الوقت نهاية تشرين الاول 2004 و منتصف شهر رمضان وفي خضم معركة الفلوجة الثانية وحيث انتهى الانذار الذي اعلنته القوات الامريكيه الغازيه لاهالي الفلوجه بترك مساكنهم والخروج من المدينه بغية تكرار الهجوم عليها لطرد المقاومين الذين سيطرو على المدينة منذ معارك نيسان والتي فشل الامريكان من انتزاع المدينة منهم ورغم كل المحاولات اليائسه والاستخدام المفرط للقوة فقد كان صمود المقاتلين اسطوريا وشهد بذلك العدو قبل الصديق ... وكغيرها من العوائل التي اثرت البقاء في مساكنها على معاناة النزوح والمشقة كانت عائلة العم هادي المتكونه من ولديه اياد والذي لجات زوجته وولديها عند اهلها النازحين الى بغداد وبقي هو الى جانب ابيه الضرير ونهاد المتزوج حديثا والذي آثرت زوجته الصالحة البقاء لخدمة العم الضرير وولديه .
بدى الوقت عصيبا وطويلا فبعد أيام من القصف العشوائي والمستمر على كل احياء الفلوجه... بدأت المؤونة تنفذ عند الناس و لا احد يستطيع ان يخرج للتسوق وان خرج فلن يجد محلا للبقالة او الغذاء . كان العم هادي ورغم كل هذا مستبشرا متفائلا فكان دائم القول "ازمة وتعدي كسابقتها " و دائما ماكان يوصي الابناء بالحذر والتزام البيت وعدم الضهور للعيان.
في اليوم السادس من القصف بدأوا يسمعون اصوات الاليات العسكرية تقترب من الاحياء والبيوت مصحوبة بزخات الرصاص ودوي مدافع الهاون المتبادله بين الجيش الامريكي المهاجم وفصائل المقاومه والتي نتجت عن اشتباكات ضاريه بين الطرفين اقتربت الاليات الامريكية يتقدمها الجنود حتى اصبحت عند باب الدار.
انتاب القلق الجميع ماذا يفعلون هل يرفعون الراية البيضاء و يخرجون... ام ينتظرون المصير وبدافع الفضول والترقب فتح نهاد النافذة واخرج راسه لم ير احدا في البداية مما شجعه ليخرج بكامل جسده امام المدخل ومن ثم جاءته فكرة تغطية الزجاج الامامي بوضع ورق الكارتون عليه كيما يراهم احد ليلا . باشر العمل دقائق ثم باغتته رمية قناص فسقط مضرجا بدماءه وقبل ان يلفظ انفاسه نادى وبصوت متهدج على اخيه : اياد... اياد ..اياد خرج اياد ملبيا ومتفقدا وضع اخيه وفي ثوان معدودات سمعت زخة قناص اخرى لتحصد روح الابن الثاني فيسقط جثة هامدة جنب جثة اخيه ...
من خلف زجاج النافذة شاهدت زوجة نهاد المشهد المروع لمصرع زوجها واخيه
لم تجرؤ على الخروج وبفطرة البقاء اصطحبت عمها الضرير عبر السلم فاتخذوا الطابق العلوي مستقرا ومأمنا . كانت الفتاة تبكي وتتضرع الى الله طالبة الصبر والمساعدة فاتاهم المدد صبرا وسكينة واحتسابا ... بكت السماء عليهم مطراً منهمراً أغرق طابق البيت الارضي مما تعذرعلى الامريكان مداهمة المكان والوصول اليهم .
عاشت الفتاة وعمها في الطابق العلوي لحظات الرعب والترقب شهراً كاملا وتحتهما في الطابق الارضي وعلى بعد امتار يرقد الشهداء المغدورون زوجها نهاد واخيه اياد...لحظات وساعات وايام طويلة لا تدري كيف مرت وانتهت. وحين هدأت الحرب وسمح لفرق الهلال الاحمر بالدخول الى المدينة عثر عليهما وبمساعدة احد الاقارب وعندما سُئلت الفتاة عن كيفية تدبرها امر المأكل كل هذه المده ؟ قالت بان مؤونتهم كانت بضع بيضات وبضعة ارغفة حرصت على ان تقتصد بها اطول مدة حيث كانت تعد كل يوم وجبة واحدة تسلق بيضة واحده ورغيفا فتتقاسمها مع العم هادي. اما أنيسهم الذي يدينون له بالفضل والعرفان فقد كان كتاب الله القران حيث كانت وطوال تلك الايام العصيبة تقرأه وتتدبرهُ .