاإهانات بكل صنوفهاإذا سألته عن سبب تأخره وأقذع منها إن هي بقيت صامتة ,والويل لها إذا اتجهت للنوم قبل
قدومه وقبل أن يغسلها بكيل من الشتائم بلا أدنى سبب أما هي فكانت أثناء ذلك تنظر الى أولادها وتبكي
تبكي في صمت .
رجعت الى مرآتها , نظرت , تنهدت حاولت خلع ابتسامة من شفتها , أزالت ما يغطي رأسها هزته بقوة
فتناثر شعرحالك السواد حول وجه مستدير أبيض وعنق طويل جميل .
قررت أن تجعل هذه الليلة مختلفة , تصادف هذه الليلة اكتمال عمر زواجهما العاشر, قررت أن تفتح ولو كوّة صغيرة نحو نافذة أمل .
نظرت الى مرآتها طويلا, تلمست وجهها , أرادت وضع بعض من الماكياج ترددت هزت رأسها استدارت هاربة , ولماذا لا أضع وأنفذ , النتيجة واحدة , وربما تعيده الذكرى فأرى ليلة مختلفة بعيدة عن الشتائم
عادت الى مرآتها , تزينت واكتحلت , لبست فستان زفافها القديم , أعدت مائدة متواضعة , أشعلت بعض الشموع وجلست تنتظر .
آخر الليل وقبيل الفجر بقلبل كان يدفع ويرفس الباب بكلتا يديه وبقدميه منبئا عن قدوم ثور هائج
امتقع لونها وتيبست قسماتها باديء الأمر ولكنها تقدمت فتحت له الباب , تصنعت بعض ابتسامة ورحبت
نظر اليها من أعلى الى أسفل ومن أسفل الى أعلى
ولم يصرخ كعادته
انفردت أساريرها قليلا
وبصوت به كثير من الهدوء وهو بدير ظهره
أنت طالق , طالق , طالق
ذابت فرحة كانت قد أعدتها منذ المساء وطوال ليلة كاملة
أمام جبروت شرط الزمته به صحبة القمار