أفاقت من نومها متثاقلة على صوت المنبه الذي تشير ساعته إلى

الثامنة صباحا ..

كان في داخلها حزن غريب جعلها تقلّب ذاكرتها لتعرف سبب هذا

الحزن الذي يسكن وجدانها .. وهي تتساءل في نفسها عن السبب

لمحت على الأرض فستانها الأبيض فتذكرت أن اليوم هو يوم زفافها ..

صمتت عن التفكير لبرهة فكأن حدث زفافها الليلة قطع التعجب الذي أفاقت

عليه هذا الصباح .. عادت من جديد لتساؤلاتها ..

إلهي كيف أكون هذه الليلة لرجل آخر غير (خالد) وكيف سأستطيع

العيش معه والإخلاص لرابط الزواج بيننا وخالد بكل ذكرياته يحتل كل

قلبي .. كيف أجبر عقلي أن لا يخونه وأنا يوما لم أكف عن التفكير به ..

غزت الأسئلة كل تفكيرها وكأنه لا يكفيه ذاك الحزن الذي عاشته منذ

أن غاب خالد عن حياتها بعد أن طلبت منه أن يبتعد لاستحالة اجتماعهما

في بيت واحد يوما ..

أخذتها عاصفة الذكريات إلى تلك الذكرى العطرة التي لا زالت وفية لها

وكأن أحداثها لا زالت مستمرة على أرض الواقع .. كان خالد الحب

الأول الذي تذوقت معه السعادة والحلم الجميل الذي تمنت أن يظل معها

للأبد .. سرقته العادات البالية من حياتها .. فهي كانت من أسرة

عريقة لا تسمح بالزواج من أسر أخرى خاصة وإن كانت أقل منها

شهرة وعراقة ..
برغم محاولاتها الجادة في أن تغيّر بعضا من مفاهيم عائلتها لكن لم

يجدِ أي منها بالنفع ..

فما رسخ في العقل يستحيل على أنثى ضعيفة تغييره !

لم تكف عن حبه برغم غضب الكثيرين لكنها ولأنها ذات شخصية

قوية لم يهزها الرفض ولم يغيّرموقف أهلها من حبها لخالد يوما ..

فهي كانت تعتبره الأمل الذي أنقذ (ريم) من حياة الترف التي كانت

تعيشها بل هدف..

جعلها أنثى مختلفة رقيقة المشاعر دافئة بالحب بعد أن كانت تتعالى

على من هم أقل منها وتعتبر نفسها الأفضل في كل شيء ..

لكن وجود خالد لم يستمر للأبد .. فالقدر عاندها وأبعدها عنه بعد

أن كانت ملتصقة فيه كحبات المطر .. رحل عن ناظريها وهاجر إلى

دولة أخرى حتى لا يعمّق الألم فيها أكثر ويزيد من الفجوة بينها

وعائلتها بعد أن صارحتهم بأمر حبها له ..

مرّ على رحيله ما يقارب السبعة سنوات وهي لا زالت تذكره وكأنه

قد رحل ليلة الأمس ..

لا تعلم كيف قضت حياتها من بعده ولا كيف استطاعت أن تخفي

ألمها عن أنظار الجميع وتجرعت الحزن بمفردها بدون أن

تقاسمه أحد!

لم يكتفِ والدها برفضه لخالد وأصرّ أن تتزوج آخر (باختياره)

حتى تستعيد عقلها وتنسى جنونها بخالد .. قاومته طويلا ورفضت

أن تكون لأحد غيره لكن غضب والدها كان مختلفا هذه المرة ولم

تستطع إلا أن ترضخ لأمره ولو كلفتها هذه الموافقة حياتها الباقية !

انتفضت ريم من ذاكرتها وأحست بالألم يزداد اتساعا في أعماقها ..

اختنقت أنفاسها من ذلك النحيب الذي أطلقته دموعها الحارة ...

صمت المكان من الحركة ولم يبقَ سوى بضع دمعات على ملامحها

الباهتة لتخبر أباها بأنها لم تستطع إلا أن تكون .. وفيّة !