إدمان


ظَنَنَّتُ أَنْكَ الإِدْمَانَ الأَصْعَبَ عَلى الإِطْلاقِ ، وَبَعْدَ فُرَاقِكَ سَيَكُونَ هَلاكِي حَتْمَاً ، فَكَيْفَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَحْيَا دُونَ رُوحِهِ ، لَكِنْ اليَومَ اكْتَشَفْتُ أَنْ الإِدْمَانَ الأَصْعَبَ هُوَ إِدْمَانَ تِلْكَ السَّمْرَاءُ ، فَقَدْ حَاوَلْتُ أَنْ أَبْتَعِدَ عَنْهَا اسْبُوعَاً ؛ فَكُنْتُ فِي كُلِّ يَومٍ أُعَانِي مِنْ الدِّوَارِ وَالصُّدَاعِ كَمَا لَو أَنَّ هُنَاكَ سَرَطَانَاً يَتَخَبَّطُ فِي جَسَدِي ، لَمْ أَشْعُرْ بِطَعْمِ الحَيَاةِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ، بَلْ شَعَرْتُ كَمَا لَو أَنَّ الحَيَاةَ كُلِّهَا تَوقْفَتْ ؛ فَمَا كَانَ مِنِي إِلَّا أَنْ أَعُودَ مُسْتَسْلِمَةً إِلى أَسْرِهَا ، وَكَيْفَ لا وَهِيَ فَاتِنَتِي ، فَهِيَ مَجَالٌ مِغْنَاطِيسِي يَصْعُبَ الخُرُوجَ مِنْ نِطَاقِهِ ، كُلَّمَا تَسَلَّلَ عَبَقُ أَرِيجُهَا إِلى أَنْفِي ؛ كُلَّمَا ابْتَسَمَ مَزَاجِي وَهَدَأَ ، فَكَيفَ إِذَا لامَسَتْهَا شَفَتَايَّ؟! وارتشفت منها بضع رشفات ؛ حِيْنَهَا سَيُصَافِحُنِي الهُدُوءَ رُغْمَ ضَوضَاءُ العَالَمِ حَولِي ، لِذَلِكَ أَيْقَنْتُ أَنَّهَا الفِتْنَةُ الأَشَدَّ وَالإِدْمَانَ الأَصْعَبَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ ، أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ قَرَنْتُ فُرَاقِكَ بِمَوتِكَ ، لِذَلِكَ لَمْ يَعُدْ تَأْثِيرُ إِدْمَانَكَ يُزَعْزِعُنِي ، أوْ يَفْتِكُ بِي ، لِأَنِّي اكْتَفَيتُ بِأَنْ أُمْطِرُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَابِلاً مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالرَّحَمَاتِ عَلى رُوحِكَ التي أَسَرَتْنِي ذَاتَ يَوْمٍ ، وَها أَنَا الآنَ أَعِيشُ كَالطَّيرِ حُرَّةً دُونَ قُيُودٍ مِنْكَ ، وَ لَكِنِّي لا أَعْلَمُ لِمَا بَعْدَ فُرَاقِكَ ، أَصْبَحَتْ السَّعَادَةُ تُصَافِحُنِي مَعْ بِدَايَةَ كُلِّ يَوْمٍ ، وَ أَخِيراً عِبَارَاتِ الشّكْرِ لا تَكْفِيكِ قَهْوَتِي عَلَى وَفَائِكِ وَإِخْلاصُكِ لِي .