صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: إعراب المنقوص من صيغ منتهى الجموع

  1. #1
    الصورة الرمزية سعيد بنعياد
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : تطوان (المغرب)
    العمر : 57
    المشاركات : 187
    المواضيع : 15
    الردود : 187
    المعدل اليومي : 0.03
    من مواضيعي

      افتراضي إعراب المنقوص من صيغ منتهى الجموع

      إعْرابُ المَنْقُوصِ مِنْ صِيَغٍ مُنْتَهَى الجُمُوعِ

      بسم الله الرحمن الرحيم

      والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .

      يقول أفقر العبيد إلى مولاه ، سعيد بنعياد ، لطف الله به :

      -1-

      هذا سؤال نَحويٌّ يُحيّر كثيرا من معاصرينا :

      اكتب ما بين الهلالين كتابة صحيحة مع الشكل :

      * هذه (قوافي) جميلةٌ .

      * قرأتُ (قوافي) جميلةً .

      * يا لها مِنْ (قوافي) جميلةٍ !

      ولقد اطّلعتُ على نقاش حادّ في الموضوع ، جرى منذ ثلاث سنوات في بعض المنتديات ، أبى فيه بعض المتناقشين الاقتناع بما ساقته الدكتورة الفاضلة هند باخشوين من نصوص صريحة لعلمائنا القدامى في هذا الشأن ، مدّعين أنها مبنيّة على أقوال لا يقبلها المنطق ولا تؤيدها الشواهد .

      وقد راعني هذا الأمر ، فقمتُ – على قلّة بضاعتي – بالرد هناك على عجل ، ثم أحببتُ نقل خُلاصة للموضوع هنا مع شيء من التنقيح .

      -2-
      الأصل في الأسماء : أن تُرفع بضمة ظاهرة ، وتُنصبَ بفتحة ظاهرة ، وتُجَرَّ بكسرة ظاهرة ، ويلحقَها في الحالات الثلاث تنوينُ الصَّرْفِ إذا جُرِّدت مِن (أل) ومن الإضافة .

      لنأخذ كلمة (الكِتاب) على سبيل المثال :
      * يُقال عند اقترانها بـ (أل) : (هذا الكِتابُ مُفيدٌ) (قرأتُ الكِتابَ المُفيدَ) (اطّلعتُ على الكِتابِ المُفيدِ) .
      * وعند إضافتها : (هذا كِتابُ النحو) (قرأتُ كِتابَ النحو) (اطّلعتُ على كِتابِ النحو) .
      * وعند تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة : (هذا كِتابٌ مُفيدٌ) (قرأتُ كِتابًا مُفيدًا) (اطّلعتُ على كتابٍ مُفيدٍ) .

      ولكن ثمة حالات خاصة معروفة ، نكتفي منها هنا باثنتين : الأسماء المنقوصة ، والأسماء الممنوعة من الصرف .

      -3-

      أما الأسماءالمنقوصة ، فهي المختومة بياءٍ مكسورٍ ما قبْلَها ، غيْرِ مُشدّدة .

      ومن أمثلتها : (القاضي) و(الداعي) و(المُنادي) و(المهتدي) و(المُوصِي) و(التَّلاقِي) و(التَّنادي) ونحو ذلك .

      وحكمها : استثقال ظهور الضمة والكسرة على آخرها (أي : على الياء) ، وإمكانية ظهور الفتحة وحدها :

      لنأخذ كلمة (القاضي) على سبيل المثال :

      * يقال عند اقترانها بـ (أل) :
      - (جاء القاضي العادلُ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
      - (رأيتُ القاضيَ العادلَ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
      - (سلّمتُ على القاضي العادلِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .
      * وعند إضافتها :
      - (جاء قاضي المحكمةِ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
      - (رأيتُ قاضيَ المحكمةِ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
      - (سلّمتُ على قاضي المحكمةِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .
      * وعند تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة :
      - (جاء قاضٍ عادلٌ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة .
      - (رأيتُ قاضيًا عادلاً) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
      - (سلّمتُ على قاضٍ عادلٍ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة .

      وبَيانُ حذف الياء في الرفع والجرّ هنا : أن الكلمة كان ينبغي أن تُلفظ هكذا [قَاضٍينْ] ، بإسكان الياء لاستثقال ظهور الضمة والكسرة عليها ؛ فالتقى ساكنان (الياء والتنوين) ، فحُذف أوّلُهما (الياء) ، فصارت تُلفظ [قَاضِنْ] ، وتُكتب (قاضٍ) .

      -4-

      وأما الأسماء الممنوعة من الصرف ، فهي أسماء لا تقبل التنوين ولا الكسر ، في حالة تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة ، وتُجَرُّ بالفتحة نيابة عن الكسرة .

      وأنواع الأسماء الممنوعة من الصرف مذكورة بتفصيل في كتب النحو المختصة .

      ومن الأسماء الممنوعة من الصرف : صِيَغُ منتهى الجموع ، وهي كل صيغة جمع على وزن (مَفاعِل) أو (مَفاعيل) أو ما شابههما ، كـ(أَفاعِل) و(أَفاعيل) و(تَفاعِل) و(تَفاعِيل) و(فَعائِل) ونحو ذلك .

      ومن أمثلة ذلك : (مَساجِد) و(صَوامِع) و(شعائر) و(مَحاريب) و(عَصافير) و(أساطير) ونحو ذلك .

      لنأخذ كلمة (المساجد) على سبيل المثال :
      * يقال عند اقترانها بـ (أل) : (هذه المَساجِدُ عتيقةٌ) (رأيتُ المَساجِدَ العتيقةَ) (مررتُ بالمَساجِدِ العتيقةِ) .
      * وعند إضافتها : (هذه مَساجِدُ المدينةِ) (رأيتُ مَساجِدَ المدينةِ) (مررتُ بـمَساجِدِ المدينةِ) .
      * وعند تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة :
      - (هذه مَساجِدُ عتيقةٌ) : مرفوعة بالضمة الظاهرة ، ولا يُنوّن .
      - (رأيتُ مَساجِدَ عتيقةً) : منصوبة بالفتحة الظاهرة ، ولا يُنوّن .
      - (مررتُ بـمَساجِدَ عتيقةٍ) : مجرورة بالفتحة النائبة عن الكسرة ، ولا يُنوَّن .

      ونكرّر القول هنا : إن نيابة الفتحة عن الكسرة إنما يكون في حالة تجرُّد الاسم من (أل) ومن الإضافة ، كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ) [المؤمنون : 17] . أما في حالة اقترانه بـ(أل) أو إضافته ، فيكُون الجرُّ بكسرة ظاهرة ، كما في قوله تعالى : (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عََاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة : 187] ، وقوله : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ) [البقرة : 185] .

      -5-

      والمشكلة المطروحة الآن : ماذا لو اجتمع الأمْران معا ؟ أي : ماذا لو كانت الكلمة منقوصةً ، وكانت في الوقت نفسه من صِيَغ منتهى الجموع ؟

      من أمثلة ذلك : (القَوَافي) (والمَراعِي) و(الجَواري) و(الأماني [إذا لم تُشدد ياؤها]) و(الليالي) ونحو ذلك .

      لنأخذ كلمة (القوافي) على سبيل المثال :

      *لا إشكال في حال اقترانها بـ (أل) :
      - (هذه القوافي جميلةٌ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
      - (أحببتُ القوافيَ الجميلةَ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
      - (أُعجِبْتُ بالقوافي الجميلةِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .

      * ولا إشكال في حال إضافتها :
      - (قوافي القصيدةِ جميلةٌ) : مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء .
      - (أحببتُ قوافيَ القصيدةِ) : منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .
      - (أُعجِبْتُ بقوافي القصيدةِ) : مجرورة بالكسرة المقدرة على الياء .

      * وإنما الإشكال في حال تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة ، كما في السؤال المطروح في بداية الموضوع .

      -6-

      فما حُكم صِيَغ منتهى الجموع المنقوصة ، في حال تجرُّدها من (أل) ومن الإضافة ؟

      نواصل تمثيلنا بكلمة (القوافي) :

      * أما عند النصب ، فلا مشكلة في ظهور الفتحة على الياء من غير تنوين ، لا بالنظر إلى كون الاسم منقوصا ، ولا بالنظر إلى منعه من الصرف .

      نقول : (قرأتُ قَوَافِيَ جميلةً) ؛ منصوبة بالفتحة الظاهرة على الياء .

      ومن الشواهد القرآنية على ذلك :
      - قولُه تعالى : (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) [سبأ : 18] .
      - وقولُه : (كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الزُّمَر : 23] .
      - وقولُه : (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ) [المرسلات : 27] .

      * وأما عند الرفع ، فكونُ الاسم منقوصا يقتضي عدم ظهور الضمة على يائه ، وكونُه ممنوعا من الصرف يقتضي عدم تنوينِه تنوينَ صَرْفٍ .

      وهذا يعني أن الأصل يقتضي القول : (هذه قَوَافِي جميلةٌ) . غيْرَ أن العرب استثقلوا بقاء الياء ساكنة هكذا ، فأبدلوها تنوينا ، هُوَ في الحقيقةِ تنوينُ عِوَضٍ ، لا تَنوينُ صَرْفٍ ، فصارت : (قَوَافٍ) .

      نقول : (هذه قَوَافٍ جميلةٌ) ؛ مرفوعة بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة المعوّض عنها بالتنوين .

      ومن ذلك قولُه تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ . وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأعراف : 41] .

      * وأما عند الجرّ ، فهُنا المشكلة الكبرى ؛ فكونُ الاسم منقوصا يقتضي عدم ظهور الكسرة على يائه ، وكونُه ممنوعا من الصرف يقتضي جَرَّهُ بالفتحة نِيابةً عن الكسرةِ وعدمَ تنوينِه تنوينَ صَرْفٍ .

      ولكن الفتحة هنا مجرّد نائبة عن الكسرة . ومن المقرر في العُرف والمنطق أن سُلطة النائب لا تفوق سُلطة المَنُوب عنه . والكسرةُ في حالتنا لا سُلطة لها على الياء ، فكذلك نائبتُها الفتحة .

      ولهذا كان العرب يقدّرون هذه الفتحة على الياء ، ثم يستثقلون بقاء الياء ساكنة ، فيُبدلونها تنوينا ، هُوَ في الحقيقةِ تنوينُ عِوَضٍ ، لا تَنوينُ صَرْفٍ ، فتصير (قَوَافٍ) . وقيل : إن التنوين هنا عِوَضٌ عن الفتحة .

      نقول : (يا لها مِنْ قَوَافٍ جميلةٍ) ؛ مجرورة بفتحةٍ نائبةٍ عن الكسرة ، مُقدَّرةٍ على الياء المحذوفة المعوّضِ عنها بالتنوين .


      (يُتبع)


    • #2
      الصورة الرمزية سعيد بنعياد
      شاعر
      تاريخ التسجيل : Aug 2008
      الدولة : تطوان (المغرب)
      العمر : 57
      المشاركات : 187
      المواضيع : 15
      الردود : 187
      المعدل اليومي : 0.03
      من مواضيعي

        افتراضي

        (تتمّة)

        -7-


        فإن قيل : كيف تُنوَّن الكلمةُ في حالة الجرّ ، وهي غيرُ مُنصرِفةٍ ؟

        قلنا : هو تنوينُ عِوَضٍ ، لا تنوينُ صَرْفٍ . ثم إن الكلمة تُنوَّنُ في حالة الرفع أيضا ؛ فمَن أنكر تنوينَها في الجرّ ، بحُجة الاستناد إلى ما يحسبه (منطقا نحويا !) ، لَزِمَهُ إنكارُ تنوينِها في الرفع أيضا .

        -8-

        فإن قيل : هل من نصوص للعلماء في ذلك ؟

        قلنا : يكفينا قولُ ابن مالك في ألفيّته :

        وكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ (مَفاعِلا) *** أوِ (المَفاعِيلَ) بِمَنْعٍ كافِلا
        وذا اعْتِلالٍ مِنهُ كـ(الجَوَاري) *** رَفْعًا وجَرًّا أَجْرِهِ كـ(سَارِ)

        -9-

        فإن قيل : هذا قولٌ لا شواهد تُؤيّده .

        قلنا : هذا تسرُّعٌ في الحُكم ، وقول بلا علم .

        * فمن شواهد القرآن الكريم :
        - قوله تعالى : (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا] (مريم : 10] .
        - وقوله تعالى : (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا] (الحاقة : 7] .
        - وقولُه تعالى : (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ] (الفجر : 1-2] .

        * ومن شواهد حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) : (لَيْسَ فيما دُونَ خمسةِ أَوْسُقٍ من التَّمْرِ صدقةٌ ، وليْسَ فيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ من الإبل صدقةٌ ، وليس فيما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ من الوَرِقِ صدقةٌ) [متفق عليه] .

        * ومن شواهد أشعار العرب :

        - قولُ لُمَيْس بن سعد البارقي (صاحب حلف الفضول) :


        وناديتُ قومي بارِقًا لتُجِيبَني *** وكمْ دُون قوْمي مِنْ فَيَافٍ ومِن سُهْبِِ

        -وقولُ أبي حيّة :


        وأيْدي المَهاري في فَيَافٍ عريضةٍ *** هوابِطَ من أخرى تغلَّى وترتمي

        - وقولُ امرئ القيس :


        لَيَالٍ بذاتِ الطَّلْحِ عند مُحَجَّرٍ *** أحَبُّ إلينا مِنْ لَيَالٍ على أُقُرْ

        - وقولُ الفرزدق :


        وأقرَبُ الرّيفِ منهمْ سَيرُ مُنجَذِبٍ *** بالقَوْمِ سَبْعَ لَيَالٍ رِيفُهُمْ هَجَرُ

        - وقول كعب بن زهير :


        وبعْدَ لَيَالٍ قد خَلَوْنَ وأشهُرٍ *** على إثْرِ حَوْلٍ قد تجرَّمَ كاملِ

        -وقول نَهْشَل بن حَرِّيّ :


        بِرَجْمِ قَوَافٍ تُخرِجُ الخبْءَ في الصفا *** وتُنْزِلُ بَيْضاتِ الأَنُوقِ من الوَكْرِ

        -وقول عنترة :


        فدَعُوني مِن شُرْبِ كأسِ مُدامٍ *** مِن جَوَارٍ لهُنّ ظَرْفٌ وطِيبُ

        -وقول النابغة الذبياني :


        عهدْتُ بها سُعْدى ، وسُعْدى غريرةٌ *** عَرُوبٌ تَهادَى في جَوَارٍ خَرَائِدِ

        -وقول بشّار بن بُرْد :


        ومَلْعَبٍ لِجَوَارٍ ينتقدْن به *** وكُلُّ مُنتزَهٍ لِلَّهْوِ مُنتقَدُ

        -وقول أوس بن حَجَر :


        ومُعصَّبين على نَوَاجٍ سُدْتَهُم *** مثل القِسِِيِّ ضَوامرٍ بِرِحالِ

        - وقول الأعشى (يذكُر ناقته) :

        تَقْطَعُ الأمْعَزَ المُكوْكِبَ وَخْدًا *** بنَوَاجٍ سريعةِ الإيغالِ

        -10-

        فإن قيل : قد وقعت الياء مفتوحة في بيت الهُذَلي :


        أبِيتُ على مَعارِيَ واضحاتٍ *** بهنّ مُلَوَّبٌ كدَمِ العِباطِ

        وفي بيت الفرزدق :


        فلو كان عبدُ اللهِ مَوْلًى هَجوْتُهُ *** ولكنّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَوالِيَا

        وفي بيت الكُمَيْت :

        خَرِيعُ دَوَادِيَ في مَلْعَبٍ *** تَأزَّرُ طَوْرًا وتُلقي الإزارا

        قلنا : هذه أبياتٌ أتى بها الخليل بن أحمد ، فيما نقله عنه سيبويه في الكتاب [3/313-316] ، في معرض حديثه عن جواز تحريك الياء للضرورة الشعرية .

        وبالطبع ، يستثنى بيتُ الهذلي . فقد كان بإمكانه القول : (مَعارٍ) ، دُون أن ينكسر الوزن ؛ ولكنه آثر إتمام الوزن ، وتجنُّب الزحاف .

        ويُحتمل أن يكون فتحُ الياء لغة لبعض العرب .

        ولكن اللغة الفصيحة التي جاء بها القرآن الكريم هي المذكورة آنفا .

        وقد أورد الخليل بيتين آخرين ، حُرِّكت فيها الياء بالكسر ؛ وهذه ضرورة واضحة جليّة .


        ويتعلق الأمر بقول ابن قيس الرُّقَيّات :


        لا بارَكَ اللهُ في الغوانِيِ هَلْ *** يُصْبِحْنَ إلاّ لهُنَّ مُطَّلَبُ

        وقول جرير :

        فيَوْمًا يُوافِيني الهوَى غيْرَ ماضِيٍ ***ويومًا تَرى منهنَّ غُولاً تَغَوّّلُ

        -11-

        وبقي الحديث عما ذكره بعض المشاركين في النقاش المشار إليه في بداية الموضوع ، من أن يونس خالف الخليل في المسألة ، ورأى جرّ الأسماء المذكورة بالفتحة الظاهرة على الياء .

        فأقول : هذا مجرد وهم ، سرعان ما يتبيّن أمرُه عند تأمُّل كلام سيبويه من أوله إلى آخره .

        لنتأمل هذه المقتطفات من كلامه : (وسألتُ الخليل عن رجل يسمى بـ (قاض) ...) ، (وسألتُ الخليل عن رجل يسمى بِـ(جَوَارٍ) ...) ، (وسألته عن (قاضٍ) اسم امرأة) (وسألته عن رجل يسمَّى (أعْمَى) ، فقلت : كيف تصنع به إذا حقّرته ؟ فقال : أقول : (أُعَيْمٍ) ...) ، (وسألته عن رجل يسمَّى (يَرْمِي) أو (أرمي) ...) .

        ثم بعد هذا كله يقول : (وأمّا يونس ، فكان ينظر إلى كلّ شيء من هذا – إذا كان معرفةكيف حالُ نظيره من غير المعتلّ معرفةً . فإذا كان لا ينصرف [يقصد : لا يُنَوَّن] ، لم ينصرف . يقول : (هذا جَوَارِي قد جاء) و(مررتُ بِجَوِارِيَ قبْلُ ...) .

        فالكلام هنا كله – كما يبدو لكل ذي بصيرة – عن الأسماء المنقوصة بصفة عامّة ، إذا سُمِّيَ بها ؛ أي : عن أسماء العَلَم . وكلمة (مَعْرِفة) في كلام سيبويه هنا تعني اسم عَلَم .

        كيف ؟

        قد يكون استعمال أعلام منقوصة كهذه محدود الانتشار في عصر يونس والخليل ؛ ولكنه في عصرنا الحاضر واسع الانتشار . فنحن نسمي (شادي) و(فادي) و(رامي) و(مَغازي) و(أماني) و(معالي) ونحو ذلك . فكيف نُعامل هذه الأسماء ؟

        لو كان (شادي)اسما غير علَم ، لوجب القول : (جاءَ شادٍ جميلُ الصوتِ) (سمعتُ شادِيًا جميلَ الصوتِ (مررتُ بِشادٍ جميلِ الصوتِ) .

        لكن ، ماذا لو كان (شادي) وما شابهه علَما ؟

        أما في حالة النصب ، فنقول : (رأيتُ شادِيًا) إذا كان مذكرا ، و(رأيتُ شادِيَ) إذا افترضنا أنه مؤنث ، و(رأيتُ أمَانِيَ) مذكّرا كان أم مؤنثا .

        وأما في حالتي الرفع والجر ، فهنا موضع الخلاف بين الخليل ويونس :
        * فالخليل يرى بقاء الاسم على ما كان عليه قبل العلميّة : (شادٍ وأَمانٍ مِنْ أكثر التلاميذ اجتهادا) (مررتُ بِشادٍوأَمانٍ) ، مذكرين كانا أم مؤنثين .
        * ويونس يرى الإتيان بالياء ساكنة في الرفع ، وساكنة أو مفتوحة في الجرّ (بحسب انصراف الاسم وعدمه) : (شادي وأَماني مِنْ أكثر التلاميذ اجتهادا) للمذكّر والمؤنث ، (مررتُ بِشادي) للمذكّر ، (مررتُ بِشادِيَ) للمؤنث ، (مررتُ بأَمانِيَ) ، للمذكّر والمؤنث .

        فالخلاف بين الخليل ويونس منحصر في أسماء العَلَم ، وبالتحديد : في حالة رفعها أو جرّها .

        فقول يونس : (هذا جَوَارِي قد جاء) و(مررتُ بِجَوِارِيَ قبْلُ) لا يقصد به جمع (جارية) ، وإنما يقصد به رجُلا اسمه (جَوَارِي) ، بدليل (هذا) و(جاء) .

        وقد صرّح علماء النحو بما ذكرتُه ، من أن الخلاف بين الخليل ويونس منحصر في الأعلام المرفوعة والمجرورة .

        يقول السيوطي في (هَمْع الهوامع) [1/117-118] :

        (ولا يجوز في هذا النوع ظهور الفتحة على الياء في حالة الجر ، كما لا يجوز إظهار الكسرة التي الفتحةُ نائبةٌ عنها .

        وقيل : يجوز كما يجوز إظهارها حالة النصب ، لخفتها . وعليه قول الشاعر :


        ولكنّ عبْدَ اللَّهِ مَولْى مَوَاليا

        وقيل : يجوز في العَلَمِ دُونَ غيْرِه . وعليه يونس . واستدلّ بقوله :


        قد عَجبتْ مِنّي ومن يُعَيْلِيَا

        وأُجيبَ بأنه وما قبله ضرورةٌ ) .

        ويقول ابن جني في خصائصه (باب تركيب المذاهب) :


        (وكان أبو عثمان أيضا يرى رأي سيبويه ، في صرف نحو (جَوَارٍٍ) عَلَمًا وإجرائه بعد العلميّة على ما كان عليه قبلها ، فيقول في رجل أو امرأة اسمها (جَوَارٍ) أو (غَوَاشٍ) بالصرف في الرفع والجر على حاله قبل نقله ، ويونس لا يَصْرِفُ ذلك ونَحْوَهُ عَلَمًا ، ويُجْريه مجرى الصحيح في ترك الصرف) ‏.

        ثم إن الخليل يقول ، في مناقشته لرأي يونس : ( ... ولكانوا خُلَقاءَ أن ينصبوها في النكرة إذا كانت في موضع الجرّ ، فيقولوا : (مررتُبِجَوَارِيَ قبلُ) ...) .

        فالخليل يقول : لو صحّ كلام يونس ، لكان أحرى بالعرب أن يفتحوا الياء في (بِجَوارِيَ) في حالة كونها نكرة [يقصد : غير علم] ، أي : في حالة دلالتها على جمع (جارية) .

        وهذا يعني أن يونس نفسه يقول : (مررتُ بِجَوَارٍ قبلُ) ، في حالة دلالتها على جمع (جارية) ؛ إذ لا يُعقل أن يحتجَّ الخليلُ عليه بشيءٍ ، وهو يعلم أنه غيرُ مقتنع به أصلاً !

        -12-

        وعليه ، يكون جواب السؤال المطروح في أول الموضوع – على الأفصح - كالآتي :


        * هذه قَوَافٍ جميلةٌ .

        * قرأتُ قَوَافِيَ جميلةً .

        * يا لها مِنْ قَوَافٍ جميلةٍ !

        ***

        وصلى الله على سيدنا محمد
        وعلى آله وصحبه .

      • #3
        الصورة الرمزية حنان المغربية
        قلم مشارك
        تاريخ التسجيل : Jan 2009
        الدولة : موطني الاسلام
        المشاركات : 135
        المواضيع : 8
        الردود : 135
        المعدل اليومي : 0.02
        من مواضيعي

          افتراضي

          بارك الله فيك اخي على الموضوع المهم

          بالتوفيق ان شاء الله

          ساستمر بمتابعة درسك الهادف
          نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

        • #4
          الصورة الرمزية سعيد بنعياد
          شاعر
          تاريخ التسجيل : Aug 2008
          الدولة : تطوان (المغرب)
          العمر : 57
          المشاركات : 187
          المواضيع : 15
          الردود : 187
          المعدل اليومي : 0.03
          من مواضيعي

            افتراضي

            اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان المغربية مشاهدة المشاركة
            بارك الله فيك اخي على الموضوع المهم

            بالتوفيق ان شاء الله

            ساستمر بمتابعة درسك الهادف
            لك خالص شكري وتقديري ،
            يا أستاذة حنان ،
            على كلماتك الطيبة .

            بارك الله فيك ،
            ووفقك إلى كل خير .

            تحياتي وتقديري .

          • #5
            الصورة الرمزية فريد البيدق
            أديب ولغوي
            تاريخ التسجيل : Nov 2007
            الدولة : مصر
            المشاركات : 2,698
            المواضيع : 1052
            الردود : 2698
            المعدل اليومي : 0.41
            من مواضيعي

              افتراضي

              تميز وعمق أخي الحبيب سعيد!
              إلى التثبيت دفعا وتقديرا!
              احرص على أن تنادي أشياء حياتك الإيمان وشريعة الله تعالى!

            • #6
              الصورة الرمزية سعيد بنعياد
              شاعر
              تاريخ التسجيل : Aug 2008
              الدولة : تطوان (المغرب)
              العمر : 57
              المشاركات : 187
              المواضيع : 15
              الردود : 187
              المعدل اليومي : 0.03
              من مواضيعي

                افتراضي

                اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فريد البيدق مشاهدة المشاركة
                تميز وعمق أخي الحبيب سعيد!
                إلى التثبيت دفعا وتقديرا!


                لك خالص شكري ،
                أخي العزيز فريدًا ،
                على مرورك الجميل ،
                وتعليقك النبيل .

                بارك الله فيك ،
                ووفقك إلى كل خير .

                تحيتي وتقديري .

              • #7
                الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ
                أديب
                تاريخ التسجيل : Jun 2010
                الدولة : دمشق - سورية
                العمر : 39
                المشاركات : 1,631
                المواضيع : 234
                الردود : 1631
                المعدل اليومي : 0.29
                من مواضيعي

                  افتراضي

                  كلام على غاية من العلمية ..... تؤيده الشواهد و المنطق كذلك .... وهذا ما جعلني أتساءل لم لم يقبل هؤلاء بدعوى تلك الدكتورة في المنتدى الذي ذكرته !!!!!!
                  الأدب شريعة ربانية لا يصلح لها إلا المصطفون من أرباب القلوب

                • #8
                  الصورة الرمزية عبد الله راتب نفاخ
                  أديب
                  تاريخ التسجيل : Jun 2010
                  الدولة : دمشق - سورية
                  العمر : 39
                  المشاركات : 1,631
                  المواضيع : 234
                  الردود : 1631
                  المعدل اليومي : 0.29
                  من مواضيعي

                    افتراضي

                    أرى من المناسب في أيامنا هذه الأخذ برأي يونس في أسماء العلم تمييزاً لها من النكرات ، فيكون للمسمى باسم منقوص غير ما يكون للموصوف به .

                    و حياك الله و سلمك أستاذي

                  • #9
                    الصورة الرمزية سعيد بنعياد
                    شاعر
                    تاريخ التسجيل : Aug 2008
                    الدولة : تطوان (المغرب)
                    العمر : 57
                    المشاركات : 187
                    المواضيع : 15
                    الردود : 187
                    المعدل اليومي : 0.03
                    من مواضيعي

                      افتراضي

                      اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله راتب نفاخ مشاهدة المشاركة
                      كلام على غاية من العلمية ..... تؤيده الشواهد و المنطق كذلك .... وهذا ما جعلني أتساءل لم لم يقبل هؤلاء بدعوى تلك الدكتورة في المنتدى الذي ذكرته !!!!!!
                      لك خالص شكري ،
                      أخي الأستاذ عبد الله راتب نفاخ ،
                      على مرورك الجميل .

                      بارك الله فيك ،
                      وأظلك بظله يوم لا ظل إلا ظله .

                      تحيتي وتقديري .

                    • #10
                      الصورة الرمزية سعيد بنعياد
                      شاعر
                      تاريخ التسجيل : Aug 2008
                      الدولة : تطوان (المغرب)
                      العمر : 57
                      المشاركات : 187
                      المواضيع : 15
                      الردود : 187
                      المعدل اليومي : 0.03
                      من مواضيعي

                        افتراضي

                        اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله راتب نفاخ مشاهدة المشاركة
                        أرى من المناسب في أيامنا هذه الأخذ برأي يونس في أسماء العلم تمييزاً لها من النكرات ، فيكون للمسمى باسم منقوص غير ما يكون للموصوف به .

                        و حياك الله و سلمك أستاذي
                        وأنا أجنح إلى مثل رأيك ،
                        أخي الكريم .

                        فرأي يونس في عصرنا
                        أنسَبُ وأيسَرُ .

                        بارك الله فيك .

                      صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

                      المواضيع المتشابهه

                      1. إعراب الفاتحة .. من "إعراب القرآن الكريم" قاسم حميدان دعاس
                        بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
                        مشاركات: 0
                        آخر مشاركة: 11-05-2011, 11:02 PM
                      2. إعراب سورة الكوثر .. من "إعراب القرآن وبيانه" للدكتور درويش
                        بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
                        مشاركات: 2
                        آخر مشاركة: 11-01-2011, 08:03 PM
                      3. هل يجوز أن يكون إعراب ما بعد ( سوى ) هو نفسه إعراب ما بعد ( إلا ) ؟!
                        بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
                        مشاركات: 11
                        آخر مشاركة: 09-05-2010, 04:21 PM
                      4. الاسم المنقوص
                        بواسطة أنس الحجّار في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
                        مشاركات: 6
                        آخر مشاركة: 02-03-2006, 08:59 AM