ثورة المفجوعين
رمضان عمر

"بلغ السيل الزبى" عبارة حفظها عن ظهر قلب في سني الصبا .. وودعها غير آبه بها منذ زمن بعيد ... لكنه شد الرحال قبل يومين مع المتداعين في ثورة الفوضى الخلاقة لهدم خلافة الوهابيين الجدد ... وربما كان عليه ان يؤم جماهير المندفعين خلف سراب الفجيعة بحثا عن لقمة غمست بذل الحاجة كما يشتهي طمعه وجشعه ،فما عاد يرغب بغير ماء السكينة ، وخبز المهانة .. فانعم بذلك وأكرم ، فما قيمة الحرية والصمود والبذل والتضحية مع الموت الزؤام والجوع الكاسر.
كانت أحلامه المفجوعة بغياب الراتب المسكوب على عتبات التحرر والصمود تلاحق شياطينه الثائرة وتحفزها على الانقضاض الفوري واشعال الفتيل الممتد على قارعة السياسة من مدريد الى هدريم ..
- من سيقرع الجرس ... فما زلت أسخطهم على ريشة وقلم ... واعجلهم الى مطعم او مغنم ..فان عاتبك أحد رحلت الى بيارات الهلمة او حانات تل ابيب.. حيث مراتعك الوردية على الشواطئ الراقصة عندما قامرتك شهوة المراهقة ، فسرت مع قطارات الانس .... فرايت ما لا عين رات ولا اذن سمعت ... وها هي رياح التغيير تهب من جديد .. فلتسرج شهوتك كما تعودت من ذي قبل .. ولتحمل معولك الخشبي الذي تركه لك اجدادك . في سني القحط والبلادة ... كوثيقة تواصل تراثي في سجلات الذاكرة الممتدة من كنعان الى قيام الساعة.
خذ معولك وسر به حيث شئت ؛ فما عادت له وظيفة ،، غير وظيفة الهدم الخلاقة ... فالأرض المجدبة القاحلة تحولت ... في العهد الجديد الى حدائق ملائكية يسرح فيها المستحيل ويغرد على غصونها اللامعقول .. فلتقرع باب المستحل ... ولتسكب كل فلسفات الولاء والبراء والقيم والكرامة في حانات اللذة المشبوحة على جدار الفضيلة
- لاركبن طبقا عن طبق ، ولانسفن افقا عن شفق... هكذا حدث نفسه... وكادت فلتات لسانه ان تبدى بما اراد .. ليصرخ باعلى صوته : كفرت بما امنتم به ايها الصابرون...
تسلل صوت خافت متقطع من شقوق باب غرفة النوم شبه الموصدة ، ورسى على سمعه بعد ان اذن له بولوج صيوان الأذن ، اعاره شيئا مما يستحق دون أ ن يوقف حركة التفكير النشط في ذاكرته المشتعلة ، فارخى له ما ارخى دون ارادة ملزمة ، فعبرت شذرات الرحيق المختوم المصفى بعد ان فاحت رائحة المسك المسكوب على جسد اخاذ يتثنى في رقة ملائكية اشعلت نارا فوق ناره الملتهبة ، وعصفت ببعض ما اختزلته الذاكرة المتشرذمة في شرودها الشياطني النكد .... وبالكاد راى بعض ظلالات الرسم الملائكي على شفاه تترنح في عتمة الليل كطرفي فراشة ... تستعد لبوح سريري عميق ... فأرسلت من بين الاحداق سهام الغزو العاطفي ... ليضيء بريقها الاخاذ سماء كانت قد ملئت وحشة ورعونة فانبلج شيء من صباح الحقيقة .. وتجلت على صفحة النسيم المتسلل من عبق النشوة العاطفية لحظة انس وادعة كادت الزفرات – معها - ان تفقد بعض ما بنته ذاكرة اليأس المتلبدة على صفحات الفجيعة.
- همست في خفر"" هون عليك .. يا عامر ......
- شعر بارتعاشة غريبة تهز كيانه المتصلب في سرير الهزيمة ... تلمس الانامل البيضاء المتوجة بحمرة المناقير فزادت ارتعاشاته عنفوانا وصخبا ، نظر الى الافق الممتد عبر فضاء غرفته الضيقة فاذا بشبح الظلام ينسل شيئا فشيئا ساحبا معه تراكمات الياس والقنوط ، خاف على عزيمته التي شحذها في معمعان التمرد الثوري .. تحرك بضعة امتار اشعل نور الغرفة ، فجمدت ثورات الانتعاش المتتابع في هزيع الليل الاخير ...
- -لمياء،، بصوت اجش
- - الم اقل لك .. لا اريد ان ارى احدا
- -احدا ... انا .. انا يا عامر
اشعل سيجارة كان يمررها على طرف اذنه .. تراجع بضع خطوات استدار وترك ظهره يرسس معالم الهزيمة .. فتح ابواب النافذة.
مازلت جاهلة .. مسكينة .. مسكينة يا لمياء طيبتك ورقتك حرمتك كل معالم التامل "
- صبرنا ، وها انت ترين بام عينيك .. ستة اشهر بلا قطر اومطر
" يحلوا عنا- فليرحلوا " لم اعد قادرا على استيعاب هذا الجنون الذي يسمونه صيرا والتخلف الذي يدعونه صمودا ,,
- قلت انك لا تحب السياسة . ولا يهمك امرها
- لكن هذه هي الحقيقة .
"في الماضي كانت الحكومة تسرق والشعب يأكل أما ألان يموت الشعب والحكومة تتاجر بالشعارات .حاولت ان تسرق بعض شذرات النور الذي رسم تاريخ العلاقة بينهما .. غمزت له بعين لعوبة ذابلة واطلقت العنان لضحكة عابثة وبصوت شيطاني طروب : عامر توكل على الله ... عامر الا تذكر هذا اليوم عيد زواجنا
عبثت كلماتها الجامحة بوجدانه الشارد اشعل سيجارة ثانية زادت حركته الدائرية قرر فتح النافذة ثانية اغلقها ثم فتحها
السياسة
الراتب ما ذنبنا نحن يا لمياء؟
نريد ان نعيش
- بكرامة.
- بكرامة!!! زمن أين تأتي الكرامة
- -من صمودنا ووعينا يا عامر
- - لمياء انأ لا أحب الهزيمة أنت تحاصرينني
- - ممتاز هذه هي اذا لم لا تقبل الهزيمة مني انا يا عامر انا وجدانك وروحك قلبك وعقلك .. وتقبلها من عدوك .. نعم يا عامر هذه هي القضية إما أن نكون أو لا نكون.

-