|
نَعَى الزَّمَانُ مَعِينَ الطُّهْرِ حِينَ نُعِي |
وَغَابَ عَنْهُ الأَسَى السَّاجِي فَكَانَ مَعِي |
وَدَّعْتَ يَا أَبَتِ الدُّنْيَا وَوَدَّعَنِي |
بِوَجْدِ مَوْتِكَ مَا فِي العَينِ مِنْ هَمَعِ |
ذَرَفْتُ دَمْعَ فِرَاقٍ غَيرَ مُنْسكِبٍ |
وَذُبْتُ حَتَّى كَأَنَّ القَلْبَ فِـي نَزَعِ |
يَا لِلمَشَاعِرِ كَمْ تَأْسَى لِغُرْبَتِهَا |
وَكَمْ يَفُتُّ شَفِيفُ الحُزْنِ فِي الضَّلَعِ |
هَلْ غَابَ عَنِّي السَّنَا المُمْتَدَّ فِي أُفُقِي |
وَأَسْبَلَ المَوتُ جَفْنَ الصَّادِقِ الوَرِعِ؟ |
وَهَلْ طَوَتْ صَفْحَةُ الأَيَّامِ مَنْ فَتَحَـتْ |
لَهُ القُلُوبُ طُرُوسَ الحُـبِّ وَالتَّبَـعِ؟ |
بِالأَمْسِ كُنَّا وَصَحْنُ العَيشِ يَجْمَعُنَا |
وَاليَومَ بِتْنَـا بِجَمْعٍ غَيرِ مُجْتَمِـعِ |
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ نُورَ الوَجْـهِ مُبْتَسِمًـا |
يُرَدِّدُ الذِّكْرَ وَالتَّرْحِيـبَ فِي ضَوَعِ |
وَيَصْطَفِي مِنْ لَذِيذِ القُرْبِ مُبْتَهِجًا |
دُعَابَةً مِنْ حَنَانٍ غَيرِ مُنْصَدعِ |
آنَستُ فِيهِ الرِّضَا حبًّا يَطِيبُ بِهِ |
فَحَطَّ قَلْبِي عَلَـى كَفَّيـهِ لَـمْ يُرَعِ |
قَدْ كَانَ يَتلُو كِتَابَ اللهِ مُعْتَكِفًا |
وَكَانَ يَسمُو عَنِ الفَحشَاءِ والطَّبَعِ |
وَكَانَ آخِرَ مَنْ يُدْعَى إِلَى هَرَج |
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَسعَى إِلَى الجُمَعِ |
أَبَا سَمِيرٍ سَقَـاكَ اللهُ كَـوْثَـرَهُ |
مَع الحَبِيبِ تَذُوقُ الأَمْنَ فِي الجُرَعِ |
طُوبَى لِرُوحِكَ عَافَتْ دَارَ مَخْمَصَةٍ |
لِدَارِ خُلْدٍ مَعِ الأَبْرَارِ فِـي النُّجَعِ |
نَادَاكَ رَبُّكَ لِلرُّضْوَانِ فَانْتَقَلَتْ |
فِي عَشْرِ عِتْقٍ بِشَوْقٍ غَيرَ مُمْتَنِعِ |
وَأَرْهَقَتْكَ سِنِينُ العُمْرِ مُصْطَبِرًا |
فَارْتَحْ بِرَوضَةِ هَذَا اللَحْدِ وَاضْطَجِعِ |
بُشْرَى رَأَيتُـكَ فِيهَا أَهْلَ جَنَّـتِـهِ |
وَأَنْتَ أَهْلُ دُعَاءِ السَّاجِـدِ الضَّـرِعِ |
أَنَا ابْنُ قَلْبِكَ لَمْ تُنْجِبْـهُ مِـنْ رَفَـثٍ |
وَإِنَّمَـا مِـنْ لِقَـاءِ البِرِّ بِالـوَلَـعِ |
لَـولا يَقِينِـي بِحَقِّ اللهِ قَدَّرَهُ |
عَلَى العِبَادِ لأَسْقَانِي الـرَّدَى فَزَعِي |
لَو يَسْتَرِدُّكَ دَمْعُ العَيـنِ يَـا أَبَتِـي |
لَكُنْتُ جُدْتُ بِدَمْـعٍ غَيـرِ مُنْقَطِـعِ |
لَكِنَّهَـا سُنَّـةُ الأَيَّـامِ نَجْـرَعُ مِـنْ |
كَأْسِ المَنُونِ شَرَابًا غَيـرَ مُجْتَـرَعِ |
وَلَـو يُعَمَّـرُ فِيهَـا خَالِـدًا بَشَرٌ |
لَكَانَ أَحْمَدَ خَيـرَ الخَلْـقِ وَالشِّيَـعِ |
لا كُنْتِ يَا نَفْسُ إِنْ أَوْرَدْتِنِي تَلَفًـا |
إِيَّـاكِ أَنْ تُوقِعِـي إِيَّـاكِ أَنْ تَقَعِـي |
وَلا تَكُونِي مِن الأَنْعَامِ مَطْلَبُهَا |
طِيْبُ التَّقَلُّبِ بَيـنَ الـرِّيِّ وَالشِّبَـعِ |
أَوْ مَنْ تَبِيعُ لأَدْنَى الأَمْرِ نَزْعَتَهَا |
وَإِنْ دَعَاهُا عَظِيمُ الأَمْرِ لَمْ تَبِعِ |
يَا نَفْسُ لا تَطْلُبِي الدُّنْيَا وَإِنْ ضَحكَتْ |
وَقَدْ أَمَاطَ الرَّدَى عَنْ وَجْهِهَا البَشِـعِ |
شَمْطَاءَ رَقْطَاءَ لا تُبْقِي عَلَـى أَمَلٍ |
تُخَاتِلُ العُمْرَ بَيـنَ اليَأْسِ وَالطَّمَعِ |
كَأَنَّهَا الكَوْكَبُ الـدُّرِّيُّ زُخْرُفُهَـا |
وَالنَّاسُ مَا بَيـنَ خَـدَّاعٍ وَمُنْخَـدِعِ |
فَيَا بْنَ هَـدْيِ رَسُـولِ اللهِ مُحْتَسِبًـا |
أَحْسِنْ عَزَاكَ فَخَيرُ الصَّبْرِ فِي الجَزَعِ |
وَالمَوْتُ خَيرُ لِسَـانٍ قَـالَ مَوْعِظَـةً |
مَهْمَا أَذَاقَكَ مِنْ سَفْعٍ وَمِـنْ سَلَـعِ |
لَنْ تَسْتَقِيمَ لَـكَ الدُّنْيَـا عَلَى دَعَةٍ |
وَلا عَلَى عدْوَةِ البَلْـوَى فَخُـذْ وَدَعِ |
وَابْذلْ نَدَاكَ إِلَى غَايَاتِ ذِي شَـرَفٍ |
تَرْجُو العَظِيمَ وَإِنْ زَلَّ الهَوَى فَـزَعِ |
وَاقْطَعْ رَجَاكَ سوَى مَا كَـانَ هِمَّتُـهُ |
لِرُتْبَةِ العِزِّ فِـي الدَّارَينِ وَارْتَفِعِ |
وَانْظُرْ لأَمْرِكَ دَهْرًا وَالْتَزِمْ سُبُلًا |
فَالحُـرُّ يُنْظُرُ فِي مَا يَدَّعِي وَيَعِي |
وَاصْبِرْ عَلَى جَفْوَةِ الأَحْبَابِ مَعْـذِرَةً |
فَلَيسَ تُقلَعُ عَينُ الرَّأْسِ مِـنْ وَجَعِ |
إِلامَ تَصْـدِفُ عَـنْ زَادٍ لآخِرَةٍ |
وَتَصْرِفُ العَيشَ بَينَ البُّخْلِ وَالجَشَعِ |
وَتَسْحَقُ العَزْمَ فِي أَسْبَـابِ شِقْوَتِـهِ |
وَتَلْحَقُ الوَهْمَ فِي جَرْفٍ مِـنَ البِدَعِ |
هِيَ الحَيَاةُ إِلَى الأَكْفَانِ تَصْرِفُنَا |
وَفِي السَّرَابِ يَخُوضُ العُمْرُ وَالمُتَعِ |
فَمَا غَدٌ يَرْتَجِـي الإِنْسَـانُ يُدْرِكُـهُ |
حَتْمًا وَمَا يَرْجعُ المَفْقُودُ بِالهَلَعِ |
فَأَطْلِقِ اليَوْمَ مِنْ ضِيقِ الدُّنَا جَسَـدًا |
وَأَعْتِقِ الرُّوحَ فِي دَيمُومَـةِ الوَسَـعِ |