:
:
(1)
:
يحمل "سطل" بلاستيك.. تتساقط منه رغوة شامبو منتهي الصلاحية،
يخشى تقاطع الشوارع المليئة بالضجيج، وبالحركة،
يبتعد عن المراكز التي يمتزج بها (الصخب والآرق) بـ.. الناس، لكنه..!
يحرص دائماً على أن يختفي خلف عقارب الساعة،
فيرشح فقط، في الوقت الذي تتغيير فيه ورديات "العيون الساهرة"،
بالتأكيد هو لا يعرف وجوه كل المارّه،
ربما أمسك به أحدهم.. قد يكون لديه عضوية في إحدى لجان مؤسسات الدولة..
ممّنْ تعودت أناملهُ على رسم فاتورة المخالفات،
وبأناقة من نسل النفاق الإجتماعي.. يُذيّل توصية في تقريره اليومي يطلب فيها..
معالجة الظاهرة موضوعياً ونفسياً وأخلاقياً ونظامياً...الخ.
:
(2)
:
يتجوَّل هو و"السطل" بين الأحياء، هدفه السيارات التي..
تربض على اسفلت نظيف في حضن شارع لم يسمع عن الغبار،
حيث جندت فرقة بأدواتهم الكاملة من وسائل النظافة لخدمة هذا الشارع،
وتقليم أغصان أشجاره.. تحت وطأة قلق وخوف من مسؤول يسكنه،
ربما هدَّد الأخير بعدم تجديد عقد صيانة الوزارة التي يعمل بها..
لصالح رب عمل الفرقة "الغلبانة".
:
كل الأشياء في شارع المسؤول تبدو نظيفة،
حتى جدران المنازل فيه مازلت تحتفظ بلوحاتها فارغة،
لم تؤذها ريشة الأطفال بعد، ولم تختط أية تكوينات عليها عبثاً.
:
(3)
:
يتفقَّد صاحب "السطل" السيارة الأولى، وينظر إلى زجاجها،
ثم يتذكَّر كلام مالكها الذي.. يجفف ماء "السطل"البلاستيكي برغوة كلامهِ القاسي،
ربما كان يقصد بلوغ نتيجة في التنظيف فوق العادة، ولم يكتف عند هذا،
بل يجفف ماء حنجرة الكادح المسكين شهرياً، كلّما..
مضى في تكرار طلب أجرته مقابل تنظيف السيارة .
مسرح الذكرى في رأس الكادح..
حيث يقول ماك السيارة وأوردة عنقه قد تورمت إنتفاخاً:
عليك قبل أن تنتهي من مهمة تنظيف السيارة التأكد بأنك..
قادر على أن تصلح هندامك من خلال إنعكاس الضوء على أبوابها.
:
لا بئس.. أنه عناء فوقه عناء، وجهد يصوِّر اللهاث ركضاً خلف "لقمة العيش"،
ربما استطاع الكادح نسيانه بـ " قرص" من البنادول.
:
(4)
:
يبدأ الكادح المغترب العمل، فيمسح بالماء وجه السيارة،
ويتخيّل أنه بهذا قد يستطيع أن يمسح دمعة أحد أطفاله،
ربما سقطت آلماً على غربة والده .
:
الآن.. قد إنتهى من غسل السيارة المزعجة كما هو الحال مالكها،
بعد إسراف وقت بحجم طمأنينته.
:
الكادح يستعد إلى لملمة أشياؤه:
(دراجة هوائية، قطعة قماش،
سطل بلاستيك به ماء تسبح فيها رغوة الشامبو العطب) قاصداً سيارة أخرى،
بعد قطع مسافة قصيرة عبر دراجته الهوائية.
:
شعر الكادح بقلق قد تسلل إلى رأسه وإغتصب تركيزه،
حيث استسلم إلى خياله الواسع بحجم الأفق، فغادر معه في رحلة إلى..
مزارع الأرز في بلاده التي..
ترقد مع مجموعة دول أخرى لتشكل جنوب شرق القارة الآسيوية.
:
الرحلة تشعره بأن أحلامه مرصودة في الهواء، وعليه لملمتها أيضاً.
يرتد إلى واقعه فيجد نفسه وقد توقف لا إرادياً أمام سيارة أخرى بحاجة إلى تنظيف،
يبدأ أولاً بغسل خياله ثم السيارة، ينظفها في زمن أقل من السيارة الأولى،
ويتابع رحلته إلى السيارة التي تليها .
:
(5)
:
حتى الآن رصد في دفتره خمسة سيارات،
يقرِّر أن يستريح قليلاً، يبحث عن ظل تحته رصيف،
يجده ثم يجلس قليلاً ليمسح عرقه الذي يفوح برائحة الكدح وقد تساقط من جبينه،
يبتعد عن الواقع للحظة، فيسافر عبر خياله مره أخرى إلى حيث هناك..
جوز الهند وأشجار الشاي .
تتجه عيناه إلى دولاب دراجته الهوائية، فينقره بسبابته اليمنى، بقوة إصرار،
ليبدأ دولاب الدراجة بالدوران، عند هذه الحركة المنتظمة فقط،
يقرأ توقيت الزمن الذي يتسرب دونما حاجة إلى بندول،
يُدرك أنه مازال في أول الطريق، ويأمل أن يبلغ نتيجة مرضية عند نهايته،
ليتعقب جيوب ملابسه، عله يجد بها ما يكفي لبناء سقفاً مسنود على أربعة جدران..
تحتويه هو وعائلته المكوَّنة من أربعة أرواح تعمل على خدمة والدته العمياء.
:
(6)
:
بعد عمل طوال النهار، يعود إلى حيث يقيم الليل كله،
ينقضي النهار، لكن فضاؤه يملؤه التنهيد،
ربما ينتهي قلقه -مؤقتاً- عن تجديد رخصة إقامته، لكن هاجسه الوحيد هو:
حيرته أمام أولئك الأطفال الذين يرشقونه بالحجارة قبل كل غروب،
إنهم يسخرون منه.. "صديق أنته أيش يبغى، ما يجي في حارتنا مرة ثانية".
:
يخشى من سرقة دراجته، لكنه.. لا يتوقف عن الحلم، عساه يُقبل.