القصيدة الدمشقية

هذي دمشق وهذي الكأس والراحُ
إني أحبُّ وبعـض الحب ذباحُ
أنا الدمشقي لو شرحتمُ جسدي
لسال منه عناقـيد وتـفاح
ولـو فتحتم شراييني بمديتكم
سمعتمُ في دمي أصوات مـن راحوا
جراحة القلب تشفي بعض من عشقوا
ومـا لقلبي إذا أحببـت جراح
ألا تــزال بخـيـر دار فـاطمةٍ ؟
فالنهد مستنفر والكحـل صداح
إن النبيـذ هنا نار معـطـرة
فهل عيـون نسـاء الشـام أقـداح؟
مـآذن الشام تبكي إذ تعانقني
ولـلـمـآذن كـالأشـجـار أرواح
للياسميـن حقـوق فـي منازلـنـا
وقطة البيت تغفـو حيـث ترتـاح
طاحونة البن جـزء مـن طفولتنـا
فكيف ننسى وعطـر الهـال فـواح ؟
هذا مكان (أبـي المعتـز).. منتظـرٌ
ووجـه (فائـزة) حلـو ولـمـاح
هنا جذوري هنا قلبي هنـا لغتـي
فكيف أوضح هل في العشق إيضاح؟
كم من دمشقيـة باعـت أساورهـا
حتـى أغازلهـا والشعـر مفتـاح !
أتيت يا شجـر الصفصـاف معتـذرا
فهل تسامـح هيفـاء ووضـاح؟
خمسون عاما وأجزائـي مبعثـرةٌ
فوق المحيط وما في الأفق مصبـاح
تقاذفتنـي بحـار لا ضفـاف لـهـا
وطاردتنـي شياطيـن وأشـبـاح
أقاتل القبح في شعري وفـي أدبـي
حتـى يفتـح نــوار وقــداح
مـا للعروبـة تبـدو مثـل أرمـلـةٍ
أليس فـي كتـب التاريـخ أفـراح؟
والشعر ماذا سيبقى من أصالتـه؟
إذا تــولاه نـصـاب ومــداح
وكيف نكتب والأقفـال فـي فمنـا
وكـل ثانـيـة يأتـيـك سـفـاح ؟
حملت شعري على ظهـري فأتعبنـي
ماذا من الشعر يبقى حيـن يرتـاح؟


نزار قباني