هل تريد أن تكون مبدعاً؟
اسرق كفنان!
ترجمة وعرض/محمد نعمان الحكيمي
الإبداع بكل أنواعه ما هو إلا سرقة. فلو لم يسرق المبدعون من شعراء وفنانين وتشكيليين ومؤلفين، لم ينجزوا شيئاً.
كنت أتصفح الشبكة الإلكترونية بحثاً عن مؤلفات جديدة، فاستوقفني كتاب بالإنجليزية بعنوان "Steal Like an Artist" (اسرق كفنان) للكاتب الأمريكي أوستن كليون (Austin Kleon)، أصدرته دار نشر وركمان عام 2012.
هل الأعمال الأدبية والفنية مجرد سرقات؟ ممن سُرقت؟ والذين سُرِق منهم، ممن سرقوها هم أيضاً؟ هل لو سألت مبدعاً صادقاً مع نفسه وقرائه: "من أين تأتيك هذه الأفكار؟" سيجيب: "أسرقها"؟ هل هذا معقول؟
طلبتُ الكتاب من صديقي المقرب عمرو التميمي الذي يعيش في أمريكا، ويجد في نفسه غبطة غامرة كلما طلبتُ منه كتاباً، ولطالما مدَّني بكتب جديدة في مجالات المعرفة والإبداع. فأرسله على الفور، مصحوباً بمجموعة أخرى أضافها هديةً.
تعالوا نرى ما في الكتاب:
اطلعتُ على كتيب ممتع صغير، بلغة إنجليزية رشيقة وتصميم وإخراج جميلين. مؤلفه رسام وفنان، ومعظم محتوى الكتيب رسومات له واقتباسات من فلاسفة ومفكرين وفنانين وشعراء، يؤكدون جميعاً: الإبداع سرقة!
أجمل ما فيه – من وجهة نظري – كشفه طقوسَ كتابةٍ يخفيها كثير من المبدعين.
يرى أوستن كليون أنه لا عمل استثنائياً، ولا مبدعاً فريداً، ولا كاتباً فذاً لا نظير له، ولا فناً هو الأول من نوعه. يستدل بقول بيكاسو: "الفن سرقة"، وبقول الشاعر ت. س. إليوت:
"الشاعر الناشئ يقلد؛ الشاعر السيئ يشوه ما يسرقه، الشاعر البارع يحوِّل ما يسرقه إلى شيء أجمل، فيدمج السرقة بشعوره الخاص لينتج شيئاً مختلفاً أو أفضل".
والآن، دعوني أقدم لكم عرضاً مختصراً للكتاب:
عنوان غلافه: "اسرق كفنان"، وتحت العنوان الرئيسي عنوان فرعي: "عشرة أشياء لم يخبرك بها أحد لتكون مبدعاً".
1. لا شيء أصلي
كل نتاج فني مبني على ما قبله. لا تشغل نفسك بالتفرد المطلق. ركز على إعادة دمج الأفكار الموجودة وتحويلها للأحسن، ثم ابنِ عليها. هكذا تكيِّف أفكار الآخرين مع أسلوبك لتحصل على شيء أفضل. حين يظهر أسلوبك المميز، سيبدأ آخرون بنسخك!
2. اكتب الكتاب الذي تريد قراءته
لا تقتصر على مجالك. اقتحم مجالات غير مرتبطة بوظيفتك، واستمتع بكتابة ما كنت تحلم بقراءته.
3. استخدم يديك
الأجهزة الحديثة سلبتنا إحساس الإنتاج. حفِّز ذهنك وجسدك. اكتب باليد، ارسم، العب، دوِّن ملاحظات في الاجتماعات. الكتابة اليدوية تنشط دوائر عصبية فريدة وتسهل التعلم.
4. المشاريع الجانبية مهمة
مارس هوايات مثمرة لا تهدف للربح. فهي كالتأمل، تريح العقل وتجدد طاقته.
5. شارك عملك
ضع عملك الجيد حيث يراه الناس. قدِّر جمهورك الصغير الأول، فهو يمنحك حرية التجريب. المشاركة تجذب أشخاصاً متشابهين وتثري عملك بآراء جديدة.
6. الجغرافيا لم تعد تتحكم
العالم قرية صغيرة. انضم لمجتمعات إلكترونية لمشاركة إبداعك عبر المنصات العامة.
7. كن لطيفاً ومملاً
تجنب الصراعات. اغسل الصحون، العب، فهذه الأنشطة البسيطة تجدد إبداعك.
8. اعتنِ بنفسك
ابتعد عن الديون، اختر شريكة حياة ملهمة.
9. تظاهر بأنك متقن
لا تخف من النقد أو "فضح" عدم معرفتك. تقدم بثقة.
10. استمتع
لا تشغل بالك بمعرفة نفسك أولاً. انطلق! فمن يقول إنك بحاجة لذلك كي تنجح، كلامه غير معوَّل عليه.
قلتُ: ما مدى فاعلية هذه الوصفات في صنع مبدع؟
مجمل النقاط العشر يؤكد: لا شيء على الأرض أصلي أو وُلِد من العدم. أنت نفسك – بجيناتك من والديك، وأفكارك من محيطك – "خليط مسروق"، لكنه خليط جعلك مختلفاً. حتى الوراثة سرقة برأي أوستن!
"لكي تبدع، افهم طبيعة ما تريد. تذكَّر: كل عمل – مهما بدا فريداً – مبني على سابقيه. لا تخترع من الصفر. اسرق، ولكن اسرق كفنان. سرق الأفكار وأضف لها قيمة من عندك".
ويضيف:
اختر ما تسرق: كن انتقائياً لا جامعاً عشوائياً. الفن الحقيقي هو تمييز الجيد و"سرقته".
اخلق بيئة إبداعية: عِش في مكان يلهمك، اختر أصدقاءً جيدين، فتتشكل منهم.
تجاوز عقدة الخوف: املأ عالمك بما يُلهمك. تجاهل "متلازمة المحتال". لا تسرق النص، بل اسرق الفكرة الكامنة وراء الأسلوب وأعد صياغتها. لا تنتظر.
لا تسعى للأصالة المطلقة: كل "مبتكر" مبني على سابق. محاولة الابتكار دون الاعتماد على الموجود تعيق الإنتاج.
كن جامعاً: كل شيء في الكون مبذول. خزِّن ما يستحق "السرقة" اليوم، فستحتاجه غداً.
يختصر فكرته:
"من يصف عملاً بأنه 'أصلي' يجهل مصادره! كل ما عليك هو البحث عن فكرة تستحق السرقة. كرر، انسخ، ادمج، أضف، وستخرج بشيء مختلف أو أفضل".
ويوصي أخيراً:
"الجلوس أمام الكمبيوتر 'يسرقك'. أشرِك جسدك في الإبداع (ارسم، تحرك، العب). شاهد موسيقياً عظيماً أو خطيباً مفوهاً، لتفهم قوة الجسد في العطاء".
أقوى السرقات:
"السادة الراحلون (أو البعيدون) لا يرفضونك تلميذاً! فدروسهم مكشوفة في أعمالهم. تعلَّم منهم ما تشاء".
قبل أن تسأل:
"ابحث في جوجل أولاً. إما ستجد الجواب، أو ستُصيغ سؤالاً أفضل".
ختاماً – تساؤلاتي بعد القراءة:
هل منحني هذا الكتاب ثقة الإبداع، أم سلب المبدع ثقته؟ ترى ممن سرق بيتهوفن؟
هل يتوافق كلام أوستن مع قول مترجم القرآن "جون غروجان": "ما الذي يستطيع قائله القرآن أن يأتي بجديد، فكل قول موجود فيه"؟
هل الشعر سرقة ولحام؟ أم هو – كما في القرآن – "وما علمناه الشعر"؟ أم هو ما يراه الشاعر ريتسوس: "كمال الإنسان يتحقق باللغة البلاغية المتجددة"؟ وهل هذا التجديد سرقة؟
يقول الإمام الحرالي المراكشي: "نحن نردد ما أجراه الله على ألسنتنا، فما متكلم سواه". كيف نفهم هذا كله؟
أليس ما قدمه أوستن هو عين ما جاء به المتصوفة في حديثهم عن الأحدية والنقطة؟
استنجاد:
أسئلة معقدة قادتني إلى حوارٍ شائقٍ مع الفيلسوف الناقد د. عمر عبد العزيز، سانشره لاحقاً بحول الله.