قراءة في القصّة الشّاعرة: (على ثراها) لربيحة الرّفاعي
قصّة للون أدبيّ جديد استوقفتني .. وكنت قد علّقت عليها، وأودّ نقل ما كتبت لمنتدى النّقد مع بعض الإضافات ؛ كي يطّلع عليه الإخوة القرّاء، ولأنّها قصّة تستحقّ قراءة سطورها وما بين تلك السّطور .. فشكرا للأخت ربيحة وللأستاذ محمّد الشّحات صاحب الفضل في وجود هذا اللون من الأدب في منتدانا
مفتاح النّصّ أو عتبة النّصّ هو العنوان
عنوان القصّة : (على ثراها ) شبه جملة تبدأ بحرف الجرّ على، وشبه الجملة لا يكتمل معناها إذا جاءت منفردة، وغير متّصلة بجملة ويفيد حرف حرف الجرّ في هذا السّياق معنى الاستعلاء والفوقيّة يقف على ثراها . والثّرى هو التّراب النّدي... الهاء حلّت محل كلمة كانت في الأصل مضافا إليه، لكنّ القارئ لا يعرف الكلمة . فالعنوان يثير في ذهنه تساؤلات كثيرة؛ لأنّ مكان الثّرى غير محدّد ، ومن سيقف على هذا الثّرى غير معروف . ففي العنوان تعميم ، والعتبة يكتنفها الغموض ، ورغم ذلك سندخل النّص كي يزال الغموض!
على أملٍ بأن غدا سيحمل نكهة أحلى[
بداية تبعث على التّفاؤل المستقبلي بنكهة حلوة .
يبدأ النّص ّ أيضا بحرف الجرّ (على) ويفيد هنا المصاحبة _ بمصاحبة الأمل، إنّ الغد سيحمل نكهة أحلى ..الحاضر يقول إنّ هناك نكهة حلوة، ولكن المستقبل سيحمل نكهة أحلى.
(يحمل) فعل مضارع يدلّ على الاستمراريّة، واقترن بسين التّسويف التي تدلّ على التّنفيس ، ومعناها الاستقبال
، ومع الأمل؛ فإنّ هناك يقينا بأنّ النكهة ستكون أحلى
في الغد وهو المستقبل خاصة إذا اقترن بالطّهر ..
[]توضأ ثم سار نحو البيت بخطوة عجلى []
]يصارع فكرة التضييع كيف "أتى الذي ولّى"[/
]،
الوضوء هو طهارة الجسد قبل أداء المقدّس- وهو الصّلاة ، ويستلزم النّيّة . وهنا جاء الوضوء لدخول مكان يرتبط بالقدسيّة (البيت) ، وبخطوة عجلى ( الحثّ على الإسراع) ..
الوقت يداهم من يخطو ، وفي داخله صراعات وتساؤلات بسبب تضييع ما ضاع،أو ربّما مضى بخطوة عجلى يقاتل فكرة تضييع ما سيذهب لاسترداده، وقد أتى بعد أن ولّى .. أي كان وعاد، ولا يرغب في عودته!...ولكن أراها صراعات داخليّة؛ لأنّ الجمل اللاحقة جاءت معطوفة على هذة الجملة ... لا تزال الفكرة غامضة!
الفعلان توضّأ وسار في الزمّن الماضي الذي سنرى لاحقا أنّه يسيطر على النّص – ورد فعلان بصيغة المضارع (سيحمل ويصارع)، والأفعال الأخرى في الماضي – كون الأفعال وردت بصيغة الفعل الماضي؛ فإنّها توحي بالانتهاء .. لكن في هذا النّصّ، الزّمن في الماضي والحدث في المستقبل، وهو يفيد تحقيق الفعل. وقد ورد ذلك في القرآن الكريم " وسيّرت الجبال فكانت سرابا" . " أتى أمر الله ( سيأتي) ... والقصّة بدأت على أمل .. إشارة إلى أنّه سيحدث وإن وردت الأفعال في الزّمن الماضي ...
[]وكيف القوم باعوا القدس في ترنيمة القتلى[/]
وضحت الصّورة، وكشف النّقاب عن المغطّى .. إنّها القدس .. على ثرى القدس .. أصبح المفتاح في يدنا. باع القوم القدس، وجعلوا من بيعها ترنيمة ( كلمات وأشعار مغنّاة، وترتبط بالدّيانة المسيحيّة) _ ربّما هنا إشارة لمسؤوليّة المسلمين والمسيحيين عن ضياع القدس أو بيعها مثلما ورد- تنشد عن القتلى. أي باعوها وبكوا عليها وعلى قدسيّتها!
وكيف أتى بنو صهيون كيف استأسدوا في الناس تنكيلا وكيف بغزة الثّكلى أقام العزل والتجويع
يستمر الصّراع والتّساؤل حول القدس، ومجيء من استأسد ونكّل بالنّاس .... وتجويع وعزل غزّة الثّكلى ( شريط صور وأحداث غطّى سنوات قهر وذلّ عديدة)
[B]والإقدام ما كلّ، وعند الباب غازل غص زيتون على كتف الجدار أقام واستعلى،
تأمله بإعجابٍ وفي ظل استدارة أمه الخضراء أغرق في تسابيح قبيل العصر ثمّ بظلّها صلّى [/]
الأمل رفرف لواؤه بالإقدام – الجهاد – عند الباب –الباب معرفة ، مكان محدّد ومعروف .. وقف عنده وغازل غصن زيتون... ثمّ صلّى بظلّها
نهاية رائعة زاد من بهائها التّثليث – عدد الاكتمال –
لقد صلّى بظلّ البركة الإلهيّة " زيتونة مباركة" ... مستديرة _ الاستدارة رمز الكمال والتّناغم وعدم الانقسام ... خضراء – رمز الحياة الدّائمة والخلاص ... هذا الثّالوث هو ثالوث الاكتمال الذي يفرض بيئة الاغراق في التّسبيح ، وهو الحمد والشّكر والتّنزيه .. والزّمن هو العصر أو قبيل العصر ... استحضار لسورة " العصر" التي يغلب عليها طابع الإنذار : " إنّ الإنسان لفي خسر" .. ومع الإنذار كان باب الأمل مفتوحا للذين" آمنوا وعملوا الصّالحات .."
إنّ اختيار وقت العصر جاء موفّقا؛ لأنّ العصر هو بداية نهاية اليوم .. وقت الضّغوطات لإنهاء ما بدئ في أوّل اليوم ..
فما هو فيه يستلزم إجراء حسابات (إنّه في خسر) ويجب التّفكير في الرّبح ؛ لذلك غازل غصن الزّيتون وهو رمز البركة . والمغازلة هي الكلام الطيّب مع من نحبّ، ولن يجد من يحبّه أفضل من الله وبركته ، هذه البركة المتجسّدة والمقيمة باستعلاء على كتف الجدار الذي يجب اختراقه؛ كي لا يبقى في خسر ... فالكتف هو الجزء العلويّ من الجسم .. والبركة قيمة علويّة، وطالما غازلها؛ فإنّها ستبقى حبيبته التي يعمل على الاحتفاظ بها .. والحفاظ جاء بالصّلاة : إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" .. أجد هنا إشارة بالتّذكير الدّائم ( كتابا موقوتا) لاختراق الجدار وتحرير المقدّس للذين" آمنوا وعملوا الصّالحات " كي ينعموا براحة الصّلاة التعبديّة . " أرحنا بها يا بلال "
للصلاة في النّهاية دلالتان : الجهاد والعبادة ( الرّاحة والاستقرار) .
ومن النّهاية الجهاديّة نعود إلى العنوان : على ثراها، فالتّراب مبلّل بالماء الطّهور،أو( ماء الجهاد) إشارة إلى قدسيّة وطهر المدينة!
آمل أن أكون قد أعطيت النّصّ حقّه.