ضربَ على الأرضِ بعصاه،
تحسّسَ الذبذباتِ بكفّيه.
هكذا كان يُحسُّ بالعالم،
لا ببصرٍ، بل بقلبٍ ينبضُ بالألم.
ألمُ عيونٍ منطفئة،
كسماءٍ بشمسٍ منكسفة.
رموشٌ هُدبى متفتّحة،
تواري عدسةً معتمة.

فاقدٌ لحاسّةِ البصر،
لكنْ له حواسّ تُميّز بين البشر.
حكمةُ إلهٍ، وإيمانٌ بقدر،
يُضيء دربَه رغم عتمةِ السفر.
يضربُ الأرضَ بعصاه،
فتقرأه أعصابُه ما لا تراهُ عيناه،
يترجمُها عقلٌ بخلاياه،
فتنيرُ عتمةَ ظلامٍ لا يخشاه.

على قارعةِ الطريقِ وقف،
بخطى سلحفاةٍ عزف
سيمفونيّةَ عبورٍ بخطرٍ أزف.
صريرُ عجلاتٍ أخافه،
أقوى من صوتِ الحشودِ وهتافه.
كطبولِ حربٍ دقّت،
في ساحةِ وغى،
خيولٌ تركض، وسهامٌ رُميت،
لا يهابُها، ولا يندبُ حظَّه.

صريرٌ تقرؤه الأذنان،
فارتجفت منه القدمان،
توقّفَ فجأة…
مرَّ الموتُ بجواره بثانيتين،
يا لحظِّ نفسٍ بريئة.
هبّت ريحٌ باردة،
لفحت وجهه كسوطِ نذير،
كأنها تهمسُ في أذنه:
"الخطرُ ما زالَ في المسير."

ثمّ يدٌ ناعمةٌ حطّت،
كنسمةٍ من الفجر على خدّه مرّت،
ربّتت على يده والعصا…
"أنا هنا… كيف تنسى قلبي وما أوصى؟"
صوتٌ نديٌّ يسمعه، منذ أصبح وأمسى،
كصوتِ كروانٍ له يُغنّي،
من أقصى البعيدِ تأنّى،
كأنّ الحياةَ أهدته لحنًا،
بعدما الموتُ منه تمنّى.

همست:
"ألم أوصِكَ أن تنتظرني؟
أن لا تعبر بدوني…
أن تكون خطوتي ظلّك…
وصمتي دليلك؟"

كانت هناك،
ملاكَ رحمةٍ تجسّدَ حبًّا،
زوجةً قبلت به ضريرًا،
ترى بعينيه الوجعَ والعبور،
ولم تكن صدفة… بل وعدًا أدركه المصير.

ابتسم، وعيناه تلمعانِ بالدموع،
سحبَ يدها برفق، وصمت،
لكن في صمته، كان كلّ ما أراد أن يقوله:
"أنتِ الحياةُ التي وهبها لي الله…
وأنتِ نورُ عيوني."