الغريــب يظــل غريبـــــا
إلى الشاعر غازي الناصر في الذكرى الرابعة لرحيله
" أخاف عليك من الموت قهرا
أخاف عليك من الموت فقرا
أخاف عليك من الموت طلقة طائشة
أرحل الآن
إني سأرحل
لكن إلى حفرة باردة "
غازي الناصر الشاعر الإنسان الذي عقد صداقته مع الوجع والحزن التي لم ينفرط عقدها إلا برحيله عن هذا العالم 000
" إني أذوب ، أشرب الظلام ، اقتات بالأحزان ، يؤج في روحي اشتياق ظامئ00 لقطرة ابتسام " 0
غازي الناصر ذلك الإنسان الذي وضع متاريسه في السماء وتلحف بعشق الأرض ومحبتها 00 عاش روحانيته على طريقته بعيدا عن كل مغريات المادة والنزعة الاستهلاكية الفارغة 0
غادر عالمنا الفاني وعيناه كانت دائما تشخص إلى الأمام حيث الخلاص والعودة ،أسبل جفنيه ونام نومـا عميقا ، نام صاحب الجسد النحيل الذي جفاه النوم منذ زمن بعيد ، عاش بسيطا يحلم بالعودة للوطن وغادرنا بهدوء ، لم يكن ماديا ، فامتطى سفن الفقراء فكان واحد منهم ، لم يبحث عن المجد في فرق المشعوذين والكتبة المأجورين ، لكن كان جل همه أن يوصل رسالته التي عنونها بأن الفلسطيني سيبقى يحمل عذاباته وأحزانه حتى يتخلص من حالة التشرد والضياع ويعود إلى الوطن محملا بالعطر والرياحين 0
في غمرة الليل الحزين ينام المخيم متلفعا بالأسى تحرس شوارعه صور الشهداء 00 كآبة تطل برأسها كل يوم ، وعند كل مساء يأتي الليل بالسكون القاتل فلا يبقى إلا العشاق يلتحفون ضوء القمر ينتظرون ساعة السمر وهمسات الأحبة ، فيضيع اللقاء، ويظل الغريب غريبا 0
في دهاليز الذكرى نبحث عن التفاصيل الجميلة علها تعيد لنا شيئا من الفرح الذي مضى فتهرب منا كل الفصول 000هنا على أطراف المخيم ترقد غرفة طينية بسيطة ينام فيها الغريب صاحب الجسد النحيل الذي هده الحزن كثيرا ووجع اللقاء ، تتناثر من حوله فناجين القهــــوة وأحاديث المساء ، وبعض أكواب مبعثرات وأعقاب سجائر 0
" تجلس في الغرفة وتنفض الغبار عن أسماء مدنك 0 اكتشفت فلسطين اسمها 0 وعاودك الحب " 0
هو العمر يمضي ومازال العاشق ينتظر عودة القطار الذي غاب منذ زمن يسمر عينيه في عقارب ساعة الجدار تهرول العقارب وتمضي الأيام والشهور ولا يعود الحبيب يظل الغريب غريبا يتعبه السهر " يشق ثوب النافذة كي يدخل القمر "
إلى متى ستبقى متسمرا أمام ساعة الجدار 00 ؟!!
هل من أمل لعودة القطار00 ؟!!
هل من بسمة تعود بعد أن طال انتظار00 ؟!!
لكنها الحياة يا صديقي تلوكنا كما الأيام والأقدار، فتصبح الآمال ذكريات و ( فاديه ) التي غادرت لحظة الهجير حيث غاب الدفء والمطر ، وشمس الأصيل بدأت تتعرى عند الأفق البعيد استعدادا للرحيل 00 تاركة وراءها مرارة الانتظار، كأنها الحلم الذي مر عابــــرا يهرول بعيــدا عن فضاء الذاكرة ، فيسقط القلب مع صفارة قد أطلقها القطار0
" لكنني يا ( فاديه )
مازلت في انتظار 000
مازلت في انتظار 00
سأحمل الشجون والتذكار 00
في مهجة تمزقت ، تقطعت أوصالها إلى نثار 0
يغرقها الحنين في تياره السحيق
فتخطئ الطريق نحو شاطئ الأمان 00 وتخطئ الطريق !!!0 "
أيها المسافر اعد لي كل الأغاني التي خبأتها عني000 كل الحكايا والصور، ومواويل السفر الموشى بالأمل دع اليمام يحط على نافذة قلبي عند الصباح لنشتم معا عطر الياسمين ، أيها المسافر خذ فرحي ولا تطل الغياب خذ سعف النخيل والبرتقال ، وأغسل الحزن المعتق من جفوني 0
ماذا سنفعل عندما يسقط القمر هناك وراء الغمام 00 ؟!!
ماذا سنفعل عندما تغفو أحاديث المساء 00 ؟!!
ماذا سنفعل عندما يداهم الليل لحظات انتظارنا بلا قمر 00 ؟!!
" أهكذا تختم الفصول ، ويعلن القدر 00 على الملا بملء فيه ، بصوته المنساب في كل تيه : أن الهوى قد اندثر ، وأن صاحب الهوى مقتول ؟؟!!0وآه لذاك الزمن الغابر !! لم يعطني الحياة ، ولم يكحـل بالمنى عيني ، بل أحكم الأصفاد في يدي ، وضن حتى بابتسامة من الشفاه 00 تملأ قلبي غبطة وخاطري " 0