رسائل إليها فقط
أنتِ والبحر سواء
أنتِ والبحر سواء ولي فيكِ و في البحر جنون قديم ولي فيكِ كل الذكريات ولي الماء الظامئ من النشيد ولكِ كل الهواء فوق التراب وتحت السماء .
أنتِ والبحر سواء وفي وجهيكما تقاسيم الفجر قبل الرحيل ، وشعاع من قوس قزح وأغنيات النورس وزهر نيسان الحزين، وبقايا فؤاد ممزق وأغنية بلا لحن لوداع أخير.
أنتِ والبحر سواء أحبكما معًا ؛ وأموت في موجكما كطائر مشرد غرد خارج السرب ونبذه الحلم حين تحدى المستحيل في جوف الريح العقيم كي أموت كما تشائين وحيدًا في باقي الفصول بصحبة غموض أليم .
أنتِ والبحر سواء وأنا أحبكما معا ، يا ليْت لي متسع من الوقت لألقي بعض قصائدي المبتورة في دجى الحلم ، لكن الضباب سرق مني الحروف وبعثر كبريائي على سواحل القوافي البعيدة حيث يموت الشعر من سخرية البدايات .
أنتِ والبحر سواء وفيكما أضيع صباح مساء ؛ فلمَ أرجأتِ موتي في آذار؟ وكنت على بُعد خطوة واحدة منك قبل دخول نعشي معقل الأمنيات ، كنت على بعد ألف ميل من النجاة وكنتِ ترصدين الهواء في رئتي وكان الهوى طوع أمرك فلمَ لم تذبحيني بأغنية ؟ لمَ تركت الصدى يأكلني في نيسان ؟ لمَ ركضت في أوردتي دهرًا ؟ لمَ تركت الباب مفتوحًا على كل الاحتمالات ؟ .
أنتِ والبحر سواء والموت فيكما نهاية كل مغامر، فلمَ لم تتركيني أصارع الفناء وحدي رويدًا رويدا ؟ لمَ تركتِ الجفاف يعصرني وحيدًا ؟ يمتصني كطفل تغوّل على حليب أمّه بعد فراق عامين ونيف من الولادة وقد كنت على مرمى حجر من الموت مرويًا بدمي ، لمَ تركتني أموت ظمأ بين أزهار جفت عروقها بعد هجر المطر لآذار؟.
لك ما تريد أيها الطائر ، ها قد اقترب موعد الرحيل فجهز جناحيك وانفض بقايا دمي عن كتفيك واستعد للتحليق جيدًا ولا تنظر للوراء أكثر مما ينبغي ؛ غير أنّ لي عليك حق تلاوة الفاتحة على روحي الممزقة بين يديك ، ولا تنس أن تغسلهما قبل رفعها نحو السماء هناك حيث سأسبقك بمسافة تكفيك للتوبة من ذنبي وذنبك .
أنتِ والبحر سواء ، وهاأنذا قد عدلت عن رأيي رحمة بي وبك ، هاأنذا أغسل ذنبك من تهمة قتلي علي يديك و أكتب وصيتي الأخيرة وأبرئك من كل الخطايا ؛ من دمي ومقصلة شوقك ومن كل الجنون ، وأعلن أمام الدنيا براءتك وأوصي بأنْ يدفنوني تحت كل حبة تراب شمّت رائحة الزهر فيكِ كي أعلن براءة الذئب من الذنب ؛ وأنّي أنا القاتل المجهول.
أنتِ والبحر سواء وحتّى يحين موعد موتي خذي ما يرضيك من الهواء ؛ خذي ضوء النهار وكل الأقمار واتركِ لي الظلام ، فأنا راحل إليه يا سيدتي فمن بعدك لم يبقَ ليل ولا نهار .