أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: انت نور عيوني

  1. #1

    افتراضي انت نور عيوني

    ضربَ على الأرضِ بعصاه،
    تحسّسَ الذبذباتِ بكفّيه.
    هكذا كان يُحسُّ بالعالم،
    لا ببصرٍ، بل بقلبٍ ينبضُ بالألم.
    ألمُ عيونٍ منطفئة،
    كسماءٍ بشمسٍ منكسفة.
    رموشٌ هُدبى متفتّحة،
    تواري عدسةً معتمة.

    فاقدٌ لحاسّةِ البصر،
    لكنْ له حواسّ تُميّز بين البشر.
    حكمةُ إلهٍ، وإيمانٌ بقدر،
    يُضيء دربَه رغم عتمةِ السفر.
    يضربُ الأرضَ بعصاه،
    فتقرأه أعصابُه ما لا تراهُ عيناه،
    يترجمُها عقلٌ بخلاياه،
    فتنيرُ عتمةَ ظلامٍ لا يخشاه.

    على قارعةِ الطريقِ وقف،
    بخطى سلحفاةٍ عزف
    سيمفونيّةَ عبورٍ بخطرٍ أزف.
    صريرُ عجلاتٍ أخافه،
    أقوى من صوتِ الحشودِ وهتافه.
    كطبولِ حربٍ دقّت،
    في ساحةِ وغى،
    خيولٌ تركض، وسهامٌ رُميت،
    لا يهابُها، ولا يندبُ حظَّه.

    صريرٌ تقرؤه الأذنان،
    فارتجفت منه القدمان،
    توقّفَ فجأة…
    مرَّ الموتُ بجواره بثانيتين،
    يا لحظِّ نفسٍ بريئة.
    هبّت ريحٌ باردة،
    لفحت وجهه كسوطِ نذير،
    كأنها تهمسُ في أذنه:
    "الخطرُ ما زالَ في المسير."

    ثمّ يدٌ ناعمةٌ حطّت،
    كنسمةٍ من الفجر على خدّه مرّت،
    ربّتت على يده والعصا…
    "أنا هنا… كيف تنسى قلبي وما أوصى؟"
    صوتٌ نديٌّ يسمعه، منذ أصبح وأمسى،
    كصوتِ كروانٍ له يُغنّي،
    من أقصى البعيدِ تأنّى،
    كأنّ الحياةَ أهدته لحنًا،
    بعدما الموتُ منه تمنّى.

    همست:
    "ألم أوصِكَ أن تنتظرني؟
    أن لا تعبر بدوني…
    أن تكون خطوتي ظلّك…
    وصمتي دليلك؟"

    كانت هناك،
    ملاكَ رحمةٍ تجسّدَ حبًّا،
    زوجةً قبلت به ضريرًا،
    ترى بعينيه الوجعَ والعبور،
    ولم تكن صدفة… بل وعدًا أدركه المصير.

    ابتسم، وعيناه تلمعانِ بالدموع،
    سحبَ يدها برفق، وصمت،
    لكن في صمته، كان كلّ ما أراد أن يقوله:
    "أنتِ الحياةُ التي وهبها لي الله…
    وأنتِ نورُ عيوني."

  2. #2

    افتراضي

    راااائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى...
    تصوير دقيق لثواني من الوقت في حياة فاقدي البصر ..
    كتمت انفااسي لبرهة..ولكن اسعدتني النهاية فحمدت الله ان هناك زوجة حنونة مرت من هنا..
    دمت مبدعا
    يـارب هب لي من لدنك فرحة!! تشعرني..بأن الحياة أجمل.

  3. #3

    افتراضي

    يقول أحد المكفوفين: أتألم كثيرا عندما أقطع المفترقات
    وأسمع صراخ السائقين وأبواق السيارات ..
    ولا أجد من يساعدني.

    قصة نثرية رائعة بلغة شاعرية، وتصوير إبداعي
    بعمق في المعنى وإبداع في الحرف.
    كلمات تلامس القلب بخوفها ووجعها وحزنها
    ولكن الله لا ينسى أحدا فقد أهداه ملاك رحمة
    تجسد حبا لتكون له نور عيونه.
    لحروفك ألق ساحر يجتذبني، مليئة بالدهشة والإمتاع وسحر المعنى
    أداء جميل راق بحرفية الصياغة والتعبير.
    دام ألقك وإبداعك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4

    افتراضي

    الأديبتين الفاضلتين:،نادية محمد الجابي، و علياء محمود

    لكم أنحني امتنانًا لهذا الحضور النبيل، الذي لامس المعنى وأضاء الحرف.
    بين تأمل عبير العميق، وقراءتكِ يا نادية التي انسكب فيها الحسّ والشعر، شعرت أن النص قد قُرئ بقلبين يعرفان كيف يحتضنان الكلمة ويمنحانها بعدًا إنسانيًا جميلاً.

    شكرًا لكما على هذا المرور الغني، الذي لم يكن مجرد تعليق، بل مرافقة روحية للنصّ.
    دمتما للضوء رفيقتين، وللإبداع داعمتين.

    ولكم مني أزكى تحية، وسلامي لكل من في الواحة.

المواضيع المتشابهه

  1. لإيلاف ظلٍّ.. صبا عن عيوني
    بواسطة محمد نعمان الحكيمي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 18-12-2013, 07:13 PM
  2. تعال خذ مني عيوني
    بواسطة بن ناشي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 26-11-2011, 11:22 PM
  3. شريان عيوني
    بواسطة د. عبدالله حسين كراز في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 25-06-2007, 12:53 AM
  4. كيف تغفو عيوني؟!
    بواسطة مرآة النفس في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 09-04-2007, 10:51 AM
  5. في عيوني أنت أبدا..
    بواسطة سامر هشام سكيك في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 21-08-2003, 12:10 AM