أُمَّـتِـي .! أين أخطأنا وأين أصابوا ، وأين أنتِ وأين السبيل .!

أُمتي .! هل أنتِ تاريخ لغّـزه الأجدادٌ فاستعصت طلاسمه على الأحفاد .!

أُمَّـتِـي .! لا شك أنت هنا وهناك ترقبينا، تحلمي لنا وبنا وتأملي حين تسمعينا ، تـنظري تتأملي فتألمينَ ، تـُدركي الكائن وما يجب أن يكون .! ولكن هل تفهمين شيئاً مما يدور باسمك فيكِ وفينا .! فإن كُنتِ كذلك فاخبرينا ، أوشك الأمـر يلتبس علينا .!

أُمَّـتِـي .! أكيفٌ أنتِ من الأمجاد ظاهرٌ- يخشاه الحاقدون فيُنكروه علينا .! أم كمٌّ من الأحلام أنتِ - في خيال بنيكِ النائمين .!
يوشك المخلصون لكِ – المؤمنون بكِ – أن ييئسوا سُبُلَ الرشاد في بحثهم عن كنهكِ .! فاسمكِ في التاريخ أجده مدوياً .! ولكن شتان بين واقعك اليوم وما قيل بالأمس عنكِ .!
أموجودة في الإنسان الفرد أنتِ - فاحترت كما احتار وانزويت كما انزوى ، أم تـُراك شيئاً من تراب الأوطان يطأكِ بالأقدام من رآكِ ومن لم يرَ .!
أم أنّكِ ثرواتٌ تـُجمعُ ، ومراكزٌ بالدمِ وبقتل المنطق - تـُنتزع ، وأسماءٌ يُشار لها ببنان الخوف والنفاق - تلمعُ .!

أُمَّـتِـي .! الكلُّ يا أمةَ الكُلِّ يـزعم فهمكِ ، يُقسم على الإيمان بكِ - يـدّعي الإخلاص لكِ , يرفع شعار حُبَّكِ – كأنكِ ترينه وكأنه يراكِ .! لسانه بالعـزِّ يَعِـدُكِ ، يداه تبني بالأوهام مجدكِ ، الهرج والمرج أضحيا سمة مجالس الأشقاء لأجلكِ ، وكلُّ النتائج يا حبيبة الكلِّ كانت ضِدَّكِ ، ألا أفصحت من نكون ، ومن تكونين .!

أُمتي .! هل استقمنا يوماً ثم انعطفنا ، فانحرفنا فانجرفنا ، فجهلنا اليوم ما قيل أننا بالأمس قد عرفنا ، فتخلفنا فانكشفنا - فاختلفنا .! ها قد جئناكِ متسائلينَ ، باسم الإله باسم الكتاب باسم الرسول ، فاصدقينا .!

أُمتي .! هل تمادينا في تغنّينا بكِ - بعروبتنا ، وبوادينا وخشونتنا في صحارينا - حتى أطبق الماضي علينا ، فـَعِـفنا حضارة الحاضر والمدينة ، وعُـمينا بجهلنا عن نور ساطع بين أيدينا – كأنما خشينا أن يُلهينا الحوار عن عنف بات سبيلاً يُنادينا ، أو أن يُظهر الجدل عجزنا عن حكمة نـدّعيها حصراً دون العالمين ، وهل عصينا أن يأخذ العلم بأيدينا اقتداءً بالآخـرين من حولنا - يساراً ويمينا .!

أُمتي .! هل جاوزت أقلام أبنائك العقل - في وصف أمجادهم وبطولاتهم وعلومهم وكراماتهم - شعراً ونثراً ، رواية ً وقِصة ، صِـدقاً وزوراً – كل الحدود والقيود ، فأضحى العرب مجتمع أبطالٍ خرافيين–لا يرى أحدهم بطولة الآخـر ولا يُنكرها ، وأمسى كلٌ يـدّعي وقـْفَ - فلسفة الإسلام والعروبة والشجاعة والأدب والفكـر والكرم والعلم - لنفسه ونسله ، وينسب جذورها لحسبه ونسبه ، ويعمل جاهداً جاهلاً - على برهنتها بكل ما يكفل صمت الحاضرين لا بما يُجيب السائلين .!
حتى تراءت لنا بطولات الآخرين جبناً ، وتضحياتهم فـراراً ، وعلومهم كذباً ، وتقنياتهم سراباً ، فهزمناهم قـولاً وهماً خيالاً- بما فاق انتصاراتهم التي نشهدها علماً عملاً فعلاً واقعاً حياً .!

أُمتي .! هل رسمنا صورة خيالية أسطورية لشهامتنا ونخوتنا - في نجدة المستغيث ونُصرة المظلوم ومؤازرة الأخ .! فأضحى كلُّ مهزومٍ في نظرنا مظلوماً ، وأمسى كلُّ منتصرٍ في زعمنا عدوّاً غاشماً ، وبات كل من مدحنا أخاً تجب نصرته ظالماً أو مظلوما .!

أُمتي .! هل تجدين في فكر أبنائك شيئاً من براءة الطفولة ، أم تخلفاً ، وهل أنتِ عنه مسئولة .! أم تجدين فيهم حنيناً لجاهليتهم الأولى .! أم تـُرانا نخلط بين مقتضيات الرجولة وطبيعة الفحولة ، فتعشق بداوتنا قـُبْحَ القوة ، وترفض ثقافتنا قوة الجمال ، وتجهل عاداتنا منطق العقل .! فخرجنا على العالم بهيئة من يـدّعي نشر العدل ، حاملاً سلاح الغـدر مُدافعاً به عن المجهول .!

أُمتي .! هل أنتِ قصة رواية شعر نثر أدب - يكتبها أديبٌ بلغةٍ لا تحرك ساكناً في بعيد ولا قريب .! يُجسّد خيوط الشمس قبل شروقها ، ويراها بكلماته بعد غروبها ، ويُناجى ضوء القمر ليلة غيابه ، ويستدل بنجوم السماء وسط نهاره ، فيُخاطب القارئ غمزاً ويُريه همساً ويُسمعه رمزاً ويُلمسه وهماً ، فيصنع من نفسه لغزاً موجوداً ولا يُرى ، فلا يخافه عدوٌ ولا يُسـرُّ به صديقٌ .!