ذات مساء
وجدتني أتكوّم على رصيف العمر بقايا امرأة ،وقد تناثرت حولي أشلاء مشاعر، إخالها مشاعري المذبوحة،ووجدته هناك على كتف الأيام يجمع أوراق عمره المختلطة برماد السنين،ويلملم شظايا كلماته المبعثرة بين السطور.
عرّاني صمته من كل شيء إلا من الشوق إليه،وأغراني صوته بكل شيء باستثناء الاقتراب منه، حاولت جاهدة أن أتجاهل وجوده لكن عبثا أحاول.
نعم، أخذني مني ووجدتني أهرب منه إليه وأبتعد عنه نحوه وأختبئ منه خلفه.
وقفت أمامه وصرخت :
دع عنك صمتك الذي يسلبني إرادتي بإرادتي
لكنه ظل صامتا غير آبه بشيء،وكأن الوجود بأسره ليس سوى كرة تتقاذفها يداه،وبعد هنيهة همس في أذني وقال:
لست سوى جرح بملامح إنسان،فكيف لقلبك الغض أن يحتضن بين حناياه جرحا مثلي؟؟؟؟؟؟؟
شعرتني أنصهر أمام حدة تكسو صوته،وصرامة تغلف كلماته،وحزن يذوب في نظراته التي أعشقها .
سألته مرة هل سترحل بعيدا عني فقال:
لا تقلقي لن أرحل إلى هناك قبل أن أحتضنك،والهف نفسي عليك حبيبي،دعني أتمدد بين جفنيك وألقي بجسدي المنهك فوق رموشك، فقد أرهقت حواسي سنيّ الغياب،وعافت نفسي تنشق ذكريات تفوح منها رائحة الموت والعفن،وسئمت التنقل بين الوجوه باحثة عن ملمح آمن، ترسو عليه سفني التائهة في لجج الحياة.
هي ذي الأقدار شاءت أن ألتقيك رغم مسافات الغياب التي تفصلني عنك،ورغم مساحات البعد التي أسجد فوقها كل حين، وأصلي ضارعة علّ الأيام تجمعني بك في مكان واحد، علّي أراك يوما ماثلا أمامي،نجوب العراق معا ،ونمشط أرض دهوك جيئة وذهابا،نضحك معا ونبكي معا،تتعمد قلوبنا بدموعنا،وتتطهر أرواحنا من أردان الوحدة التي دنست صفاءها،وعكرت صفو ملامحها.
حبيبي،ترجّل أرجوك............
هي صهوة الغياب التي تؤثر امتطاءها تستلّ أنفاسي مع كل نسمة أتنشقها وأنت بعيد عني.
رحلت قبل أن أجتمع بك،ورأيت فراقنا سبق لقاءنا، فلا تطل الغياب،حتى وإن كنت بين أحضان العراق، غريبا تعيش عد إليّ، فستجد بين حنايا فؤادي عراقا آخر،يلثم جرحك،ويضاجع الآه المخنوقة في حنجرتك،ويهتك أستار وحدتك،ويمزق صمتك،ويبدد دجية ألمك،عد يا.................
فانا أنتظر إيابك،وإلى حين عودتك سأظل أتأمل صورتك، وأدقق في ملامحك التي ستظل طافية على سطح الزمن.
2007\3\14