المناورة الصوتية في(كلب شقيق العمدة)

3- كلب شقيق العمدة

(قصيدة للشاعر د. إكرامي قورة)

كلبُ شقيقِ العُمْدةِ ماتْ
فاكتظ الدوّارُ العُمَديُّ بأشرافِ الساداتْ
جاءوا زمراً
ليقدّم كلٌ تعزيتَهْ
وتبارى أربابُ الكلماتْ
قالوا : إنّ الكلبَ الراحلَ يفضل كلَّ كلابِ الحاراتْ
في كيفية هزّ الذيلْ
في فطنتهِ
في خفتهِ
في مشيتهِ
كانت تخرج منه الـ ( هَوْ)
ككلب ذواتْ !!
. . .
بعد زمانٍ غير بعيدٍ
كنتُ أسير بقرب الدوّار العمديّ
رأيتُ شقيقَ العمدةِ يبكي
يلمس ظهرَ النعشِ وحيداً
يدعو المارةَ في الطرقاتْ:-
من يحمل هذا النعشَ معي؟
من يحمل هذا النعشَ معي؟
فعلمتُ بأنّ العُمْدةَ ماتْ !!
قصيدة كلب شقيق العمدة

==============================
\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ \\\\\\\\\
==============================

القراءة: لأحمد حسن محمد

*1*
حرف الكاف في كلمة "كلب/(كلب شقيق العمدة مات) باب دوّار القصيدة العمدية. الباب الرئيسي الذي يدخل منه القارئ إلى الدوار ليرى مجموعة أخرى من الأبواب الكافية المشابهة للباب الكافيّ الكلبي الرئيسي. فيجد القارئ كلمة "اكتظ" التي تساعد أذني القارئ وعينيه في استعادة نغمة كاف الكلب، محدثة اتصالاً معنويًا ودلاليًا بخيوط الصوت. والكاف الكلبية تبدأ جملة تخبر عن حدث ذهاب الكلب الراحل، وهي كاف مفتوحة، والفتحة في سهولة النطق لها ما لها من المرور عليها بسلام ودون كلام. بينما كاف"اكتظ" الساكنة تنقل إحساسًا بالتوقف عن المرور، التوقف الذي ينشأ عن صدمة! الصدمة الكافية في أن ذهاب (كــ)ـلب، يتسبَّب في حضور أشراف السادات با(كـ)ـتظاظ.
وبين الاتصال الصوتي والدلالي بين الكافين (كلب/ اكتظ) وبين السهولة في فتح الكاف (لأن حدث موت الكلب أمر لا قيمة له) والصدمة التي أوجبت السكون في كاف (اكتظ) ، وبين "الشين الانتشارية المتفشية الصوت في (أشراف/ أشراف السادات) والشين في كلمة (عشرة) في المثل الشعبي (راح كلب وجا عشرة) تتفتح بؤر الرؤية الإبداعية في أن يقول القارئ بينه وبين نفسه: " مات الكلب وجاء عشرة ! أقصد اكتظ بالسادة دوارُ العمدة..".. وهذه عادة ملازمة للشاعر الذي يلمِّح ويكنّي في جمل صريحة جدًا..
*2*
(كلب / شقيق/ العمدة) (أشراف/السادات): إضافات متتابعة، ولكن الإرهاق الذي يجده القارئ بسبب الإضافات المتتابعة في مكان آخر لا يجده في (كلب شقيق العمدة)، ربما يكون ذلك في نظر الباحث بحكم اعتياده على ذلك المعنى في البيئة المصرية سينمائيًا وواقعًا اجتماعيًا. فالمجتمع ما زال يحمل في جعبته مثله الشعبي القائل (أصلع ويزهو بشعر بنت أخته)، وهو مثال رمزي بسيط، يقترب منه أمثلة أقسى وأقسى في انهيار الحقوق على أيدي الوساطات الفعالة في البلد.
*3*
والمشهد الثالث في تلك الافتتاحية، هو مشهد التشديد والإدغام في السطر الثاني؛ حيث يزيد عدد الحروف المشددة –بالمقارنة مع أول سطور القصيدة- مما يحولها لظاهرة ينبغي الانتباه لها. اكتـ"ظّ" الدّ"وّ"ار العمديّ.. في حين كانت الجملة الأولى خالية من هذه التشديدات. وفي ذلك من التفسير الإبداعي ما يغني: الكلب مات.. وما المشكلة؟ إنه أمر عاديّ وتافه أن يموت كلب, بسيط جدًا خال من أية مشكلة، ويجب ألا نقف عنده. والشاعر لم يقف عند حادثة موت الكلب. فابتعد عن تشديد حروفه في إعلان الخبر "كلب شقيق العمدة ماتْ".
ولكن المشكلة تبدأ في الظهور منذ سكّن الشاعر حرف الكاف، وبدأ الكلام يثقل في فمه، فراح يرتكب ظاهرة الإدغام والتشديد في السطر الثاني، ناقلاً الجو الإنساني الثقيل في عزاء أشراف السادات في موت كلب شقيق العمدة.
ولم يكتفِ الشاعر بمشهد عزاء عابر، وإنما كانت شين "أشراف/ عشرة" الحريصة على الانتشار في أرجاء الدوار معبّرة عن انتشار المعزين لدرجة الاكتظاظ في الدوار.
*4*
كانت تخرج منه الـ ( هَوْ)
ككلب ذواتْ !!
حرف الكاف ( كـــ)ـكلب يحمل قصيدة أخرى من قصائد الشاعر د. إكرامي المكتوبة في قصيدته الحالية، فكلب شقيق العمدة (الرمز يحمل الصورة الدنيوية لصاحبه) لَمْ يَرْقَ إلى أن يكون كلب ذوات فعلاً، ومن ثَمَّ لم يكن العمدة صاحب الأصل الرفيع، لكنه شخص عادي جدًا؛ فإن كلبه ككلب ذوات.. وليس كلب ذوات.

استمر سيدي الفاضل فالحديث شيق جداوماتع ..

أشكرك أخي الكريم، وسوف نلتقي في حلقات نقدية أخرى بإذن الله، أما اللمحة التي أردت إبرازها في شعر د. إكرامي فقد اكتملت..

تحيتي واحترامي