(تابع)
-6-
وماذا عن ألف (أنا) في الشعر ؟
هنا أيضا يُميّز بين حالتين :
أوّلا : إذا وقعت في آخر أحد الشطرَيْن (الصَّدْر أو العَجُز) ، تكون حينئذ في موضع وقف ، فيتعين إثبات ألفها لفظا . وهذه أمثلة لذلك :
- يقول المتنبي [من الكامل] :
فاغفِرْ - فِدًى لكَ - واحْبُني مِن بَعدِها *** لِتَخُصَّني بعَطِيّةٍ منها أنا
- ويقول أبو سجادة الفقيه ، في شعر ظريف له [من المتقارب] :
ومِنّا الوزيرُ ومِنّا الأميرُ *** ومِنّا المُشِيرُ ومِنّا أنا
- ومن أمثلة وقوعها في آخر الصدر : مطلع قصيدة القرضاوي ، التي سنختم بها موضوعنا هذا .
ثانيا : إذا وقعت في حشو البيت ، وجب التمييز بين حالتين :
1- إذا وقع بعدها حرف ساكن ، فمن الطبيعي هنا ألاّ تُلفظ الألف ، لئلاّ يلتقي ساكنان . وهذه أمثلة لذلك :
- يقول سُحَيْمُ بنُ وَثِيلٍ الرِّياحِيّ [من الوافر] :
أنا ابنُ جَلاَ وطَلاّعُ الثَّنايا *** متى أَضَعِ العِمامةَ تَعرِفوني
- ويقول حافظ إبراهيم ، على لسان اللغة العربية [من الطويل] :
أَنَا الْبَحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامِنٌ *** فهلْ سألوا الغَوّاصَ عن صَدَفاتي
- ويقول المتنبي [من البسيط] :
أنا الَّذي نَظَرَ الأعمى إلى أدَبي *** وأسْمَعَتْ كَلِماتي مَن به صَمَمُ
2- إذا وقع بعدها حرف متحرك ، فإن إثبات الألف وحذفها يتوقف هنا على ما يقتضيه الوزن الشعري .
* فأحيانا يتعيّن إثبات الألف . كما في الأمثلة الآتية :
- يقول حُمَيْدٌ الكَلْبي [من الوافر] :
أَنا سَيْفُ العَشيرةِ ، فاعْرفوني *** جميعاً ، قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا
- ويقول العَدِيل [من الوافر] :
أنا عِدْلُ الطِّعانِ لمن يُعانى *** أنا العِدْلُ المُبيَّنُ فاعرفوني
- ويقول الأعشى [من المتقارب] :
فكيف أنا وانتحالي القَوَافِـ *** ـيَ بعدَ المَشِيبِ ؟ كفى ذاك عارا
- ويقول ابن عُنَيْنٍ [من الكامل] :
وأنا وشِعْري ؛ كمْ يُعنِّفُني الوَرى *** فيهِ ، فلا أُصْغي إِلى التعنيفِ
- ويقول أبو النَّجْم العِجْلي [من الرَّجَز] :
أنا أبو النَّجْمِ وشِعْري شِعْري
لله دَرِّي ، ما أجَنَّ صدْري !
(الحقّ أنه يجوز في هذا البيت حذفها أيضا ، لأن (مُسْتَفْعِلُنْ) يمكن أن يَلْحَقها الخَبَل (مُتَعِلُنْ) ، وإن كان هذا قبيحا)
* وأحيانا يتعيّن حذفها ، كما في الأمثلة الآتية :
- يقول طرَفة [من الطويل] :
ولكنّ مَولايَ امْرُؤٌ هُوَ خانِقي *** على الشُّكرِ والتَّسْآلِ أَوْ أَنا مُفْتَدِ
- ويقول طرفة أيضا [من الطويل] :
فَإِنْ مُِتُّ فانْعَيْني بما أَنا أَهْلُهُ *** وشُقّي عليَّ الجَيْبَ يَا ابْنةَ مَعْبَدِ
- ويقول دُرَيْدُ بنُ الصِّمّة [من الطويل] :
وهَلْ أَنا إِلا مِن غَزِيَّةَ ، إِنْ غَوَتْ *** غَوَيْتُ ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
- ويقول معاوية بن أبي سفيان [من الطويل] :
إذا أنا أعطيتُ القليلَ شكوتُمُ *** وإنْ أنا أعطيتُ الكثيرَ فَلا شكْرُ !
- ويقول المعرّي [من الطويل] :
ألاَ في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعِلُ *** عَفافٌ وإقدامٌ وحَزمٌ ونائِلُ
- ويقول المعري أيضا [من الطويل] :
يَهُمُّ الليالي بَعضُ ما أنا مُضمرٌ *** ويُثقِلُ رَضْوىَ دُون ما أنا حاملُ
- ويقول ابن عُنَيْن [من الكامل] :
أنا وابنُ شيثِ في الخِيَامِ زيادةٌ *** وابنُ النّفيسِ ، وذا المُلِقُّ الصُّوفي
- ويقول المتنبي [من الكامل] :
أَنا مِنكَ بَينَ فَضائِلٍ وَمَكارِمِ *** وَمِنِ ارْتِياحِكَ في غَمامٍ دائِمِ
- ويقول قيس بن المُلوَّح [من الوافر] :
ألَيْس وعَدْتَني يا قلبُ أنّي *** إذا ما تُبْتُ عن ليلَى تَتُوبُ ؟!
فها أنا تائِبٌ عن حُبِّ ليلَى *** فما لكَ كُلَّما ذُكِرَتْ تَذُوبُ ؟!
-7-
ملحوظة عَرُوضية
قد يؤدي عدم النطق الصحيح للكلمة أحيانا إلى الخروج من بحر إلى بحر آخر .
فمثلا : في قصيدة القرضاوي ، الآتي ذِكرُها قريبا :
انا من جنودِ اللهِ حِزبِ مُحمَّدِ
الألف هنا لا تُلفظ ؛ لأن القصيدة من (الكامل) :
أَنَ مِنْ جُنُو / دِ للاهِ حِزْ / بِ مُحَمَّدِي
مُتَفاعِلُنْ / مُتْفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
فلو لفظنا الألف ، لصار هذا الشطر من (الطويل) .
أَنَا مِنْ / جُنُودِ للا / هِ حِزْبِ / مُحَمَّدِي
فَعُولُنْ / مَفاعيلُنْ / فَعُولُ / مَفاعِلُنْ
(يٌتبع)