الحمارخانة..
مَلهاةُُ مُبكية..مآساةُُ مُضحكة..كوميديا حزينة
لا تعرف فيها أتضحك أم تبكى؟!
أو يكون ضحكك كالبكاء
وإذا فعلتُ هذا أو ذاك.فعلي الآخرين
أم علي نفسك أم علي الكل؟؟
علي كل حال
أرجو أن تكون حميرها قد أوصلت رسالتها



بلغ المعلم "حُكشه" من العمر عتيا.قرر التقاعد وتسريح صبيانه.لم يعد قادراً على ممارسة مهنته الشاقة المُربحة.مهنة جمع القمامة.لكنه أيضا كان غير قادر على مفارقة "عربجيته" فهو "عربجيّ" أبا عن جَد.لذلك قرر استثمار "عربخانته" فى مهنة قريبة من الحَمير بعيدة عن القمامة.قرر تحويلها إلى مضيفة لحَمير المنطقة."جراج" حَمير أو فندق حَميريّ صغير من فئة "البرادع" الثلاث.


كانت العَربْخانة تكفى بالكاد عربته وحِماريه : الكبير الأساسي والصغير الإحتياطي.لم يكن الأخير يعمل بمعنى الكلمة.كان بمثابة حِمار "إستبن" مربوط باستمرار إلى جوار الكبير ليتدرب على السير بين البني آدمين وعلى كيفية التعامل معهم.فالتكرار يعلّم الشطّار.لكنه حِمار والسلام.عموماً لقد استراح المعلم منهما .معاً بعدما باعَهما.ولو أنَّ ِفراقهما عزّ عليه.فالعِشرة لا تهون إلا على "إبن الحا را....." .

ولما كانت الليلة الأولى من ليالي الحِمارخَانة بدأت الحَمير التى "شرّفت" كأول زبائن في التعارف.كانوا خمسة.كل واحد منهم يجرُّ عربة "كارو" مختلفة عن الأخرى.الأول يجر عربةً لبيع الفول المدمس والثاني: عربة لبيع الخبز.الثالث: عربة لبيع الفاكهة.والرابع:عربة لجمع القمامة أما الخامس وهو أسوأهم حظاً فيجر عربة لجمع مياه الصرف الصحي "كسح مجارى" بعد أن باعه صاحبه السابق الذي كان يمر على المقاهي والتجمعات ينشد بعض الأزجال علي ربابته ويتكسب بذلك قوت يومه هو وحِماره الذي كان يصغي بانتباه لكل ما يقوله ذلك الزجّال .
بعد التعارف وقبل النوم اقترح حِمار عربة الفول المدمس أن يلقى إحدى النكات.انفرجت أسارير بقية الحَمير واستعدوا لسماعها فقال:
ـ كانت هناك مجموعة من البني آدمين عددها خمسة أفراد يعرف كل واحدٍ منهم نكتة واحدة فقط.يجتمعون كل ليلة ليسمعوا النكتة ذاتها من الشخص ذاته.ولما ملّوا سماع النكات بهذه الطريقة الرتيبة اقترح أحدهم أن يعطى صاحب كل نكتة لنكتته رقما.يقوله فيعرف الجميع النكتة فيضحكوا بدلاً من تكرارها كل ليلة .
ـ وبعدين.استحثه حِمار عربة الخبز على الانتهاء من نكتته لينام لأنه يستيقظ مبكراً :
ـ وبعدين كل ليلة يجتمعوا ويقولوا نكتهم كلها: واحد.خمسة.أربعة.اتنين.تلاته .يضحك الجميع.فجأة قال أحدهم: تسعة .
ـ تسعة إزاي وهمه خمسة.تساءل حِمار عربة الفاكهة ؟!
ـ إللي حصل.أكمل الحِمار ملقي النكتة.كل المجموعة لم تضحك إلا أحدهم أخذ يقهقه و"يرفّص" برجليه ولما سُئل عن سبب ضحكه قال: ـ أصلي أول مرة أسمعها .
ـ بايخة!!.قال حِمار عربة الصرف الصحي
ـ بس ممكن تفيدنا.أردف حِمار عربة القمامة.إحنا كمان نِدّى أنفسنا نمر عشان نخفف عن كاتب القصة .

ـ يعنى أنا نمرة (1).قال حِمار عربة فول مدمس وبعدين بالترتيب إللى في الفقرة التالتة من القصة.نمرة (2) لحِمار عربة الخبز ونمرة (3) لحِمار عربة الفاكهة ونمرة (4) لحِمار عربة القمامة ونمرة (5) لحِمار عربة الصرف الصحى.رضي كل حِمار برقمه وهنا اندفع حِمار عربة "المجارى" منشداً :

كان ياما كان كان ياما كان
كان ياما كان كان ياما كان
العلما اجتمعوا واختلفوا
واحتاروا ف أصل الإنسان
قالوا ملاك قالوا شيطان
أو مخلوق بائس غلبان
وأخيرا اتفقوا ورضيوا
بالنسناس أصل الإنسان
راحوا للقرد يشوفوا حكايته
وازاي بقي أصل الإنسان
بصوا لقوه ماشى بيتنطط
وبيفسد في كل مكان
وبيسرق.ينهب ويدمر
وينافق علي كل لسان
عايش دايما ع الخلافات
ولا يعرفش يعيش في أمان
مجرم ندل خسيس وجبان
ولا يقدرشي عليه الجان
رجعوا العلما يراجعوا بحوثهم
بعد ما عرفوا بالبرهان
إن القرد إتغير طبعه
ولا عادشى مخلوق غلبان
فجأة اكتشفوا بعد ما بحثوا
النسناس أصله : إنسان
وغضبي

وهنا قال حِمار رقم (1) :
ـ ينصر دينك إنت شاعر ولا إيه؟* من دلوقتي إسمك "زَجَلول" .
ـ أنا حافظ كل الزجل إللى كان بيقوله صاحبي الأول وما دام إسمي بقى "زَجَلول" فلازم كل واحد فيكو يبقى له إسم.. وبلاش حكاية النمر دى..إحنا ها نعمل زي البني آدمين ولا إيه ؟!
وهنا اندفعت الحَمير نحو "زَجَلول" مهنئة بموهبته فمطَّ شفتيه إلى الأمام شاكراً ثم قال :
ـ إنت اسمك "قِدْرة" (موجها كلامه إلى حِمار عربة الفول المدمس) وانت لأنك طول النهار فى وسط العيش (ناظراً إلى حِمار عربة بيع الخبز) ها يبقى اسمك "خَميرة" ، أما حِمار عربية الفاكهة فاسمه علي وزن اسمي : "زغْلُول" أما انت يا حِمار عربية الزبالة فأحسن اسم لك هوا "زَبَلُول".وافق كل حِمار علي الإسم الذي اختاره له "زَجَلول"
ونام الجميع استعداداً ليوم عمل شاق.

ولما كانت الليلة التالية من ليالي الحِمارخَانة بدأت الحَمير تعرف بعضها أكثر.وبعد وجبة العشاء بدأ كل حِمار منهم يحكى ما مر به من أحداث.قال "قدرة" :
ـ سمعتم آخر نكتة عن الحَمير ؟
ـ عاوزين نكت عن البني آدمين.زهقنا من النكت إللى بتتقال عننا.عقّبَ "خَميرة" .
ـ يقولون أن رجلاً دخل حديقة الحيوانات فوجدها كلها تضحك ما عدا الحِمار.ولما عاد في يوم آخر وجد العكس.فلما سأل عن السبب قال له الحارس أن القرد قال نكتة من أسبوع لم يفهمها الحِمار إلا اليوم .
ـ نكتة بايخة.قال "زَبَلُول" فيه بنى آدمين عايشين في قضية بقالهم أكتر من خمسين سنة موش أسبوع ومع ذلك لسه ما فهموهاش لغاية دلوقتي .
ـ علي فكرة البني آدمين دول مُخهم على قدّهم.تدخّل "زغْلُول" في الحوار.تصور إنهم فاكرين إنهم بيتفرجوا علي الحيوانات في يوم شم النسيم.دول همه اللى بيملوا الجنينة علشان الحيوانات هي اللي تتفرج عليهم .
ـ ما تفكرنيش باليوم دا.واحد قريبي هناك قال لي إن ريحة الجنينة فى نهاية اليوم بتكون فى غاية النتانة.طول النهار ياكلوا فسيخ ورنجة وبصل وطعمية ومخللات ويسيبوا أكوام زبالتهم يفضل العمال يشيلوا فيها أكتر من أسبوع .
ـ ليّه قريب بياخد يوم شم النسيم أجازه عارضة هرباً من ريحة البني آدمين.أضاف "زَجَلول" .

ـ أقول لكم أنا آخر النكت الحَميرية.قال "قدره"
يحكى أن حِماراً اسمه حَمّورة ذهب إلى حِمار صديق له اسمه حَمرْمَرْ يشكو إليه حِماراً ثالثاً اسمه حِمارينو دأب على سبّه فدار بينهما هذا الحوار :
ـ أشكو إليك صديقك حِمارينو .
ـ ماذا فعل ؟ هل "رفص" لك حاجة ؟
ـ لا أبداً.إنما كل يوم الصبح ينادى عليه من "زريبته" منهقاً: يا حَمّورة. يا حَمّورة وعندما أقول له نعم يقول لي ياعبيط.هل عندك حل لهذا المُشكل ؟
ـ الحل بسيط جداً.قبل أن ينهق عليك منادياً.نهق أنت قَبله.وعندما يرد عليك قل له يا عبيط .
فرِح حَمّورة بهذا الحل الذي اقترحه حَمرْمَرْ.وبعد أن تناول عشاءًا فخماً من التبن والبرسيم وانتفخ بطنه من الأكل وصدره من الزهو بما سوف يفعله في الصباح الباكر بحِمارينو برّطع ما شاء له البرطعة ونام وهو يتعجل قدوم الصباح .
ومع أول ضوء وبعد أن سمع صياح أول ديك نهض وعدّل من بردعته ومط شفته العليا متثائباً ونادى:
ـ حِمارينو.حِمارينو
ـ من ينادي ؟ رد حَمّورة من "زريبته"
ـ أنا .
ـ أنت مين ؟
ـ أنا حَمّورة .
ـ ماذا تريد يا عبيط ؟!!
نظرت كل الحَمير إلى "قِدْرة" وقالوا في وقت واحد: ماذا تريد أنت يا عبيط ؟!!