ما قصدت الانتحار عندما تناولت جرعة زائدة من المخدرات ، الانتحار كفر باعتقادي ، وما نقع فيه من أخطاء نستسيغها من باب التعويد الذي أُكرهنا عليه..
صحوت ويد الطبيب على جسدي تمارس الفحص الروتيني.. أغمضت عيني.. فسألني عن السبب فقلت: أرى وجها متعفنا.. وضعت يدي على وجهي وباعدت بين أصابعي فرأيت الممرضة تبتسم بهدوء الدقائق الشرسة، التي تلتهم العقارب بنشاط، تلذذ، وتكتكة!..
ابتسم الطبيب بعد أن سحب نفسا طويلا وقال مداعبا: يا لك من طفلة بكل معنى الكلمة.. متمردة حتى على نفسها.. لم ألتفت له .. رفعت يدي من على وجهي بعد أن بدأ في الخارج إطلاق رصاص كثيف.. خرج الطبيب مهرولا وحالة من الإرباك أصابت المشفى كأنها هزة أرضيه.. نهضت لأعرف ما حدث.. ولا إلى أين.. الممر ممتلئ برجال ونساء مذعورين.. هذا طفل مضرج بالدماء ، إلى جانبه طفل آخر يبكي يستصرخه للنهوض!.. قادني الذهول حتى اقتربت من رجل مصاب بقدمه.. سألته: ماذا يحدث ومن أطلق عليك الرصاص؟..
- هل لديك ماء؟ أريد ماء.. قال بصوت متهدج يضج بالألم.. نظرت حولي ونظر إلي بدهشة: لماذا أنت هنا؟..
- أنا مدمنة.. ونحن نصنف أفيونيين من نوع آخر.. صمت هو وبدأ عقلي في الداخل يثرثر: هناك من لا يحب هذا البلد ولا مواطنيه ويرى في خيانته مكسبا!..
الحب سيد الاستبداد والخيانة حرف ناقص في عدد زائد.. نحن نحتاج أن نمتلك الجهل الخالي من النواقص حتى نتربع على قمة المعرفة.. لا الاستعباد!؟..
فأوباما الإفريقي بالكره أصبح رئيسا للغرب.. وبالحب يحصد الشرق!..
لم يختر العربي أن يكون بمؤخرة الترتيب العالمي للإنسانية .. ولا يوجد من هو سعيد برتبة المؤخرة المتحكم فيها، المفحوصة، المجربة، المراقبة، المزروعة بالفوضى والقابلة للتفجير بعبارة منطلقة من فم له رائحة الكوابيس في لعبة الأحلام المزعجة .. عالم لا يتركنا نتنفس غير الإخفاق ،الخزي، والإهانة .. وحدها الأحلام تعرف كيف تنام بنا..

ابتعدت قليلا.. يا الله.. طفلة أمعاؤها في الخارج!.. أرعبني منظر الدماء!..
ارتفعت أصوات تخرج من مكبرات.. تطالب بخروج أحد الرجال.. رصاص يطلق لم أتمكن من تحديد مصدره.. عدت لغرفتي فوجدت على السرير امرأة مصابة بالاختناق .. وقفت.. شعور بالضياع يلفني من كل اتجاه.. المصابون في كل مكان.. أزيز الرصاص يصم الآذان.. وحين أردت الهرب والمغادرة وجدت الأبواب مغلقة..
في الداخل تكبير وفي الخارج تهديد عبر مكبرات الصوت.. يصرخ أحدهم : العرب العارية لا يتورعون عن استرضاء الكلاب ، لترتاح شياطينهم التي تعمل على قدم وفخذ من أجل العودة لعصر الجواري والعبيد!. لا يستحق الحرية غير الشعب الذي يسحق الظلم..
بعد لحظات كان عشرات الجنود المدججين بأفتك الأسلحة يقتحمون المشفى بطريقة عنيفة أصابت الكل بالشرود..
اقتادني اثنان إلى غرفة وعلى سرير الكشف الطبي جرداني من الثياب.. باعدا بين فخذيَّ، ثبت أحدهما ذراعيَّ ووقف الآخر أسفل السرير ، فتح ذراعيه وقال وهو ينظر: ابن الصباح!؟..
دخل رجل ثالث يحمل جمجمة طفل.. وضعها فوق بطني و أخرج سيفا فصرخت بأعلى صوتي..
وكلما انتهى أحدهم تمتم: قداس!.. فيرد آخر: أسود!..
انصرفوا وهم يقهقهون: يقظة، شمس، حرية من تحت الظلام بلا رأس!..
استجمعت نفسي مع صوت انفجار شديد هز المكان.. الدخان وثعابين النيران تلتهم كل شيء.. انهار جزء كبير من هذا الطابق.. نداءات الاستغاثة من كل مكان.. حرارة الأنفاس أقل من سرعة الرماد!؟..
يا إلهي.. أنفاسي تعلو وتعلو حتى لكأنها ترتطم بالهواء ثم تسقط..
لمحت رجلا برداء أبيض يصور من بعيد!.. صرخت توقف ... توقف.. النسيان هناك في التحرير.. والجنون هنا.. تذكرت أني عارية!..
هرولت نحو السرير.. لكن المسافة إلى الشرشف الأبيض كانت على بعد شرف قد احترق