ق.ق.ج
مروا من هنا.
" لا شك أنهم مروا من هنا"....هكذا قلت بيني بين نفسي و أنا أتتبع متتالية خطوات مطبوعة على الثلج الذي كسى الأرض، تتخللها أثر أقدام طفل صغير.
حُفر الأقدام كانت على مد البصر...
فضولا مني تتبعت طريقهم ... خطوات الصغير تظهر تارة و تختفي تارة أخرى....ربما والداه أو مرافقاه كانا يتناوبان على حمله او شيء من هذا القبيل.
بعد مسافة قطعتها شاهدت نواة التمر مشتتة حول صخرة عليها قطعة خبز يابس و غير بعيد عنها لعبة قديمة لسيارة بدون عجلات...لعلهم أخذوا قسطا من الراحة ثم سرعان ما واصلوا سيرهم المضني لأمر ما أو ه*م مطاردون....اشتد بي الفضول أكثر لمعرفة سر هذا النزوح او الهجرة أو الهروب ....
من بعيد لمحت ركاما من التراب جنب الطريق ،استجمعت قواي لأقترب أكثر ...لكن لما رأيت شاهدا فوق الترب أدركت أنه قبر و صغر حجمه أوحى لي أنه يعود لذاك الطفل...فضولي اشتد أكثر،تتبعت أثر الأقدام، خطوات الطفل غابت تماما...تملكني إحساس بالشفقة عليه...هل أشفقت عليه لأنه مات؟ و الآخرون هل هم في أحسن حال منه ؟الجوع المؤلم و البرد القارص و التعب...و الخوف، يُعذب الأحياء أكثر من الأموات ، بل الأموات إرتاحوا إلى الأبد.
لمحت حيث انتهى بصري غربانا تحوم ،تهبط و تعلو...فزعت، سيطر علي الخوف،لم أعد أقوى على مجاراة فضولي، و لا حمل نفسي، عدت و الصور تتلاعب أمامي : قبر، سيارة بلا عجلات، نواة التمر، غربان....
خطواتي اختلطت بخطواتهم....لو اقتفى فضوليٌُ آخر أثرهم سيظن أنهم ثلاثة و رابعهم طفل،و إن قطع مسافة أطول مني ستختفي اثاري و يلتبس عليه الأمر...و تختلط هو الآخر اثر أقدامه بخطواتنا فيأتي آخر و يظن أنهم أربعة و الخامس ولد صغير....و كل منهم يقرُّ أن ما يقوله هو الحقيقة لأنه اقتفى الأثر بنفسه.