قراءة نقدية في :
قصيدة : وردك الصافي
للشاعر السوري : وليد عارف الرشيد
عُدْ لي ولو حينًا فقد أعيَتْ صروفُ الدَّهرِ بَعدَكْ
عُدْ لي لتُزهِرَ - مثلما كنَّا بماضي العهدِ- عَهدَكْ
عُدْ لي فإنِّي كم ظمِئْتُ وقد أضاعَ القلبُ وِرْدَكْ
من ذا يعوِّضُ للشَّواطي -حينَ جفَّ الرَّملُ- مدَّكْ؟
من ذا يوفِّرُ -آنَ تعتو الهائجاتُ عليَّ – صدَّكْ؟
من للعظامِ إذا برَدْنَ وقد طوى لي الموتُ بُردَكْ؟
أم من لهذا الدربِ مذ ضلَّتْ خُطا الأيامِ رُشدَكْ؟
نضبَتْ حكايا العمرِ لمَّا ودَّعَتْ في القبرِ سردَكْ
تاهتْ عيونُ الليلِ لمَّا أنْ حَرَمْتَ الحُلمَ خدَّكْ
رحماتُ ربِّي كم حملتَ وما أرحتَ العُمرَ زندَكْ
كم كنتَ للّيلِ البهيمِ ضياءَهُ ما اختارَ وقْدَكْ
وبقيتَ في عُرفِ الفُصولِ ربيعَها تستنُّ وَردَكْ
إنِّي رأيتُكَ كلَّ شوقٍ في ثنايا الدَّمعِ وحدَكْ
يبكي الحنينُ ولم يزلْ يجتَرُّ يا أبتاهُ فقدَكْ !!
ـــــــــــــــــــــــــ ـ
نجد شاعرنا هنا قد قد أدرجت قصيدته ضمن غرض شعري عريق وهو الرثاء ، وهذا ما يوحيه الحدث الشعري ، فهو يقدم أبياته في والده الفقيد .
لكن عند ولوج النص ، تجدك أمام مناجاة بين ابن يعيش مغتربا عن ثرى الوطن المعذب الذي تمارس ضده كل آلات البربرية والإجرام .
ابن بلغ الخمسين .. هناك في غربته تروح لواعج الشوق إلى ذكريات .. فيعيش معها وبها ، علها تسري عنه .
فيبدأ القصيدة معنونا بـ : وردك الصافي ، بإضافة ضمير الخطاب ، ونسبتها إلى رحيق الأنس لمعين الأبوة
وتعلن تلك المناجاة عن انطلاق أشرعتها ، ملتمسة عودة ذلك الوِرد والعهد الذي لم يغادر حنايا الروح .
ثم تمخر تلك المناجاة عبابها وقد ألقت برواسي صراع تمثل بتحسرات السؤال ، فمن تراه يعيد لهذا التيه بعد اغترابين ابتسامة عمر يزين بها تجاعيد السنين .
لنرى دفقات الحنين وقد مازجت حيرة الابن الخمسيني وقد بلغ من رشد القصيد ما ألقى به علينا من وجع أطلنا المقام أمامه .
ثم تجدنا أمام وصفية الحال : تاهت ، نضبت .. مفردات تقاسمت مع النص فضاء التأملات ، فالشاعر يرى بذياك الفراق نضوبا لحكايا زال عنها أريجها المعمد .
وتيها لليل كانت فيه الحياة غضة .
ثم يمضي بنا الشاعر في رحلة الاسترجاعات لمجد أبوة وحنانيْها .. استرجاعات بدونها النص يكون مبتورا .
الشاعر في نصه نراه وهو يرسم لوحة الأبوة ، قد سكن فيها ولم يغادرها ، فلم نرَ خطاب الجرح الذي غرس في خاصرة وطنه .
فكأنه أراد لهذه المناجاة ألا تروي للمناجى ألما .
وكقارئ ومتابع لقصيد الشاعر ، أراه هنا قد كان نسائمي اللغة ، عبقري العاطفة .