نزار قبانى كما عرفته




نزار كما يعرفه معظم الناس هو شاعر النساء والأثداء والشفاه الحمراء

وهى الصورة التى حرص الإعلام العربى على ترسيخها فى الأذهان عن هذا الشاعر العملاق

وأنا بطبعي لا أثق فى الحكام وإعلامهم وقرأت نزار بهدوء وعرفت نزار واسمحوا لى أن أعرفكم عليه


نزار قبانى

هو الشاعر والفارس والمقاتل الإنسان فى زمن قطع السنة الشعراء وقتل الخيول وباع السيوف ورهن دروع الفرسان

نزار هو الرجل فى زمن تخلى فيه الرجال عن رجولتهم وتحولوا إلى مطايا فى ركب السلطان

ولكنه وحده نزار احتفظ برجولته ورفض أن يطبق فمه وصرخ مقاوما ومنددا وموقظا الموتى بلا قبور

صرخ نزار محذرا ومنذرا وركب المستحيل وشهر سيف الكلمة وتحدى العالمين

ووحده وقف يلعن كل العملاء ويتحدى كل السلاطين

وحده نزار رفض الخضوع لقواعد العصر الصهيونى الأمريكي

وحده نزار صرخ محددا الطريق

طريق واحد إلى فلسطين يمر من فوهة بندقية

وحده نزار صرخ يلعن ديكتاتورية الحكام فى دول أدمنت تأليه الحكام

وحده نزار صرخ مطالبا بحرية الرجال والنساء فى اختيار من يحكم ومن نحب ومن نشاء

فى مجتمعات تلعن حرية الاختيار وتعتبرها رجس من عمل الشيطان

وحده نزار صرخ مطالبا بحرية الخبز وحرية الحب وحرية الكلمة

وسط شعوب آمنت أن الخبز هبة من السلطان وان الحب من الشيطان وان حرية الكلمة كفر زور بهتان فلا كلمة قبل أو بعد كلمة السلطان



هكذا جاء نزار وسط مجتمعات رفضته بجموعها وحكامها ولكنه لم يستسلم أبدا لليأس وأصر على كلمته وأطلق صرخته فى أشعاره ومواقفه

وقتلوه حيا ورجموه ميتا



ولكن الكلمة سرت فى الماء والهواء والأرض والسماء وتشربتها القلوب والعقول وانطلقت الحناجر تشدو بأشعاره وتردد صرخته

نعم رحل الفارس ولكن مواقفه بقيت تضئ لنا الطريق

وبقيت أشعاره تشعل لهب القلوب كلما خبت فى عروقنا نيران الثورة

هذا هو نزار الثائر والفارس الذى حاولوا حبسه فى إطار المرأة والجنس

هذا هو نزار كما عرفته وكما كان فى حقيقته ثائرا فارسا إنسان

والان اسمحوا لى أن أعرفكم على إحدى بناته لتدركوا لماذا حاول إعلام الحكام العرب حبسه فى إطار المرأة والجنس والنساء والأثداء والشفاه الحمراء

اسمعوه يصرخ محددا الطريق الوحيد إلى الحق والعدل والكرامة العربية

متى يعلنون وفاة العرب ؟

.... شعر نزار القبانى

-

نزار قباني


أحاول منذ الطفولة رسم بلاد
تسمى - مجازاً - بلاد العرب
تسامحني إن كسرت زجاج القمر
وتشكرني إن كتبت قصيدة حب
وتسمح لي أن أمارس فعل الهوى
ككل العصافير فوق الشجر
أحاول رسم بلاد
تعلمني أن أكون على مستوى العشق دوماً
فأفرش تحتك صيفاً عباءة حبي
وأعصر ثوبك عند هطول المطر
أحاول رسم بلاد
لها برلمان من الياسمين
وشعب رقيق من الياسمين
تنام حمائمها فوق رأسي
وتبكي مآذنها في عيوني
أحاول رسم بلاد تكون صديقة شعري
ولا تتدخل بيني وبين ظنوني
ولا يتجول فيها العساكر فوق جبيني
أحاول رسم بلاد
تكافئني إن كتبت قصيدة شعر
وتصفح عني إذا فاض نهر جنوني
أحاول رسم مدينة حب
تكون محررة من جميع العقد
فلا يذبحون الأنوثة فيها
ولا يقمعون الجسد
رحلت جنوباً .. رحلت شمالاً
ولا فائدة
فقهوة كل المقاهي ، لها نكهة واحدة
وكل النساء لهن - إذا ما تعرين - رائحة واحدة
وكل رجال القبيلة لا يمضغون الطعام
ويلتهمون النساء بثانية واحدة
أحاول منذ البدايات
أن لا أكون شبيهاً بأي أحد
رفضت الكلام المعلب دوماً
رفضت عبادة أي وثن
أحاول إحراق كل النصوص التي أرتديها
فبعض القصائد قبر
وبعض اللغات كفن وواعدت آخر أنثى
ولكنني جئت بعد مرور الزمن
أحاول أن أتبرأ من مفرداتي
ومن لعنة المبتدأ والخبر
وانفض عني غباري
وأغسل وجهي بماء المطر
أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل
وداعاً قريش
وداعاً كليب
وداعاً مضر
أحاول رسم بلاد
تسمى - مجازاً - بلاد العرب
سريري بها ثابت
لكي أعرف الفرق بين بلاد وبين السفن
ولكنهم .. أخذوا علبة الرسم مني
ولم يسمحوا لي بتصوير وجد الوطن
أحاول منذ الطفولة
فتح فضاء من الياسمين
وأسست أول فندق حب
بتاريخ كل العرب
ليستقبل العاشقين
وألغيت كل الحروب الحروب القديمة
بين الرجال .. وبين النساء
وبين الحمام .. ومن يذبحون الحمام
وبين الرخام .. ومن يجرحون بياض
الرخام
ولكنهم .. أغلقوا فندقي
وقالوا بأن الهوى لا يليق بماضي العرب
وطهر العرب
وإرث العرب
!! فيا للعجب
أحاول أن أتصور ما هو شكل الوطن

أحاول أن أستعيد مكاني في بطن أمي

وأسبح ضد مياه الزمن
وأسرق تيناً ، ولوزاً ، وخوخاً
وأركض مثل العصافير خلف السفن
أحاول أن أتخيل جنة عدن
وكيف سأقضي الإجازة بين نهور العقيق
وبين نهور اللبن
حين أفقت .. اكتشفت هشاشة حلمي
فلا قمر في مياه الفرات
ولا قهوة في عدن
أحاول بالشعر أن أمسك المستحيل
وأزرع نخلاً
ولكنهم في بلادي ، يقصون شعر النخيل
أحاول أن أجعل الخيل أعلى صهيلاً
!! ولكن أهل المدينة يحتقرون الصهيل
أحاول - سيدتي - أن أحبك
خارج كل الطقوس
وخارج كل النصوص
وخارج كل الشرائع والأنظمة
أحاول - سيدتي - أن أحبك
في أي منفى ذهبت إليه
لأشعر - حين أضمك يوماً لصدري
بأني أضم تراب الوطن
أحاول - منذ كنت طفلاً - قراءة أي كتاب
تحدث عن أنبياء العرب
وعن حكماء العرب .. وعن شعراء العرب
فلم أر غلا قصائد تلحس رجل الخليفة
من أجل حفنة رز .. وخمسين درهم
!! فيا للعجب
ولم أر إلا قبائل ليست تفرق ما بين لحم النساء
وبين الرطب
!! فيا للعجب
ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخلية
لأي رئيس من الغيب يأتي
وأي عقيد على جثة الشعب يمشي
وأي مراب يكدس في راحتيه الذهب
!! فيا للعجب
أنا منذ خمسين عاماً
أراقب حال العرب
وهم يرعدون ، ولا يمطرون
وهم يدخلون الحروب ، ولا يخرجون
وهم يعلكون جلود البلاغة علكاً
ولا يهضمون
أنا منذ خمسين عاماً
أحاول رسم بلاد
تسمى - مجازاً - بلاد العرب
رسمت بلون الشرايين حيناً
وحيناً رسمت بلون الغضب
وحين انتهى الرسم ، ساءلت نفسي
إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب
ففي أي مقبرة يدفنون ؟
ومن سوف يبكي عليهم ؟
وليس لديهم بنات
وليس لديهم بنون
وليس هناك حزن
!! وليس هناك من يحزنون
أحاول منذ بدأت كتابة شعري
قياس المسافة بيني وبين جدودي العرب
رأيت جيوشاً .. ولا من جيوش
رأيت فتوحاً .. ولا من فتوح
وتابعت كل الحروب على شاشة التلفزة
فقتلى على شاشة التلفزة
وجرحى على شاشة التلفزة
ونصر من الله يأتي إلينا .. على شاشة التلفزة
أيا وطني جعلوك مسلسل رعب
نتابع أحداثه في المساء
فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء
أنا بعد خمسين عاماً
أحاول تسجيل ما قد رأيت
رأيت شعوباً تظن
بأن رجال المباحث أمر من الله
مثل الصداع .. ومثل الزكام
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
ولكنني .. ما رأيت العرب !!