لم يكن عشق مصر المستوطن في أعماق القلب يحتاج إلى رائعة من الروائع تلهب لواعجه مجدّدا، ولكنّك أخي أبا حسام أثرت في النفس "نَدَما" لم يسبق أن أحسست بمثله بعد لحظة من لحظات الاستمتاع والتحليق على جناح أبيات، تقرؤها القلوب قبل العيون، كلّما وجدت ما يعبّر عن صدق النبض في الصدور والسطور.. وهل تصحّ دون ذلك تسمية الشعر شعرا؟!
منشأ "الندم" هو التساؤل كيفَ غابت مصر عن الحروف -وما غابت يوما عن الخاطر- عن أبياتٍ عادت إلى ذاكرتي حين قرأت في رائعتك:
يَا خَيـرَ دَارٍ مِـنَ الدُّنْيَـا وَأَكْرَمَهَـا
وَمَوْطِنَ الغُرِّ مِنْ أَهْـلِ المُـرُوءَاتِ
قَضَيْتُ عُمْرِي إِلَـى دُنْيَـاكِ حِجَّتُـهُ
فَلا قَضَى اللهُ مِـنْ دُنْيَـاكِ حَاجَاتِـى
ولا أخفيك أّني وجدت في النفس شيئا، لا أحسبك إلاّ مدركه دون أن أفصح عنه. أمّا الأبيات التي ذكّرتني بها فهي:
تَفْديــكِ مَـكَّــةَ أَرْواحٌ وَأَفْـئِـدةٌ
لَمْ تَعْـرِفِ العِـزَّ إِلاّ عَبْـرَ عِزَّتِهـــا
وَحُبُّ طيبةَ مِنْ حُبِّ الرّسـولِ وَكَـمْ
أََرْجـو الشَّفاعَةَ مِنْ سـاجٍ بِرَوْضَتِهـا
وَالقُدْسُ جُرْحٌ جَـرَتْ أَدْماؤُهُ بِدَمـي
كَدِمـاءِ عَكَّـا عَلَى أَسْـوارِ قَلْعَتِهــا
وَالشَّـامُ كَالجَمْرَةِ الحَرَّى عَلى كَبِدي
تُؤَجِّـجُ الشَّـوقَ في عَيْني وَدَمْعَتِـها
تِلْـكَ الدِّيـارُ أُناجيـهـا وَأَذْكُـرُها
وَتوشِـكُ النَّفْسُ أَنْ تَفْنـى بِغُرْبَتِهــا
وَكُنْـتُ أَحْسَـبُ أَنَّ القَلْبَ مُمْتَلِــئٌ
فَلَيْسَ فيهِ مَكانٌ بَعْـدَ فُـرْقَتِــهــا
حَتَّى رَأَيْتُ بِعَمَّانَ الغَوالِـيَ فــــي
يَـوْمٍ رَمانـي بِسَـهْمٍ مِنْ مَحَبَّتِـهـا
يَوْمٌ أَبيـعُ بِـهِ الخَمْسِين مِنْ عُمُـري
وَكُلَّ ما كانَ في الدُّنْيـا وَمُتْـعَتِـهــا