سكن الليل إثر حلم يراودني حيناً فحينا بتُّ أراقب أفقاً ترصعه النجوم , فأخذت أرسم برمش عيني ما لجّ في هوسي شتاتاً ينصبُ من خليطِ الذكرى والهيامِ مزيجاً من الأمسِ والغدِ فنضجتْ لوحةٌ حيةٌ في حطامِ آلامي , لوحةٌ رسمتْ لي القمرَ بك بدرا , أناجيه فتأنسُ أفكاري سهرا , وحين تُجهدُ ذاكرتي من هيامِ البوحِ سرا , تسترخي لحظاتٌ حلمي على شفتيك , وتستجمِّين بعد عناءِ خاطرتي في مضجعِ عيني لتحميك أهدابي , هنا ترمشُ أجفاني رهبةً , فأجزم بعدها بألَّا أخوضَ معاركَ الغرامِ إلا في نسائمَ الهيامِ , ما بينَ فجرٍ يعسعسُ أمالي وغروبٍ يشرقُ بخيالي , وخلالهما أبني مجدي أعلو بقصري وأفسحُ روابي جناني .. لكن بحسرتي أنتحبُ خشيةَ ألَّا أقبَّل جبينك , حتّى في الأماني بائس , كم من الحسرات أبتغي ؟؟ .
كيف يتسنَّى لي الوقوفُ حيالَ كيانكِ وظلامٌ دامسٌ يضمُّك ساعةً وأخرى يموجُ ثائراً من ريحٍ أنوثةٍ وما تبقي يلمُّ أشلاءَ قتلى صُوِّبُوا بسهامِ مقلتيك في زاويةِ الخيلاء, لن تجرؤَ أناملي تمساساً لخصلاتٍ أراها في يومٍ من الأيام كفني , وها أنا ترجفُ كفِّيَ من تخيلي , هيهاتَ أن تجديَ عزائمي بالثبوتِ أمامك , كيف لي ذلك وفكري غريقُ الخيال المعتمِ بهمي الخافي خلفَ أجفاني التي لُطّختْ بدماءِ النومِ في ساحاتِ الأرق ....
كفى يا سيدتي فقد هرمتْ أحشائي خلفَ افتداءِ هيامي السائرِ بخطىً متذبذبةٍ تستلهم سبيلها من وقعِ عينيك الزاهيتين و صوتِك المفعمِ أنوثةً تثري الدفءَ وتذيبُ التغريدَ فينسابُ عذباً حتى يقبعَ في أعشارِ شراييني ........
سيدتي فلتعلم الشمس أن وهجاً من محياك يكفي كي يمدنيَ دفئاً يشعلُ خصالي البريئةِ وقواي النديةِ فأنجزُ نصبَ أمتعةِ ذاتي على امتدادِ ربا حبِّك , ولتعلمَ الاتجاهاتُ التي أعرفُها مسبقاً أنَّها قدْ تحزّمتْ بخيطٍ من عشقِك فغدتْ محراباً أستبصره ولا أبصره يمَّمتُ نحوه دون بديلٍ فكفى سيري اجتذاباً إليه , ولتعلم السماءُ أن الأنجمَ بسناها ليس إلا نثيرَ لألئ ثغرك , وأن السحابَ بغمامهِ وغيثهِ فيضُ خصالك , وأن النسائمَ رقيقُ حسك والرياحَ بصيصُ كبريائك ...
وليعلم الربيعُ أنَّه دون وجنتيك لا يرقُّ وردٌ , وأن زلالَ الشُّهدِ أصفاه ينهلُ من بين شفتيك ...
ملاكي ... بل ليعلم الكون ما أنت إن أسرتِ قلباً مصفدَ العقل وأسكنتهِ في بحور التيه , فبدا تشكِّيه صمتاً ونقشاً على الصخور يأساً ..
فأهٍ من آهاتي حينَ تحلُّ فاصلةً بين ذكرياتي , وما ذكرياتي سوى نصفِ دمعي وكلِّ مسراتي .. أيُّ حنينٍ كان نبضُه أنينا , فمنْ جسَّ عبراتي علمها جرحاً ووجعا .. هيهاتَ مسعفاً طبيباً كان أم عرّافاً محالٌ جدواهم بعلّتي ..
آهٍ من وقتٍ تلجُّ ثوانيه وخزاً لجوانحي .. أخشاهُ أن يؤذيك , فلا علمٌ لديه بكونك متوَّجةً هناك تشعِّين بريقاً ينيرُ آمالي , تهدهدين نوباتي فتستجمُّ أفعالي , توحين تلطّفي فتسترقُّ أقوالي ...
آهٍ وقد ملَّتِ الشواطئ دمعاتي , وأنتِ متغربةٌ ببسماتي , فطلبي كلُّ طلبي وأملي الشهيقُ أملي أن تجودي بلقاءٍ يحيي عُودي ويمدني قوتي فأضمنُ البقاءَ لتارةٍ أخرى ..