بيني وبينها حكايات كثيرة، يصعب عليّ كما يصعب عليها نسيانها. بيني وبينها بحر، وحيتان كثيرة تحول فيما بيننا.

بيني وبينها رسائل في بريد القلب تحملها النوارس ليلًا لتخبرها عنّي وتخبرني عنها.

بيني وبينها حكايات نسجت حروفها بنقاء يضاهي الثلج في بياضه، بياض قلبها.

بيني وبينها ما لا أستطع إلى الآن أن أصفه، فلا هو حبّ، ولا عشق، ولا هيام.

مشكلتي أنّني لم أعرف إلى الآن ما هو..

فذهبت إلى حكيم محنك، وقلت له حكايتي، قال لي:

- كيف تشعر في غيابها؟

- الدنيا لا تكون دنيا.

- هل تتغيّر درجة حرارتك؟

- تستطيع أنْ تشعل سيجارتك منّي.

- وقلبك؟

- يتحوّل إلى هندي أحمر غاضب من الماء والهواء.

- هل تستطيع أنْ تكتب وأنت في تلك الحالة؟

- بلى، لكن الكلمات تضيع منّي، تطير مثل الدخان، أراها ولا أكاد أمسك بها.

- هل تنام ليلًا؟

- مثلي لا ينام.

- هل تأكل؟

- فقدت الرغبة في الطعام.


- أنت تحبّها؟

- لا أدري.

- أتعشقها؟

- لا أعلم.

- إذن هائم بها؟

- ربما ... لعم .


- لعم!! أتدري يا بني لقد اعتزلت مهنتي على يديك، فدعنا نذهب سويّا إلى حكيم آخر، فلعلّي أفهم.

ذهبنا معًا، وفي الطريق القينا بعطار أكلته السنون، استوقفه الحكيم وقصّ عليه الحكاية؛ فكاد أنْ يجنّ العطار، وأراد أنْ يفهم هو الآخر، فذهب معنا، وفي الطريق التقينا بساحرة، فقصّوا عليها الحكاية، فوقف شعر رأسها، وغضبت منّي، ثمّ قرّرت أنْ تسير معنا لكي تفهم هي الأخرى.

سرنا طويلًا، وفجأة طلع علينا مخلوق لم نر مثله من قبل، استوقفنا وسألنا إلى أين نريد، فقصّوا عليه الحكاية، فكّر هذا المخلوق طويلًا، ثمّ قال لي:

- لست عاشقًا، ولست هائما، ولست محبا، ولا تأكل ولا تنام، وقلبك يتنطط على الدوام، وتريدها من بين كل الأنام، أمامك دقائق لتختفي من أمام ناظريّ وإلّا ...

فقلت له :

- مهلًا عليّ يا مخلوق، ودعني أسألك، هل لديك قلب؟

- نعم.


- هل تستطيع أن تتحكم به؟

- نعم.


- هل..

وقبل أنْ أكمل سؤالي، شخصت عيناه في الفضاء، وقال بصوت رقيق حنون « أين كنتِ يا روحي». ثمّ طار بعيدا.

هنا تفرق الجمع من حولي، وذهب كلّ واحد في طريق وهو يردّد فيما بينه وبين نفسه « كلّ إنسان حكيم قلبه لو امتلك إرادته».