لا أعرف هل الكتابة في هذا الموضوع جيدة أم لا لأن أبانواس قد تاب وحسنت توتبته وكذلك هذا الموضوع يحتاج الى كلام كثير وذكر أمثلة ونماذج لكني سأختصر وأشير فقط .
أبو نواس المؤمن
قال أبوهفان أحد رواة أخبار أبي نواس: حدثني يوسف بن الداية: ان أبا نواس كان محافظا على صلاته إلا أن يسكر. وكان بقضي ما يفوته منها حين يفيق من سكره.
يوسف ابن الداية التي أرضعت المهدي كان من أصحاب أبي نواس.
قال أبوهفان:أخبرنا إبراهيم بن الخصيب بن عبد الحميد قال: شرب أبو نواس عند أبي يوما بحمص من شراب حسن فأكثر له الساقي من المزج فقال: ما وجدت منذ اليوم طعم الشراب، فقال أبي: اسقه صرفا يا غلام، فسقاه، ثم وجبت العشاء فصلينا وهو قاعد، ثم صلينا العشاء الآخرة وهو قاعد لم يصل، فقال له أبي: الصلاة يا أبا علي، فقال: ليس على السكران صلاة، ثم قال لأبي:
واستبعدت مصرا وما بعدت ... أرض يحل بها أبو نصر
ولقد وصلت بك الرجاء ولي ... مندوحة لو شئت عن مصر
ثم نام مكانه سكران، فلما كان جوف الليل قال: نفسي تحدثني أني تكلمت بعظيمة الليلة. فقلت: نعم قلت كذا وكذا ولم تصل، فقال: إنا لله، ادع لنا بماء فدعوت له فأسبغ الوضوء وصلى صلاة حسنة تامة ولم ينم باقي ليلته وجعل بستغفر الله ويدعو إلى لاصباح فلما أصبحنا حدثت ابي حديثه فقال: هذا أصلح من تماديه في الغي: فقال له أبي: إنك قلت البارحة كذا وكذا فقال بعد ما عاتبه أبي:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ... ذنوب على آثارهن ذنوب
واعتقد أيها القارئ أنك قد لاحظت أن في شعر أبي نواس كثير من شعر الزهد فأحد تفسيراته أن الرجل كان مؤمنا يذنب ويتوب .
المجتمع وشخصية أبي نواس
كان المجتمع العراقي في زمان أبي نواس مجتمعا مترفا تنتشر فيه مجالس الشرب واللهو والغناء وجلسات الشراب تحتاج الى الندماء وكان أفضل نديم هو أبونواس ومن هنا ندخل في شخصية أبي نواس وأهم صفة من صفاتها وهي الفكاهة والطرفة وكان ابونواس يحفظ الكثير جدا من نوادر الطرف وكان الشخص الذي يكون هذا مطلوبا دائما في مجالس الشراب في هذا المجتمع المترف وهذه نقطة مهمة جدا فقد قرات قديما ما يوضح أن الشخص الذي يحفظ النوادر من الطرف والشعر والروايات يكون شخصا مميزا ومفتخرا بالنوادر ومطلوبا في المجالس.
وكان أبو نواس ذكياً جدا لدرجة لاتتصور وسريع البديهة عنده لكل شيء طرفة ونادرة ومما يروى في هذا الشأن:
يحكى من سرعة بديهته أن ندماء الأمين اجتمعوا في مجلس خلاعة وفيهم أبو نواس، فخرج عليهم الأمين في زينته مخمورا والجواري يحملن سريره، فلما رآه أبو نواس قال: ((إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة)) فانظر إلى حسن انتزاعه ما أبرعه وأبدعه، وبديهته ما أسرعها، لقد جاوز شأو الاختراع في الانتزاع لأن أباه هرون الرشيد وعمه موسى وهو وارثهما.
أعتقد ان هذا ورد في طبقات الشعراء لابن المعتز.
يقول أبوهفان :دخل أبو نوّاس على يحيى بن خالد البرمكي فقال له يحيى أنشدني بعض ما قلت، فأنشده:
إني أنا الرجل الحكيم بطبعه ... ويزيد في عامي حكاية من حكى
أتتبع الظرفاء أكتب عنهمو ... كيما أحدث من أحب فيضحكا
...
وفي رواية لأبي هفان ورد هذا الكلام:
وطابت نفسه وارتاحت فذكر أبا نواس وظرفه وطيب محادثته، وأن عنده في كل شيء نادرة.
...
وفي رواية قال أبو هفان: حدثني سليمان بن أبي سهل قال:
سألت أبا نواس أن يجعل شربه عندي أياما متتابعة ضنانة ومنافسة على ما كان يفوتني منه.... .
أعتقد أنك لاحظت عزيزي القارئ الذي قلته لك عن المجتمع العراقي المترف في ذلك الوقت وبغداد هي من هي في ذلك الوقت وعن شخصية أبي نواس وحبه للفكاهة والطرفة وانه كان مكتبة للنوادر وأن الشخص الذي يحفظ كثير من النوادر الطريفة يكون مشهورا ومطلوبا للمنادمة ومفتخرا بنفسه وان الجارية اذا كانت تحفظ الشعر والنوادر يزيد ثمنها لأنها مطلوبة في هذا المجتمع المترف وكذلك إذا تجيد العزف والغناء وابونواس كما يظهر مما يروى أنه كان يبيع ويشتري في الجواري وكان يوهب من النخبة جواري وهذا كثير جدا وألئك الجواري كن ملكات جمال حتى أنهم سموا جارية قبيحة لشدة جمالها.
وقصة الجواري قصة في التاريخ العربي الإسلامي ليست كما يفهم البعض من أنها قهر وعدم حرية لا ليس كذلك بل إن الجواري كان لهن شأن وبعضهن صرن ملكات أي أم الخليفة.
والآن لندخل في الموضوع .
مايروى عن أبي نواس شيآن قصص وشعر وليس صحيحا أن كله ثابت بل بعضه لايصح وبعضه فيه تناقض وبعضه تفسير والكمقال يتحدث عن الذي له تفسير.
ذكر ابن المعتز أن ابانواس كان يموه بالغلمان في شعره عن جواري كان ينعشقهن.
أكاد أجزم أن هذا صحيح لأني وجدت في شعر أبي نواس قصائد كثيرة يقال أنها قيلت في غلام أو اكثر من ثقيف فكان أقول يعني مافي غلمان في العراق الا من هذه القبيلة هذا الأمر فيه شيء.
إنها الجارية جنان حب أبي نواس الخالد وحلم حياته كانت جارية لرجل من النخبة من قبيلة ثقيف يقول أبو نواس في قصيدة يقال أنه قالها في غلام اسمه أحمد من ثقيف:
حبك يا أحمد أضناني
ياقمرا في شخصِ إنسانِ
أحمد أم جنان ؟!
هذا ماقاله ابن المعتز عن تفسير هذا الأمر.
وأيضا وهذا الكلام من عندي وليس للعلماء أني تعجبت من أن هناك تطابق بين الروايات المنسوبة لأبي نواس وبين شعره في ديوانه بعض هذه الروايات فيها الشعر الذي في الديوان وبعض القصائد مكتوب قبلها مناسبة القصيدة لكن بعضها ليس كذلك فتساءلت:
هل قصائد أبي نواس تحولت الى قصص تروى عنه؟هل خياله تحول الى قصص؟
أبو نواس شاعر مطبوع يقول الشعر يرتجله ارتجالا ولاينقحه ولذلك قد يكون ماحكاه في شعره من قصص قد حدثت إذ أن كثير من قصائده مكتوبة بأسلوب قصصي فيه حبكة وأهم مايميزها كثرة الحوار فيه شبه كبير جدا بشعر عمر بن أبي ربيعة لكن نلاحظ الحبكة في الحوار في شعره:
لاحظ الفن
وَناهِدَةِ الثَديَينِ مِن خَدَمِ القَصرِ
سَبَتني بِحُسنِ الجيدِ وَالوَجهِ وَالنَحرِ
غُلامِيَّةٌ في زِيِّها بِرمَكِيَّةٌ
مُزَوَّقَةُ الأَصداغِ مَطمومَةُ الشَعرِ
كَلِفتُ بِما أَبصَرتُ مِن حُسنِ وَجهِها
زَماناً وَما حُبُّ الكَواعِبِ مِن أَمري
فَما زِلتُ بِالأَشعارِ في كُلِّ مَشهَدٍ
أُلَيِّنُها وَالشِعرُ مِن عُقَدِ السِحرِ
إِلى أَن أَجابَت لِلوِصالِ وَأَقبَلَت
عَلى غَيرِ ميعادٍ إِلَيَّ مَعَ العَصرِ
فَقُلتُ لَها أَهلاً وَدارَت كُؤوسُنا
بِمَشمولَةٍ كَالوَرسِ أَو شُعَلِ الجَمرِ
فَقالَت عَساها الخَمرُ إِنّي بَريئَةٌ
إِلى اللَهِ مِن وَصلِ الرِجالِ مَعَ الخَمرِ
فَقُلتُ اشرَبي إِن كانَ هَذا مُحَرَّماً
فَفي عُنُقي يا ريمُ وِزرُكِ مَع وِزري
لاحظ الحوار .
ولاحظ قول عمر بن أبي ربيعة:
وَناهِدَةِ الثَديَينِ قُلتُ لَها اِتَّكي
عَلى الرَملِ مِن جَبّانَةٍ لَم تُوَسَّدِ
فَقالَت عَلى اِسمِ اللَهِ أَمرُكَ طاعَةٌ
وَإِن كُنتُ قَد كُلِّفتُ ما لَم أُعَوَّدِ
فَما زِلتُ في لَيلٍ طَويلٍ مُلَثِّماً
لَذيذَ رُضابِ المِسكِ كَالمُتَشَهِّدِ
فَلَمّا دَنا الإِصباحُ قالَت فَضَحتَني
فَقُم غَيرَ مَطرودٍ وَإِن شِئتَ فَاِزدَدِ
لاحظ أن القصيدتين أسلوبهما واحد شعر المغامرات العاطفية القصصي وكلتاهما تستفتح بعبارة وناهدة الثديين وهذه الواو هي واو رِبَّ محذوفة وكلمة ناهدة مجرورة لفظا مرفوعة محلا تعرب مبتدأ مثل وليل كموج البحر ويستخدم الشعراء هذا الأسلوب لاستفتاح الكلام او الانتقال من موضوع الى موضوع.
وكان هذا الأسلوب الشعري بدأ بامرئ القيس ثم مر بمراحل عبر عمر بن أبي ربيعة وأبي نواس ونلاحظ انتشاره في زمن أبي نواس يقول صديق أبي نواس الشاعر المشهور صريع الغواني:
وَساحِرَةِ العَينَينِ لاتعرفُ السِحرا
تُواصِلُني سِرّاً وَتَقطَعُني جَهرا
أَبَت حَدَقُ الواشينَ أَن يَصفُوَ الهَوى
لَنا فَتَعاطَينا التَعَزِّيَ وَالصَبرا
وَكُنّا أَليفَي لَذَّةٍ شَملَ صَفوَةٍ
حَليفَي صَفاءٍ مانَخافُ لَهُ غَدرا
فَعُدنا كَغُصنَي أَيكَةٍ كُلَّما جَرَت
لَها الريحُ أَلقَت مِنهُما الوَرَقَ الخُضرا
وَزائِرَةٍ رُعتُ الكَرى بِلِقائِها
وَعادَيتُ فيها كَوكَبَ الصُبحِ وَالفَجرا
أَتَتني عَلى خَوفِ العُيونِ كَأَنَّها
خَذولٌ تُراعي النَبتَ مُشعَرَةً ذُعرا
افتتح القصيدة بواو رب .
وناهدة الثديين
وساحرة العينين
بينهما تشابه عجيب في استفتاح القصائد أقصد في المطالع والشعراء يعرفون ذلك لأن الشاعر لما يبدأ المطلع بواو رب وساحرة العينين هذا معناه أنه دخل في الموضوع مباشرة بدون تقديم ولا تهيأة .
وكما لاحظنا هذا الأسلوب أنه منتشر وفيه صنعة وخيال وفن ولذلك قد يكون خيال أبي نواس وفنه قد تحول الى قصص تروى عنه .
مما يشهد على ذلك قصص تكاد تكون أسطورية ولها قصائد محبوكة حبكا أسطوريا مثل قصة وقصيدة يقال فيها أن أبانواس يتنكر في هياة حمال في السوق وتمضي الأحداث في حبكة عجيبة .
وكذلك قصائد شعر الطيف في شعر أبي نواس لها قصص لكن صعب أن نصدقها لأن القصة تذكر ماقيل في القصيدة كماهو مثل القصة التي تقول أن جنان بلغها شيء لم يعجبها عن أبي نواس فزعلت منه وسبته فقال:
أَتاني عَنكِ سَبُّكِ لي فَسُبّي
أَلَيسَ جَرى بِفيكِ اِسمي فَحَسبي
وَقولي ما بَدا لَكِ أَن تَقولي
فَما ذا كُلُّهُ إِلّا لِحُبّي
قُصاراكِ الرُجوعُ إِلى وِصالي
فَما تَرجينَ مِن تَعذيبِ قَلبي
تَشابَهَتِ الظُنونُ عَلَيكِ عِندي
وَعِلمُ الغَيبِ فيها عِندَ رَبّي
ثم رأى أبونواس بعدها جنان في المنام وأنهما قد اصطلحا فقال شعرا:
إذا التقى في النوم طيفانا
عاد لنا الوصل كما كانا
يا قرة العين فما بالنا
نشقى ويلتذ خيالانا
لو شئت إذا أحسنت لي في الكرى
أتممت إحسانك يقظانا
يا عاشقين اصطلحا في الكرى
وأصبحا غضبى وغضبانا
كذلك الأحلام غدارة
وربما تصدق أحيانا
وتروى كذلك قصة لكن الذي زعل هو أبو نواس وليس جنان وكانت جنان تحاول أن تصالحه وهو يرفض وأنه رآها في النوم تحاول أن تصالحه فقال:
دَسَّت لَهُ طَيفَها كَيما تُصالِحُهُ
في النَومِ حينَ تَأَبّى الصُلحَ يَقظانا
فَلَم يَجِد عِندَ طَيفي طَيفُها فَرَحاً
وَلا رَثى لِتَشَكّيهِ وَلا لانا
حَسِبتُ أَنَّ خَيالي لا يَكونُ لِما
أَكونُ مِن أَجلِهِ غَضبانَ غَضبانا
جِنانُ لا تَسأَليني الصُلحَ مُسرِعَةً
فَلَم يَكُن هَيِّناً مِنكِ الَّذي كانا
ماهذا؟!
هل تحول خيال أبي نواس وشعر الطيف عنده الى قصص تروى؟!
هل كل قصص الطيف التي في جنان عند أبي نواس هي أحلام حقيقية؟!
ماسمعنا بمثل هذا قيل في شعر الطيف بل المعروف أنه كله خيال في خيال .
واليك عزيزي القارئ هذه القصة التي يقال فيها أن الخليفة محمد الأمين قال أنه سيقتل ابانواس إن شرب الخمر فصار أبونواس يذهب الى مجالس الشرب للمنادمة فقط ويرفض الشرب حتى حصلت هذه القصة:
أبو هفان قال: حدثني علي بن أبي خاصة قال:
دعاني أبو الخير فقلت له: من عندك؟ قال: أبو نواس، على أنه قد حظر على نفسه الشراب وفطمها عنه، ومغنية من أحسن البشر وجها وغناء مالها ببغداد شبيه ولا مدان، فصرت إليه فإذا أبو نواس قد جاء ومعه ذفافه العنسي صاحب خيل هارون الرشيد فتغدينا وقعدنا للشرب فقدمت أشربة لم أر مثلها صفاء ورقة فملت مع أبي الخير إلى أبي نواس فقلت له: إني لأحسب أن تكون ممن لا دنيا له ولا آخرة إنما كان ينبغي أن تفطم نفسك عن الشراب خوف الله تعالى واستدعاء لثوابه لا من خوف محمد، ويحك اشرب معنا ولا تجرع نفسك الفطام عن عادتها فإن ذلك أضر الأشياء بها فوالله لا اطلع على ذلك احد سوانا. فأبى واشمأز وقال: ليس إلى ذلك سبيل وأنشأ يقول:
أيها الرائحان باللوم لوما ... لا أذوق المدام إلا شيما
نالني بالملام فيها إمام ... لا أرى لي ملامه مستقيما
فاصرفاها إلى سواي فإني ... لست إلا على الحديث نديما
كثر حظي منها إذا هي دارت ... أن أراها أو أن أشم النسيما
فكأني وما أحسن منها ... قعدي يزين التحكيما
كل عن حمله السلاح إلى الحر. _ ب فأوصى المطيق أن لا يقيما
ثم قال: ومن محمد؟ ثم أراد أن يقول شيئا وأمسك فتركناه وأخرج أبو الخير الجارية التي عنده فطلعت علينا بوجه لم نر على حسن صورته وكمال بهجته وتمام اعتداله، فبقينا حيارى مبهوتين ننظر إليها تعجبا من براعتها فسلمت وجلست قريبا من أبي نواس فمازحته ساعة وداعبته وخرجت به من الجد إلى الهزل ثم أخذت العود فحركته فخلنا الصنوج والمعازف وجميع انواع الملاهي تقرع ثم إنها اندفعت بحلق كصوت المزمار رقة صوت وشجى نغمة فغنت صوتا اختلست به ألبابنا واستخفنا حتى تزاحفنا عن مواضعنا طربا وماج بعضنا في بعض حتى رأيت ركبة أبي نواس مع ركبتها ثم ثنت وثلتت ووضعت العود فعدنا إلى مواضعنا من المجلس وحثنا الكؤوس سرورا بها واستظرافا لها فقال أبو نواس:
وذات خد مورد ... موهية المتجرد
تأمل العين منها ... محاسنا ليس تنفد
فالحسن في كل جزء ... منها معا يتردد
فبعضه في انتهاء ... وبعضه يتولد
وكلما عدت طرفا ... يكون للعود أحمد
فاشرب على صوت ريم ... ريان غير مصرد
فقلنا: قد أمرتنا بالشراب على هذا الغناء أفلا تأمر نفسك؟ وقلت في نفسي: إن شرب أبو نواس يوما من الدهر ففي هذا اليوم، ثم قال هلا: يا مالكة الحسن، إن نشطت للترنم؟ قالت: إي والله وعزازة وحبا ثم تناولت العود فغنت:
إذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ... وإن لام في ذو الشنان وفندا
فصاح أبو نواس صيحة ارتج لها البيت ثم قال: احسنت والله، لعن الله من راقب محمدا، علي برطل ولو أن فيه ضرب العنق، فبادر كل واحد منا إلى رطل فناوله إياه فشرب رطلا ثم قال: آخر، فناولناه حتى شرب ثلاثة أرطال فلما شربها انكببنا عليه فقبلنا رأسه وقامت الجارية فقبلت رأسه فقال ونحن حوله:
اسقني واسقي ذفافة ... يا أبا الخير سلافة
واسق رأس اللهو والظر ... ف على عين العيافة
قهوة ذات اختيال ... سلمت من كل آفة
إن يكن غيري قلاها ... لرجاء أو مخافة
هاتها خمرا ودعنا ... من أحاديث خرافة
ضاع بل ذل الذي عن ... ف فيها يا ذفافة
مثل ما ذلت وضاعت ... بعد هارون الخلافة
ثم قال: اكتموا فإني شربت وعصيته وهجوته وإلا كان آخر العهد بيننا. قلنا: لن نحتاج إلى التأكيد علينا في ذلك، قال: أديروا أرطالكم وحثواها، فشربنا في يومنا ذلك ما لم أر أحدا شربه، سرورا بالجارية وشربه معنا.
توبة أبي نواس وخاتمته الحسنة
أبو هفان قال: حدثني محمد بن سعيد: أنه لقي أبا نواس قبل موته بجمعة وقد تأله وتقشف فقال له: يا أبا علي ما هذا إلى كم يكون الشذوذ عن الله والتهور في الضلالة؟ فقال: لا عدت والله في الضلالة ولا في معصية ما حملت عيني الماء وإن نفسي لتتقطع... .
رحم الله تعالى أبانواس وغفر له ونحن جميعا وجميع المسلمين.