*
ليتني أستطيع أن أقول لها كل ما أريده وجهًا لوجه وبدون أية وساطة ، لكنني مع الأسف لا أستطيع ، شجاعتي خطفها صراع طبقي لم أكن طرفًًا فيه مذ وعيت ، رغم أنه اتخذني عدوًا قبل أن أتنفس .
**
أردت أن أكلمها ذات يوم ضبابي ، لكن كلبها منعني من الاقتراب ، وحتى لا أظلمه فهو لم يكن وقحًا في تصرفه معي ، لكنه ألمح لي من خلال التلويح بذيله أن مكاني ليس هنا ، وأنني لن أستطيع أن أطعمه هو شخصيًا فيما لو فكر بزيارتها وهي عندي ، فكيف لو قدم معها للعيش معي ، احترمت رغبته وطموحاته ، و رأيت أن هذا مبررًا كافيًا لحفظ ماء الوجه والعودة من حيث أتيت ، وهو على أية حال أفضل من الاعتراف بحقيقة أن كلبها أقنعني بعد أن سمع أبيها وهو يعظها بضرورة الابتعاد عن عالم ليس لها ولم يكن لها يومًا ، فابتعدَتْ دون أن تنبس ببنت شفة .
ثمّ سرت في طريقي وضجيج الأسئلة فتت أعصابي ، لماذا غادرت ولماذا .. ولماذا ؟ ، لكنني التمست لها العذر ، فمضيت وأنا لا أعلم إلى أين ستكون وجهتي ، حاملًا بقايا جرحٍ عشش في القلب ، ولم يعد بإمكانه الرحيل .
***
أيها الوقت تحملني قليلًا ، فلست سوى عابر سبيل أدمى الفراق قلبه ..
****
وذات يوم رأيتها كانت تجلس وحيدة ، وكان قد مضى زمن مذ رأيتها لآخر مرة .
نظرت إليها محاولاً استرجاع ذكريات مضت ، كانت ملامحها قد تغيرت كثيرًا ، خطوط الطول والعرض فعلت فعلتها في هذا الوجه ، لم أقل شيئًا غير السلام عليكم ، ولم تزد هي عن ورحمة الله وبركاته, لكن ابتسامة حزينة خرجت من بين عيون بكت زمانها بحرقة ، فيما كانت يدها تحاول إخفاء تلك الخطوط اللئيمة .
مضيت في سبيلي ولسان حالي يقول وأنا أيضًا .
*****
أيها الحالمون : قليلًا من الصبر ، فما ضاع قد ضاع ، وما هو آتٍ سيأتي ، فتشبثوا بحلمكم ، و دعوا الحلم يعيش من جديد ، فها هو المركب ؛ كاد أن يصل لوجهته الأخيرة ..
******
ثمّ سرت في طريقي وأنا متعب ، لم أعد أحتمل بُعد المسافات ، وهذا الحلم قد أثقل كاهلي ، وحملتني الدنيا وأهلها ما لا أطيق ، فجلست لألملم بقاياي وأتفقد جروح استوحشت في تمزيقي ، كم كنت وحيدًا حين غاب القمر في تلك الليلة الحزيرانية الملامح ، والشتائية الأهداف ، يضربني صقيعها في باطن القلب ، وحرّها أذاب جليد صبري ، وأنا أئن تحت وقع سياط الفراق ، وحيدًا إلا من إرادتي التي كادت أن تنهار تحت وطأة الحاجة إلى بعض أمل يعيد للقلب بعض النبض ، كم حاولت أن أصمد كي أعيد رسم معالم طريقي الذي ضاعت ملامحه بين ثنايا ضباب غلف دروب هذا العمر الذي دنا من الرحيل ، وأحلامي تبعثرت على وقع أنين الذكريات التي أكلت بقايا صبري ؛ شوقًا ولهفةً للقاء أخير يجمعني بمن أحبهم .
*******
ذات يوم ، كنت أحلم ، وذات يوم ذهب الحلم بعيدًا ، لكنني لم أستسلم ، و جريت وراءه وبكل ما أوتيت من قوة ، لم يمنعني اليأس وقلة الحيلة ،ولم أكن لأعيش بدون أن أحلم ، فلقد رأيت بعد كل ما مرّ بي ، أن الحياة بدون الحلم موت ؛ ليس كأي موت ...
ماذا سيتبقى لنا إن لم نحلم ، وإن مات الحلم فينا ، وجاء الليل كموج بحر هائج ، حاملًا معه كل ذكريات الماضي ، وكل وعودنا التي قطعناها على أنفسنا ، أين ستذهب من نفسك ؟ ومتى ستنام ؛ وكيف سيطلع عليك نهار يوم جديد ؟




رد مع اقتباس





