صومعة العمر.................................
مراقبا وابلاً أغرق شرفة الزمن مع أول خيوط مساء عنيد
محدقاً في الأفق متأملا أعوامه السبعين
تلك الأعوام التي مضت بوجع ولذة طعم عناق قديم
بِحِيْرَة المحترق السقيم
ونوبات عشق تراود قلبه الذي ما زال يافعا
يبقى متدثرا بصمته في الوراء البعيد
يستشعر رجفة أنامله الشاحبة
التي كم سكبت بخفة ورشاقة -بريشة العمر الفتي-
لوحات غروب سافرت على متن سفينة
غرقت في أفق الأزرقٍ الحزين
وكم تهادت - ترسم- ريشته بتلك الأنامل تلك التي كانت فتية،
لوحة لصبية ، تتهادى قفزاتها بخفة مع ظباء البراري
بوشاحها الحريري المتموج ، مؤنسا وحشة البراري
مع نسمات حالمات، وأمل معقود ان تجد الغدير في غابات الربيع
المقوزح..
كم رسمت ريشته الفتية شيخا مسافرا
الى تيه يبتلعه وسبابة
تشير الى غلالة ضباب يصعد خارج الــ فوق
يرتشي برقا باهتا..وأنين رعد
وكم دشنت لوحاته تلك التي كانت فتية
جيادا وحشية تهرول بفوضى فوق سهول خضراء
تتماوج حشائشها مع كل ركلة وكأنها بحر اخضر
محملقاً بأحداق قلبه في سنينه السبعين
شيخ السبعين..الذي كان لسانه يغرد
بقصيد الغزل لمعشوقته الــغائبة الحاضرة-
بثغره الذي لم يكف عن الابتسام والأمل
وعيونه تلك التي كانت تدور هنا وهناك بوهجهها
تبحث عن الجمال ..لتدشن الجمال
في لوحات غيبية
ها هو هناك بعد انبلاج المسافات بعيون ساهمة
يصغي بصمت
وقع خطوات العمر ، صاعدة بتثاقل فوق درجات
البياض ..ولا شئ وراء البياض
يسمع وداع خطوه من فوق سحابة عابرة، وليمضي
برجفة الأنامل الــ كانت فتيه..
متوكأً ، متشبثا برأس نسر شامخ فوق عصاه
خوفا وحذرا من الترنح والانكسار
فما عادت عظام ظهره ناهضة
وما عادت الحيطان التي شاخت معه
تحتمل اتكاءاً..
بل بكاءً على أطلال السنين
ليحتمي من المجهول ،
غدا عائدا صوب صومعته
التي كانت بالأمس مرسما
ومحفلا لا يكف عن الحياة.
.