تخميس قصيدة: الحب ما منع الكلام الألسنا
لأبي الطيب المتنبي
--------------
أحمد الجبري-تعز اليمن
--------------
بـــي مــن غـيـابك مــا يـعـكرُ أُنـسَـنا
ويــطـوِّل الـبـلـوى ويـشـغـلُ حِـسَّـنـا
عُــقـدت لــسـانٌ حـيـن حُـبُّـك مـسَّـنا
(فـالـحُـبُّ مــا مَـنَـعَ الـكَـلامَ الألْـسُـنَا
وألَـــذُّ شَــكْـوَى عــاشِـقٍ مـــا أعْـلَـنَا)
أتُـــراك تـنـظـرُ حـالـتـي أم لـــم تــرَ؟
رُغـم الـمشيب.. يـظل قـلبي أخـضرا
أقـسـى الـمواجعِ أن تـقلبَ مـا جـرى
(لـيتَ الـحَبيبَ الـهاجري هَجْرَ الكَرَى
مـن غـيرِ جُـرْمٍ واصِلي صِلَةَ الضّنى)
لـطفا عـلى مـن حـبَّ فـيك وخـاصما
بــيـن الـهـواجـرِ كـــم إلـيـك تـجـشَّما
يــطــوي مــسـافـاتٍ إلــيــك فــربـمـا
(بِـتْـنَـا ولَـــوْ حَـلّـيْـتَنا لـــمْ تَـــدْرِ مَــا
ألْــوانُــنَـا مـــمّــا اسْــتُـفِـعْـنَ تَــلَـوُّنَـا)
كــلـفٌ بـحـبـك مــن هـيـامٍ مــا رقــدْ
وعــزيـمـةٍ تــشـتـاقُ وعــــدا يُـفـتـقدْ
هـبـت بـنـا الأشــواقُ مـن كـثر الـعُقدْ
(وتَــوَقّــدَتْ أنْـفـاسُـنـا حــتــى لَــقَـدْ
أشْـفَـقْـتُ تَـحْـتَـرِقُ الــعَـواذِلُ بَـيـنَنَا)
ودَّعــــتُ أرضـــا بـالـفـراق أضـعـتُـها
يـــا لـيـتـني حــيـن الــوادع أطـعـتُها
وذكــــرت أصــواتـا هــنـاك سـمـعـتُها
(أفْــــدي الــمُـوَدِّعَـةََ الــتـي أتْـبَـعْـتُهَا
نَــظَـراً فُُـــرادَى بَــيـنَ زَفْـــراتٍ ثُـنَـا)
أرســلـتُ أشــواقـي دمــوعـا حَـــرةًً؟
أرجــعـتُـهـا بـــيــن الأحـــبــةِ كـــــرةً
فــلـطـالـمـا كـــانــت بــقـلـبـي بَـــــرةً
(أنْــكَـرْتُ طــارِقَـةََ الــحَـوادِثِ مَـــرّةً
ثُــمّ اعْـتَـرَفتُ بـهـا فـصـارَتْ دَيْـدَنَـا)
مـا عـدت أحـتَمِل الـجوى يا صاحبي
مـــن يـحـتـزم فـلـيـحتزم كـنـوائـبي
أسـرجـت هـمي واصـطحبت مـآربي
(وقَـطَعْتُ فـي الـدّنْيا الـفَلا ورَكـائِبي
فـيـهـا وَوَقْـتَـيّ الـضّـحَى والـمَـوْهِنَا)
بــدت الـنـوائب فـاقـتحمت لأصـعـدا
ودفــنـت بــالإصـرارِ خــوفـا مُـقـعِـدا
وصـبرت فـي دربي ودربي من هدى
(فـوَقَفْتُ مـنها حـيثُ أوْقَـفَني النّدَى
وبَـلَـغْتُ مــن بــدر الـدجيات الـمُنى)
هــذا الـرسـول فـمـا عـسـى أعــداؤه
مـــا مـــل بـيـن الـمـحبطات رجــاؤه
مـــذ حـــان بــيـن الـغـافلين دعــاؤه
(بـيـد الـرسـول جَــداً يَـضيقُ وِعـاؤهُ
عَــنْـهُ ولَـــوْ كـــانَ الــوِعـاءُ الأزْمُـنَـا)
نـــور الـحـيـاة مـحـمـدٌ هــو عـطـرُها
وهـــو الـمـوجـه إن تـجـلـى نـصـرُهـا
معنى الحروف على السطور وحبرُها
(وشَــجـاعَـةٌ أغْــنــاهُ عَـنْـهـا ذِكْــرُهـا
ونَـهَـى الـجَـبَانَ حَـديـثُها أن يـجُـبنَا)
أهــدى الأنــام مــن الـكـلام الأطـيبِ
ورمــى عـلـى الـبـاغي بـبطنٍ أسـغبِ
أوهــى الـشـداد بـكـل سـيف أحـدبِ
(نِـيـطَـتْ حَـمـائِـلُهُ بـعـاتِـقِ مِــحْـرَبٍ
مــا كَــرّ قَـطُّ وهَـلْ يـكُرُّ ومـا انْـثَنَى)
تـتـحـقـق الأهـــداف مـــن إِحـكـامِـه
وإذا غــــزا فــانـظـر إلــــى إقــدامِــه
يـتـرنـح الـمـخـدوع تـحـت حـسـامِه
(فــكــأنّـهُ والــطّـعْـنُ مــــنْ قُُــدّامِــهِ
مُـتَـخَـوِّفٌ مِـــنْ خَـلـفِـهِ أنْ يُـطْـعَـنَا)
بـــاب الـمـحـبة فُـتِّـحـت مــن يُـمـنه
وانــشـق بـــدرٌ مـقـمـرٌ مـــن حـسـنـه
يــصـغـي لـمـخـبـره بـمـهـجـة أذنِــــه
(نَــفَـتِ الـتّـوَهُّـمَ عَــنْـهُ حِــدّةُُ ذِهْـنِـهِ
فـقَـضَى عـلـى غَـيـبِ الأمــورِ تَـيَقُّنَا)
واســأل رفـيـق الــدرب عـن جـولاته
وثــبـات مـــا يـرجـوه فــي صـولاتـه
لـــو شــاهـدت عـيـناك مــن غـزواتـه
(يَــتَــفَـزّعُ الــجَــبّـارُ مِـــــنْ بَـغَـتـاتِـهِ
فَــيَــظَـلّ فــــي خَــلَـواتِـهِ مُـتَـكَـفِّـنَا)
تـكـفـي إشـــارةُُ حـاجـبٍ إن هــددوا
يـقـضي ولـيـس يـحـول عـنـه تــرددُ
وإذا أراد تــشــمــرت عـــنـــه الـــيــدُ
(أمْــضَـى إرادَتَـــهُ فَــسَـوْفَ لَــهُ قَــدٌ
واسـتَـقرَبَ الأقـصَـى فَـثَـمّ لــهُ هُـنَا)
كــــل الــشـدائـد لا تــفــت بــعـضـدِه
فـالـنـصر يـقـطـر مـــن ذؤابــة حــدِّه
مــتــفـرد فـــــي مـــزحــه أوجـــــدِّه
(يَـجِـدُ الـحَديدَ عـلى بَـضاضةِ جِـلْدِهِ
ثَــوْبـاً أخَـــفَّ مِـــنَ الـحَـريرِ وألْـيَـنا)
يــبـنـي لـيـسـعـد كـــل حـــي بــعـده
مــن عــاش تـحـت ظـلاله يـا سُـعده
ألــغــى الـتـكـاسـل والـتـنـازع هـــدَّه
(وأمَـــرُّ مِـــنْ فَــقْـدِ الأحِــبّـةِ عِــنـدَهُ
فَـقْـدُ الـسّـيُوفِ الـفـاقِداتِ الأجْـفُُـنَا)
لا يـسـتعيض الـنـوم عــن مـشـروعه
والـنـصر كــل الـنـصر خـلف جـموعه
قـلـبُ الـشـجاعِ الـحـرِّ تـحت دروعـه
(لا يَـسـتَـكِنّ الــرّعـبُ بَـيـنَ ضُـلُـوعِهِ
يَــوْمـاً ولا الإحــسـانُ أنْ لا يُـحْـسِنَا)
الــعـلـم والـتـعـلـيم هــــدي مــحـمـدٍ
أنــعـم بـــه يـــا مـهـتدي مــن مـهـتدٍ
أخــذ الـعـلوم وخـاض فـيها عـن يـدٍ
(مُـسْـتَنْبِطٌ مــن عِـلْـمِهِ مــا فــي غَـدٍ
فــكــأنّ مـــا سـيَـكـونُ فــيـهِ دُوِّنَـــا)
تــرتـاح مــنـه الـنـفـس عــنـد لـقـائـه
وروى الــقــلـوب مــعــلـق بــسـقـائـه
الــعـفـو والــمـعـروف بــعـض نـقـائـه
(مَــنْ لَـيـسَ مِــنْ قَـتْلاهُ مـن طُـلَقائِهِ
مَـــنْ لَـيـسَ مـمّـنْ دانَ مـمّـنْ حُـيِّـنَا)
أهـديـت فــي درب الـضـياع الـحائرا
ونـشـرت مــن نــور الـطـريق بـصائرا
لــمـا اسـتـبـان الــحـق وحـيـا قـاهـرا
(أمـسَـى الــذي أمْـسَـى بـرَبّـكَ كـافِراً
مِـــنْ غَـيـرِنا مَـعَـنا بـفَـضْلِكَ مُـؤمِـنَا)
لــمــا أتــيـت الأرض تــركـب خـيـلَـها
وهـزمـت مــن أخـنـى وطـفَّف كـيلَها
أضـحـيـت لـلـدنـيا الـجـديبة سـيـلها
(خَــلَـتِ الــبِـلادُ مـــنَ الـغَـزالَةِ لَـيْـلَها
فــأعـاضَـهـاكَ الله كَــــيْ لا تَــحْـزَنَـا)
أدَّبــــتَ بـالـسـيـفِ الــغـويَ الأرعــنـا
نــازلــتَـه فـــجــرا فــســلـم مــذعـنـا
وبـوسـعـك الـدنـيـا ولـيـس بـوسـعنا
(لـمّـا قَـفَـلْتَ مِــنَ الـسّـواحِلِ نَـحْـوَنَا
قَـفَـلَـتْ إلَـيْـهـا وَحْـشَـةٌ مــن عِـنـدِنا)
عـــن قـلـبـه شـــق الأمــيـنُ بـمـبضعِ
فــغـدا الـفـتى الأنـقـى بـغـير تـوجُّـعِ
فــــرت حـلـيـمـة يــومـذاك بـمُـرْضَـعِ
(أرِجَ الـطّـريقُ فَـمـا مَــرَرْتَ بـمَـوْضِعٍ
إلاّ أقــــامَ بــــهِ الــشّـذا مُـسْـتَـوْطِنَا)
فـــي كـــل قــلـب هـيـبـةٌٌ قــد نـلـتَها
مـــن فــيـض حـبـك راغـبـا أرسـلـتها
ومــحــبـةٌ فــــي أنــفــسٍ عـامـلـتَـها
(لَـــوْ تَـعْـقِـلُ الـشّـجَـرُ الـتـي قـابَـلْتَها
مَــــدّتْ مُـحَـيّـيَـةً إلَــيـكَ الأغْـصُـنَـا)
الـجذعُ حـنَّ فكيف جذعي لم يحنْ؟
فــارفـق بـقـلـب مـــن صـبـابته يـئـنْ
أو جُــــدْ بــوصـلٍ نــاجـز لـلـقـلب إنْ
(سَـلَـكَتْ تَـمـاثيلَ الـقِبابِ الـجِنُّ مِـنْ
شَـــوْقٍ بــهـا فــأدَرْنَ فـيـكَ الأعْـيُـنَا)
كـلـي اعـتـزاز فـيـك حـتـى الـمنتهى
لـمـا ذكـرتـك فـي الـمراكب وازدهـى
صـحـبي ومـسـت مـن عـبيرك يـمنها
(طَـــرِبَــتْ مَـراكِـبُـنَـا فَـخِـلْـنـا أنّــهــا
لَـــوْلا حَــيَـاءٌ عـاقَـهـا رَقَــصَـتْ بـنـا)
يـلـتف حـولـك يــا رســول فــوارسُ
والـنـصـر شــغـلٌ شـاغـلٌ وهَـواجـسُ
لــمـا أتـــي الـجـهلُ الـمـبينُ يـنـافسُ
(أقْـبَـلْـتَ تَـبْـسِـمُ والـجِـيـادُ عَـوَابِـسٌ
يَـخْـبُبْنَ بـالـحَلَقِ الـمُـضاعَفِ والـقَنَا)
الـخـيلُ تـرقب فـي الأعـنةِ مـا جـرى
صـهلتْ وتـحملُ لـلوغى أسـدَ الشرى
فــي سـوقِـها مــوت يـبـاع ويُـشترى
(عَــقَــدَتْ سَـنـابِـكُها عَـلَـيْـها عِـثْـيَـراً
لـــوْ تَـبـتَـغي عَـنَـقـاً عَـلَـيْـهِ لأمْـكَـنَـا)
دانــــت لأمــــرك أنــفــسٌ وخــلائــقُ
وارتـــــاع خــوفــا كــافــر ومــنـافـقُ
كـــــل الــبــيـارق هـــمــةٌ وتَــســابُـقُ
(والأمْـــرُ أمـــرُكَ والـقُـلُوبُ خـوافِـقٌ
فــي مَـوْقِـفٍ بَـيـنَ الـمَـنيّةِ والـمُـنى)
صـلـت عـلـيك وسـلـمت كــل الـربـى
والـغـصن مــاد عـلـى الـغصون تـقربا
والـطـير حـلـق فــي الـسـماء مـرحـبا
(فـعَجِبْتُ حتى ما عَجبتُ من الظُّبَى
ورأيْـتُ حـتى مـا رأيْـتُ مـنَ السّنى)
خـــاب الــذي لـمـعين فـضـلك أنـكـرا
أنــت الـكـريم يـفـيض كـفُّـك أبـحـرا
هـــــذا عـــطــاؤك لــلـبـريـة أســفــرا
(إنّـــي أراكَ مـــنَ الـمَـكـارِمِ عَـسـكَـراً
فــي عَـسـكَرٍ ومــنَ الـمَـعالي مَـعْدِنَا)
اغــفــر لــــراوٍ حــيـن دون مـــا روى
حـاولت أنـقل عـنك بـعض الـمحتوى
فـعـجزت عــن نـقـل بـذاك الـمستوى
(فَـطَنَ الـفُؤادُ لِـما أتَـيْتُ عـلى الـنّوَى
ولِــمَــا تَــرَكْـتُ مَـخـافَـةً أنْ تَـفْـطُـنَا)
نـفـسـي بـلـقـيا الـمـحـسنين طـروبـةٌ
وبـحـبـهـم عــنــد الــفــراق مـشـوبـةٌ
فــمــتـى أراك وتـحـتـويـنـي أوبـــــةٌ
(أضـحَـى فِـراقُـكَ لــي عَـلَيْهِ عُـقُوبَةً
لَــيـسَ الـــذي قـاسَـيْتُ مـنْـهُ هَـيّـنَا)
الــــروح تـحـلـم أن تــفـوز بـسـعـدِها
والـنفس تـمسك في الطريق برشدها
فـــإذا يـــداك رمـــت يـــدي بـبـردهـا
(فـاغْفِرْ فِـدًى لـكَ واحبُني مِنْ بعدها
لِـتَـخُـصّـنـي بِــعَـطِـيّـةٍ مِــنْـهـا أنَــــا)
إنــــي اتـبـعـتـك راغــبــا فـــي مــلـةِ
وإذا عــثــرتُ فــردنــي مـــن عــثـرةٍ
فـاقـبـل مـطـيـعا قـــد يــحـاط بـزلـةٍ
(وَانْـــهَ الـمُـشـيرَ عَـلَـيكَ فــيّ بِـضِـلّةٍ
فــالـحُـرُّ مُـمْـتَـحَـنٌ بـــأوْلادِ الــزّنَـى)
أسـهبتُ فـي وصـف الـرسول مقرِّضا
وأبــنــتُ أحــيـانـا أصــــد الـمُـغْـرِضَا
ونـسجتُ مـا أخـفى الـبيانُ وأُغـمضا
(وإذا الـفـتى طَــرَحَ الـكَـلامَ مُـعَـرِّضاً
فـي مـجْلِسٍ أخـذَ الـكَلامَ الـلَّذْ عَنى)
هـــم يـخـسرون بـسـلمهم وبـحـربهم
فـاحـذر وحــذِّر مــن يـسـير بـدربهم
إن الـمـكـائـد مــــن صــنـائـع دأبــهـم
(ومَــكـايِـدُ الـسّـفَـهـاءِ واقِــعَـةٌ بــهِـمْ
وعَــداوَةُ الـشّـعَراءِ بِـئْـسَ الـمُـقْتَنى)
لــمــا رأى الــكـفـار فــيـهـم حـسـنـهـا
جـحـدوا وهــم مـسـتيقنين مـظـانَّها
قـلـبوا عـلـى ظـهـر الـجـحود مـجنَّها
(لُــعِــنَـتْ مُــقــارَنَـةُ الـلّـئـيـمِ فــإنّـهَـا
ضَـيْـفٌ يَـجـرُّ مــنَ الـنّـدامةِ ضَـيْفَنَا)
فـيـك الـخصامُ وكـنت أنـت الـقاضيا
أرسلتَ عـدلـك فــي الـبـريةِ مـاضيا
حـاشـا أشــك بـمـا قـضـيتَ تـغـاضيا
(غَـضَـبُ الـحَسُودِ إذا لَـقيتُكَ راضِـياً
رُزْءٌ أخَــــفُّ عــلـيّ مِـــنْ أنْ يُــوزَنَـا)