محمد الطاهري
كتب الأستاذ جودت سعيد عن أسباب انحطاط المسلمين فعنون كتابا قيما له بالآية الكريمة"حتى يغيروا ما بأنفسهم"،كان جودت حفظه الله يدرك يقينا أن ما أصاب المسلمين لم يكن ليخطأهم لولا أن الأمة خرجت عن سنن وقوانين التغيير التي حملتها الآية المذكورة.
على نفس الوزان يمكن أن نقول أن ما أصاب الأمة في جانب التعليم لم يكن ليصيبها لولا أنها خرجت عن منهج العالمية الذي رسمته أول آية ربطت السماء بالأرض في قوله تعالى:"إقرأ باسم ربك الذي خلق". فالقراءة مقرونة بالربانية هي وحدها الكفيلة بالعودة بالأمة إلى مرتبة الشهود الحضاري.
لا أحتاج في هذا الصدد أن أستعرض لفضل القراءة على الأمة، ولكني سأكتفي بتلك الجملة التي يحفظه كبيرنا وصغيرنا معا، وهي لمالك ابن نبي رحمه الله، قال:"الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها".
إن واقعنا المشهود ينذر بالخطر ما لم نأخذ "الكتاب بقوة"، وعليه فإن هذا الموقع الشاهد الذي كانت فيه الأمة إنما كان بسنن وقوانين لا تتغيير إلا بفقهها. وعدم فهمنا واستيعابنا لهذه السنن قد يعرضنا لا قدر الله إلى الموت قبل الأوان.
إن أولى أسباب هذا الدنو الذي يعرفه موقع التعليم في البلاد راجع إلى فشل المؤسسة التعليمية في تخريج الأقوياء الأمناء، وبداية هذا التراجع إنما تعود إلى سنوات الإستعمار"فالمرحلة الاستعمارية لم تراجع حق المراجعة حتى الساعة،ما راجعها "الأدب" فأنتج القصص والمسرحيات التي تجلي بطولات البادية والمدينة،وما راجعها" البحث العلمي" فكشف الخفايا في الزوايا وفي غير الزوايا..إن المرحلة الاستعمارية يجب أن تحاكم من قبل أبناء الأمة الحقيقيين الذين يمثلون الاستمرار الطبيعي للأمة".
عندما نتحدث عن تأثير الإستعمار فيما أصاب التعليم فإننا لا نغفل بالموازات خطر ما يسمى بالعولمة، فالإعلام كآلية من بين الآليات التي تشتغل بها العولمة تصنع هي الأخرى الإنسان وفق مقاييس يضعها كبار المنظرين في الغرب.يكفي أن نشير في هذا الصدد أن الرئيس المنتهية ولايته أراد أن يضع إصلاحا في الإعلام الأمريكي فأشاروا عليه بأن الأمر يحتاج إلى عشر آلاف فيلسوف.
إذا كان الأمر كما عرضنا له أعلاه فما السبيل إلى العودة بالتعليم إلى مرتبة "الإرسال الحضاري"؟ السؤال في طياته يحمل نصف الجواب ف"الإرسال الحضاري" يقابله "الاستهلاك الحضاري" وهذا ما نحن عليه اليوم. يمكن أن ضرب هاهنا مثلا بالزعيم غاندي الذي حارب انجلترا اقتصاديا،أي بالمقاطعة، فنحن نقول أن "إسرائيل" دولة معادية .... ولكننا "إسرائيليون" عملا، كيف لا ونحن نستهلك بضائعهم؟ سؤال أنقله إلى مجال عرضنا لأستدل به على أن كثيرا من برامجنا التعليمية أغلبها"لا وطنية"و"لا إسلامية"ونحن بدعوتنا إلى إصلاح التعليم إنما نناقض أنفسنا بغير العودة إلى الأصل.
أعود وأقول بأن القراءة بغير إسم الله هي التي أنتجت لنا الغش في الامتحان،هي التي أنتجت لنا استهلاك المخدرات أمام المؤسسات التعليمية في الإعدادي والثانوي هي التي جعلت معلمنا وأستاذنا يبيع النقط في مقابل الحصول على جسد ابنته التلميذة او الطالبة... وغير هذا من المصائب النتنة التي تزيد فحولة كثير.
قديما قال الشاعر"قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا"لقد قال شوقي هذا الكلام وهو يدرك أن بعث الأمة يحتاج إلى رسول"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين"فبغير هذه الوظائف لا يمكن بحال من الأحوال أن نتحدث عن إصلاح للتعليم او ما شابه.