أُناس طيبون ولكن ....
أسرع أحد العُمال الذين يعملون مع (عامر) وأحضر مركبة أُجرة وبقي آخر بجواره، لا يدرى ماذا يفعل لعامر غير الدعاء والبكاء.
ركبوا المركبة وعامر يتوجّع من شدة الألم .
انطلقت السيارة مُسرعةً ثم توقفت على مقربة من إشارة المرور ــ فأمامهم رتلٌ من السيارات ــ قال السائق: لم يبق إلا خمس إشارات للتوقف وسنصل إلى المستشفى إن شاء الله. لا تخافوا، هناك ستلقون كل رعاية واهتمام وستنقذون مريضكم. إنهم أناس طيبون ، يسرعون لمساعدة المرضى وعند دخول بوابة المستشفى العمومي، تحدث أحد المرافقين: أرجوك لدينا إسعاف، إسعاف... حقّق حارس البوابة قليلاً معهم وعامر مغشياً عليه.
سأل: هل هو مضروب؟، مصدوم؟. من قتله ؟ لابد من معرفة ذلك قبل الدخول . وبعد أن رجوهُ قال: لابد أن أذهب معكم إلى الطبيب.
ركب معهم، قال السائق: ألم أقل لكم إنهم أناس طيبون يعملون لمصلحتنا دائماً ولم يرجوا منّا شيئاً ؛ لكنه سيؤخركم قليلا لمصلحة النظام، فالنظام شيءٌ مُقدّس لا أحد يجرحه عندهم حتى بشوكة.
حُمل عامر، على ظهر أحد مرافقيه إلى غرفة الإسعاف، وظل المرافق الآخر يرجو الطبيب كي يعتني بمريضهم. قال الدكتور: ألا تراني مشغولاً لابد أن تلتزم بالنظام.
ــ يا دكتور لدينا إسعاف، أرجوك انظرْ إلى حالته.
ــ لابد أن تصبروا قليلاً يا أخي، سوف أحضر حااالاً قال: السائق ألم أقل لكم إنهم ملائكة الرحمة، سترون كيف سيعتني به.
أتى الطبيب بعد ربع ساعة. وبعد الكشف قال: حالته خطيرة جداً، يحتاج إلى عناية خاصة وكل الأَسِرّة في العناية المركزة لدينا مشغولة . نحن متأسفون جداً، انقلوه إلى مستشفى عمومي آخر سريعاً، : ويجب أن تدركوه خلال ساعات، يمكن أن يفارق الحياة.
قال السائق وهم يحملون عامر: سأنقلكم إلى مستشفى عمومي آخر، على بعد كيلو من هنا، وسنمرُّ من طريق سريع؛ لكن ألم تروا كيف نصحكم الدكتور: إنه طيب والله .
وصلوا بعد ساعة إلى المستشفى الآخر وعامر مازال ينبض بالحياة، بقى في ممر المستشفى فترة دون النظر إليه، قيل لهم نفس الكلام : ليس لدينا له سرير في العناية وهو بحاجة إلى العناية المُركزة.
صاح أحد المرافقين : اِعملوا له أي شيء أي شيء.... قال الطبيب: لابد له من عناية خاصة، غير ذلك لن ينفعه شيء. أسرع السائق وحمل معهم، ثم قال لهم : ألم أقل لكم إن الأطباء يخافون على صحة المرضى ويرجون لهم الأفضل، وقد أشار عليكم أن تذهبوا إلى مستشفى فلان.... الخاص وأعطاكم كَرْته لإبرازه لهم كي يهتموا بمريضكم إنه رجل طيب والله، إيهٍ كم مثله طيبن في هذه البلاد ولكن .....
مضت سبع ساعات وهم من مشفى إلى مشفى آخر... حتى أوصلوا عامر إلى مستشفى خاص (ثمانية نجوم) وقد فارق الحياة وأدخلوا جثته ثلجة الموتى للعناية بها من التلف.