أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17

الموضوع: العلمانية

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 141
    المواضيع : 29
    الردود : 141
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي العلمانية

    العلمانية


    العلمانية اتجاه – وإن كان متوافقا مع الظروف و الطبائع الغربية ، فإنه – بغير شك – قد قصد بنقله إلى العالم الإسلامى مقاصد خبيثة تستهدف صرف المسلمين عن الدين و حصر الحياة فى الدنيا مع عدم الاهتمام بالآخرة على أنها هى حياتنا الدنيا نموت فيها و نحيا .
    و فى البداية الغربية للمصطلح كان المعنى هو انتصار العلم على الكنيسة التى كانت فى عصور ما تسيطر على كل مقدرات الناس – دينيا و اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا –
    تقول دائرة المعارف البريطانية في تعريف كلمة:Secularity :هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا فقط، وذلك للانتقال بالناس من العصور الوسطى حيث كانت الرغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر.
    وفي معجم ويبستر الشهير: العلمانية: " رؤية للحياة أو أي أمر محدد يعتمد أساساً على أنه يجب استبعاد الدين وكل الاعتبارات الدينية وتجاهلها", ومن ثم فهي نظام أخلاقي اجتماعي يعتمد على قانون يقول: " بأن المستويات الأخلاقية والسلوكيات الاجتماعية يجب أن تحدد من خلال الرجوع إلى الحياة المعاشة والرفاهية الاجتماعية دون الرجوع إلى الدين"
    و يقول معجم (Brewer's Dictionary ) عن كلمة : Secularism : هو الاسم الذى ابتكره حوالى سنة 1851 George Jacob Holyoake المتوفى سنة 1906 لنظام أخلاقى مؤسس على الأخلاق الطبيعية فى مقابل تلك القائمة على أصول دينية .
    لقد استخدم مصطلح "Secular" (سيكولار) لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا - الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوربا - عام 1648م، وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيرًا إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية.
    وقد اتسع المجال الدلالي للكلمة على يد جون هوليوك (1817-1906م) ( و هو بريطانى ملحد )الذي عرف العلمانية بأنها: "الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض".
    تطبيقا لهذه النظرية فإننا نجد أن الولايات المتحدة ـ مثلا ـ تمنع تدريس المواد الدينية في مدارسها العامة لتعارض تدريس تلك المواد مع الدستور الأمريكي العلماني الداعي لفصل الدين عن الدولة.
    ويطلق الكثير من معارضي العلمانية وخاصّة المتدينون لقب "الكفّار" على العلمانيين لمناداتهم بنظام إداري علماني بينما يصّر بعض العلمانيين على أنهم مسلمون أو مسيحيون لبّاً وقالباً في كنائسهم ومساجدهم ولكن ليس في ردهات المحاكم وعند إقرار التشريعات أو إختيار حاكم للبلد.
    و لقد قام المثقفون العرب بترجمة الكلمة من اللغة الإنجليزية ( سيكولاريتي Secularity ) التى تعنى " لا دينية " أو " لا عقائدية "
    والعلمانية ليست مناسبة للإسلام لأن العلمانية نشأت في أوروبا بعدما ضيق القساوسة على العلماء فخرج هذا الفكر كردة فعل للتضييق بينما الإسلام لا يمنع العلم بل يدعو إليه قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)سورة فاطر.
    و فى العالم الاسلامى بدأت أولى التجارب لتطبيق العلمانية فى تركيا : ففى3 مارس 1924 م قام مصطفى كمال أتاتورك بعزل الشريعة الإسلامية عن الحكم والسياسة – فهل أدى ذلك إلى تحقيق الرفاهية و السعادة للشعب التركى ؟
    الملاحظ أنه على الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قد قدمت للإنسان كل وسائل الراحة وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئاً واحداً وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيداً من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق والاكتئاب، وذلك لأن السعادة والسكينة أمور تتعلق بالروح، والروح لا يشبعها إلا الإيمان بخالقها، والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} أي جعل الطمأنينة والوقار في قلوب المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما أطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيماناً مع إيمانهم.
    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"

    مصطفى سلام

  2. #2
    الصورة الرمزية بابيه أمال
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    الدولة : هناك.. حيث الفكر يستنشق معاني الحروف !!
    المشاركات : 3,048
    المواضيع : 308
    الردود : 3048
    المعدل اليومي : 0.44

    افتراضي



    سلام الله عليك أخي مصطفى سلام..

    العلمانية، أو بمعنى آخر أكثر واقعية في عالمنا العربي اليوم : "اللادينية في الحكم" أي مراعاة المصلحة الدنيوية فقط من دون حصرها بما جاء في دين الله من أحكام ومناهج قويمة ترتكز على أساس الإخلاص لله في القول والعمل، لم تعد تطبيقا محتكرا في أذهان الغرب فقط، بل حصل وأن تبنته الكثير من الدول العربية جهرا أو من وراء غطاء آخر اسمه الديمقراطية التي طلعت باسمة علينا بكل ما من شأنه سلب ما تبقى لهذه الأمة من رشد وحكمة.. ومدلولها الآن أوضح ما يكون في الحصار الذي ضرب على المجتمع المسلم بينه وبين دينه، بإبقاء الدين رهن ضمائر الأفراد في علاقتهم الخاصة بينهم وبين خالقهم من خلال ما يمكن أن يعبروا عنه في شعائرهم التعبدية وباقي المراسم الدينية أو الاحتفالية، وإبعاد هذا الدين عن كل المراسم السلطوية وما يجري فيها من قضايا وأحكام قد تسلب فيها الرقاب حتى بفتاوي لا تمت للدين الحق بصلة..
    ولإن أردنا احتساب المطبات التي أوقعت بأمة الإسلام في تهلكة لا تحسد عليها، نرى أن هذه اللادينية من أولها، والتي كانت سببا مباشرا في فصل الدين عن الدولة التي أصبحت كعود القش في محب الريح تتقاذفها الأمم الأخرى فيما بينها من كل جهة..
    كما أن هناك حقيقة أخرى تقول أن الكثير من أفراد الأمة العربية يشعرون هم أيضا بالانعزالية والضياع بعيدا عن هذا الدين الذي قوم به الله سبحانه الروح البشرية، وخصوصا الشباب منهم، والحال المتدهورة خير دليل.. نسأل الله اللطف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيما بقي لها على دنياها الفانية..

    جزاك الله خيرا على ما استفدته من معلومات هنا أخي..


    سنبقي أنفسا يا عز ترنو***** وترقب خيط فجرك في انبثاق
    فلـم نفقـد دعـاء بعد فينا***** يــخــبــرنا بـأن الخيــر باقــي

  3. #3
    الصورة الرمزية راضي الضميري
    أديب
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    المشاركات : 2,992
    المواضيع : 147
    الردود : 2992
    المعدل اليومي : 0.45

    افتراضي

    أعجبني هذا المقال الرائع أخي الكريم مصطفى سلام ، فهو موضوع يستحق أن نلتفت إليه بالدراسة والتحليل ، فلقد عانت الأمة وما زالت تعاني بسبب تغاضينا عن كشف الحقائق ومعرفة الأسباب التي ادت بنا إلى هذا الواقع المؤلم.
    ولقد قرأت مقالاً رائعًا يدور حول محور الفكر العلماني وتوجهاته عند أنصاره من ( العرب ) للكاتب سعيد بن ناصر الغامدي,وما جعلني أستشهد بهذا الكاتب هو قولك
    الملاحظ أنه على الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قد قدمت للإنسان كل وسائل الراحة وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئاً واحداً وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيداً من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق والاكتئاب، وذلك لأن السعادة والسكينة أمور تتعلق بالروح، والروح لا يشبعها إلا الإيمان بخالقها، والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} أي جعل الطمأنينة والوقار في قلوب المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما أطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيماناً مع إيمانهم.
    فإذا كان هذا الفكر قد فشل عند أصحابه فهل يظن أتباعه ومنظروه أنه سينجح عندنا.
    هذه أبرز النقاط التي يرى الكاتب أنها من أبرز ملامح و توجهات أتباع هذا الفكر ، أضعها باختصار أمام القارئ ، والتي أراها تثري هذا الموضوع القيم الذي طرحته .
    1- مواجهة التراث الإسلامي، إما برفضه بالكلية واعتباره من مخلفات عصور الظلام والانحطاط والتخلف –كما عند غلاة العلمانية-، أو بإعادة قراءته قراءة عصرية –كما يزعمون- لتوظيفه توظيفاً علمانياً من خلال تأويله على خلاف ما يقتضيه سياقه التاريخي من قواعد شرعية، ولغة عربية، وأعراف اجتماعية، ولم ينج من غاراتهم تلك حتى القرآن والسنة، إما بدعوى بشرية الوحي، أو بدعوى أنه نزل لجيل خاص أو لأمة خاصة، أو بدعوى أنه مبادئ أخلاقية عامة، أو مواعظ روحية لا شأن لها بتنظيم الحياة، ولا ببيان العلم وحقائقه .
    2- اتهام التاريخ الإسلامي بأنه تاريخ دموي استعماري عنصري غير حضاري، وتفسيره تفسيراً مادياً، بإسقاط نظريات تفسير التاريخ الغربية العلمانية على أحداثه، وقراءته قراءة انتقائية غير نزيهة ولا موضوعية، لتدعيم الرؤى والأفكار السوداء المسبقة حيال هذا التاريخ، وتجاهل ما فيه من صفحات مضيئة مشرقة، والخلط المتعمد بين الممارسة البشرية والنهج الإسلامي الرباني .
    3- السعي الدؤوب لإزالة أو زعزعة مصادر المعرفة والعلم الراسخة في وجدان المسلم، والمسيرة المؤطرة للفكر والفهم الإسلامي في تاريخه كله، من خلال استبعاد الوحي كمصدر للمعرفة والعلم، أو تهميشه –على الأقل- وجعله تابعاً لغيره من المصادر، كالعقل والحس.
    4- خلخلة القيم الخلقية الراسخة في المجتمع الإسلامي، والمسيرة للعلاقات الاجتماعية القائمة على معاني الأخوة والإيثار والطهر والعفاف وحفظ العهود وطلب الأجر وأحاسيس الجسد الواحد، واستبدال ذلك بقيم الصراع والاستغلال والنفع وأحاسيس قانون الغاب والافتراس، والتحلل، والإباحية من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية، والأعمال الأدبية والسينمائية والتلفزيونية.
    5- رفع مصطلح الحداثة كلافتة فلسفية اصطلاحية بديلة لشعار التوحيد، والحداثة كمصطلح فكري ذي دلالات محددة تقوم على مادية الحياة، وهدم القيم والثوابت، ونشر الانحلال والإباحية، وأنسنة الإله وتلويث المقدسات، وجعل ذلك إطاراً فكرياً للأعمال الأدبية، والدراسات الاجتماعية، مما أوقع الأمة في أسوأ صور التخريب الفكري الثقافي.
    6- استبعاد مقولة الغزو الفكري من ميادين الفكر والثقافة، واستبدالها بمقولة حوار الثقافات.
    7-- وصم الإسلام بالأصولية والتطرف وممارسة الإرهاب الفكري، عبر غوغائية ديماجوجية إعلامية غير شريفة، ولا أخلاقية، لتخويف الناس من الالتزام بالإسلام، والاستماع لدعاته.
    8- تمييع قضية الحل والحرمة في المعاملات والأخلاق، والفكر والسياسة، وإحلال مفهوم اللذة والمنفعة والربح المادي محلها، واستخدام هذه المفاهيم في تحليل المواقف والأحداث، ودراسة المشاريع والبرامج، أي فك الارتباط بين الدنيا والآخرة في وجدان وفكر وعقل الإنسان، ومن هنا ترى التخبط الواضح في كثير من جوانب الحياة الذي يعجب له من نور الله قلبه بالإيمان، ولكن أكثرهم لا يعلمون.
    9- دق طبول العولمة واعتبارها القدر المحتوم الذي لا مفر منه ولا خلاص إلا به، دون التمييز بين المقبول والمرفوض على مقتضى المعايير الشرعية، بل إنهم ليصرخون بأن أي شيء في حياتنا يجب أن يكون محل التساؤل، دون التفريق بين الثوابت والمتغيرات، مما يؤدي إلى تحويل بلاد الشرق إلى سوق استهلاكية لمنتجات الحضارة الغربية، والتوسل لذلك بذرائعية نفعية محضة لا يسيّرها غير أهواء الدنيا وشهواتها.
    10- الاستهزاء والسخرية والتشكيك في وجه أي محاولة لأسلمة بعض جوانب الحياة المختلفة المعاصرة في الاقتصاد والإعلام والقوانين، وإن مرروا هجومهم وحقدهم تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرياته، ونسوا أو تناسوا الشعوب التي تسحق وتدمر وتقتل وتغصب بعشرات الآلاف، دون أن نسمع صوتاً واحداً من هذه الأصوات النشاز يبكي لها ويدافع عنها، لا لشيء إلا أن الجهات التي تقوم بانتهاك تلك الحقوق، وتدمير تلك الشعوب أنظمة علمانية تدور في فلك المصالح الغربية.
    11- الاهتمام الشديد والترويج الدائم للنظريات العلمانية الغربية في الاجتماع والأدب، وتقديم أصحابها في وسائل الإعلام، بل وفي الكليات والجامعات على أنهم رواد العلم، وأساطين الفكر وعظماء الأدب، وما أسماء: (دارون)و (فرويد), (دوركايم)و (أليوت وشتراوس وكانط) وغيرهم بخافية على المهتم بهذا الشأن، وحتى أن بعض هؤلاء قد تجاوزه علمانيو الغرب، ولكن صداه ما زال يتردد في عالم الأتباع في البلاد الإسلامية.
    أرجو أن تكون هذه المشاركة قد أثرت هذا الموضوع وأن لايكون اختصارنا لأفكار الكاتب قد شوهت المراد منها .
    تقبل تقديري واحترامي

  4. #4
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار
    مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,897
    المواضيع : 99
    الردود : 1897
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    تشكراتي للسيد مصطفى سلام على طرحه لموضوع العلمانية

    لعله يكون انطلاقة لمجموعة من المواضيع الحوارية

    لي عودة للموضوع
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  5. #5
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار
    مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,897
    المواضيع : 99
    الردود : 1897
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    المسيري: مؤامرة صمت تواجه إبداع الفكر الإسلامي
    العلمانيون العرب..متناقضون وجنتهم زائفة
    حذر المفكر المصري د.عبد الوهاب المسيري من طوفان ما يسميه بـ"العلمانية الشاملة" وطغيانه في حياة الإنسان العربي، مشيرا إلى أنها تشكل خطرا على ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهو ما يتطلب التصدي له بكافة الوسائل حتى نحافظ على وجودنا وهويتنا.
    وأكد د.المسيري أن الفكر الإسلامي في مرحلته الراهنة يشهد نضوجا وتطورا على مستويات التجديد والإبداع، والدليل ما يقدمه عدد كبير من المفكرين الإسلاميين في هذا الشأن، إلا أنه قال إن هذا لا يجد قبولا لدى العلمانيين ويتعاملون معه بالتجاهل، مبشرين الناس بجنة العلمانية المزعومة.
    جاء ذلك في مناقشته لكتابه "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة"، موضحا الفرق بينهما، وأنه لا يعارض ما يسميه بـ"العلمانية الجزئية"، ولكنه يتخوف من مدى تأثير العلمانية الشاملة على المجتمع العربي على عدة مستويات الاجتماعي والسياسي والإيماني.
    تناقضات العلمانيين العرب
    بدأ الدكتور المسيري الحديث قائلاً: ثمة تناقضا يحيط بـ "مصطلح العلمانية"، فبعض المعاجم تعرف "العلمانية" بأنها فصل الدين عن الدولة، وأخرى ترى أنها لتأكيد فصل الزمن والجمال عن الدين والمقدس، وهناك كتاب لـ"بيتر جراي" بعنوان "فرويد اليهودي الملحد"، يقول فيه إن العلمانية هي الإلحاد، ورأي آخر يرى أن العلمانية هي "عدم الاهتمام بالأمور النهائية".
    ويضيف: هناك تناقض كبير في تعريفات العلمانية لدى العلمانيين العرب، أمثال مراد وهبة وعزيز العظم وحسن صقر وفؤاد زكريا... إلخ، مراد وهبة يرى أن العلمانية: "هي الحديث عما هو نسبي"، أي أنه يؤمن بالنسبة. وعزيز العظم يتحدث عن أن العلمانية هي الضمير، ومحمد عابد الجابر يرى استبدال العلمانية بالعقلانية والديمقراطية، أما فؤاد زكريا وهو من أهم مفكري العلمانية فيرى أنها: "هيمنة القيم المادية"، في حين أن علمانية مصطفى كمال أتاتورك هي مرادف للتغريب والحداثة.
    ويؤكد د. المسيري ان العلمانية ظهرت في الغرب كمصطلح في القرن التاسع عشر رافعة شعار فصل الدين عن الدولة، ومشكلة هذا التعريف أنه جزئي لا يتحدث عن حياة الإنسان "الميلاد الزواج والموت"، ولا عن القيم التي ندير بها حياتنا، أي أنه مجرد إجراءات فنية خاصة بالدولة سياسية واقتصادية، ولكن عندما تطورت الدولة وأصبحت كيانا مؤسسيا تعليميا وإعلاميا... إلخ، فالإعلام المرئي والذي تمتلكه الدولة اخترق حياة الإنسان الخاصة، وبظهور قطاعات أخرى تهيمن عليها الدولة أصبحت تتحكم في حياة الإنسان، وأصبح التعريف القديم غير موضوعي.
    فصل الدين عن الدولة والحياة
    ويطرح د.المسيري رؤيته لـ"العلمانية الجزئية" بأنها تعني فصل الدين عن الدولة (إداريا وسياسيا واقتصاديا)، ويقول: أنا كمسلم لا أجد غضاضة في قبولي بـ"العلمانية الجزئية"، ورسول الله - صلي الله عليه وسلم - في واقعة "تأبير النخيل" نصح الصحابة بشيء، وما حدث هو خلاف ما نصحهم به، وعندما تحدثوا معه قال: "أنتم أعلم بشئون دنياكم".
    ويضيف المسيري: لا دين في الزراعة ولا دين في الإدارة، وكلها أمور قوانينها في النهاية فنية، وقد نقل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نظاما إداريا كاملا للدولة من الفرس "المجوس حينها"، وأنا كمفكر إسلامي لا أحب أن أرى شيوخا وقساوسة في وزارة الخارجية يتناقشون في موضوعات مثل استيراد السلاح أو الميزان التجاري... إلخ. ولكن تأتي أهمية الدين حينما نتكلم عن المرجعية النهائية للدولة، كالدستور مثلا والنظام الاجتماعي والقيم والأخلاق والحياة الاجتماعية.
    وينتقل المسيري إلى تعريف "العلمانية الشاملة" ويقول: إنها لا تعنى بفصل الدين عن الدولة فقط، ولكنها تفصل كل القيم والأخلاق والدين عن مجمل حياة الإنسان العامة والخاصة، وحينما يتم فصل القيم وتنحيتها يتحول العالم لمادة استهلاكية وتنزع عنه القداسة، وأنا أعرف العلمانية الشاملة بأنها "نزع القداسة عن الإنسان والطبيعة"، والدليل على ذلك في أزمة الرسوم المسيئة للرسول في الدنمارك، وأيضا مهاجمة المسيح في أوروبا، السبب أنهم لا يدركون "المقدس"، والأمر نفسه في قضية المدرسة الإنجليزية في السودان التي أسمت كلبها "محمدا"، السبب أنها لم تدرك "القداسة"، ولكنها قد تدرك الذاتية والفردية، في الغرب مثلا يطلقون الحرية للشواذ جنسيا حفاظا على حقوقهم الفردية ومشاعرهم.
    الإنسان قيمة استهلاكية
    يرى د.المسيري أن الإنسان في العلمانية الشاملة أصبح قيمة استهلاكية، منتج ومستهلك، والعجائز والشيوخ والمعاقين في ظل العلمانية الشاملة ليست لهم قيمة فعلية لأنهم يستهلكون كثيرا ولا ينتجون، وأحد مفكري الغرب قال إنه لو تم التخلص من كبار السن والأطفال والعجزة فسوف يتم توفير عدة أطنان من المربى والحليب سنويا. فالإنسان والطبيعة يتحولان لمادة استهلاكية، قيمة فتاة الإعلان العارية ليس لها مقياس إلا جسدها الذي هو مادة استهلاكية فقط، في أمريكا مثلا هناك برامج كثيرة تبعث على الاشمئزاز تظهر حقارة ودناءة الإنسان وتجعله مادة استهلاكية بحتة، وهنا كل الأمور تصبح نسبية ويتساوى العدل والظلم والجميل والقبيح والجيد مثل السيئ، كلمة (JUDGMENTAL) مثلا صارت كلمة سلبية ولا يمكن استعمالها للحكم على الأشياء (الخير - الحب - القرابة - التعاطف).
    ويؤكد المسيري أن "العلمانية الشاملة" بهذا المعنى هي "الداروينية"، وسنكتشف أيضا أن "الإمبريالية" الاستعمارية هي الوجه الآخر لها، حيث حولت العالم كله خاصة العالم الفقير إلى مادة استهلاكية للعالم الغربي صاحب القوة النووية والقوة التكنولوجية القادر على فرض رأيه ورؤيته.
    ويستطرد: الغرب يتحدث دائما عن العلمانية كثورة على فساد الكنيسة، وجعلنا نشعر أننا كدول عربية تعيش في نطاق العالم الثالث بعيدون عن تأثيرها، وهذا غير حقيقي لأن العلمانية الشاملة منظومة عالمية ضربت العالم غربه وشرقه، في العصور الوسطى كان هناك الاقتصاد الطبيعي ( تبادل السلع الاستهلاكية بقصد المنفعة، فالقمح للأكل مقابل القطن للكساء، الورق للكتابة مقابل العطور للتزين)، وعندما ظهر الاقتصاد الرأسمالي الذي هو انعكاس للعلمانية الشاملة أصبح هدفه الربح فقط، فظهرت المراعي في إنجلترا لإنتاج الصوف، ليس الهدف منها كسوة الإنسان ولكن الهدف "زيادة الربح".
    ويضيف المسيري: المطلق في ظل اقتصاد العلمانية الشاملة ليس قيمة "التبادل بقصد المنفعة والعيش"، ولكن المطلق هنا هو الاقتصاد، والدولة هي المطلق في علمنة القطاع السياسي، والحكم على الدولة في ظل هذا الوضع يقاس بمدى نجاحها في أهدافها السياسية العليا، كل شيء أصبح مرجعية ذاته.
    ويضرب مثالا على طغيان العلمانية الشاملة من الأدب قائلا: في العصر الرومانسي المعيار هو الخيال، وفي العقلانية المعيار هو العقل أما في العصر الحديث فالحكم على الجسد أصبح يتم بمعايير جسدية لا أخلاقية والجنس بمعايير جنسية لا قيمية ولا أخلاقية، وصار الدفاع عن الوطن والحروب ليس لأجل الأرض والعرض والدين، ولكن لأجل اغتنام حقل بترولي لزيادة الاستهلاك الغربي منه ونقص المخزون والاحتياطي العالمي وفتح سوق جديدة، وهو ما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق تحت شعارات زائفة كالديمقراطية والحفاظ على أمن العراق وحقوق المواطن العراقي

    عصر الجسد وفقدان القيم

    وأوضح د. المسيري انه على الرغم من أن الغرب هو أصل نشأة "العلمانية الشاملة" فإنها أصبحت مفهوما عالميا، فقد اكتسحت العالم بأسره شرقه وغربه، والغريب في الأمر أن العلمانيين العرب يسيرون وراء الوهم ويقولون إننا لا بد أن ندخل هذا النعيم (جنة العلمانية) متجاهلين الوجه المظلم القبيح لها الذي بلا شك يضر بالإنسان العربي والمسلم.
    ويضرب المسيري مثالا للوجه القبيح للعلمانية الشاملة بقوله: "الطعام مثلا في الإطار التقليدي الأسري هو نوع من أنواع التراحم والجلوس لتبادل العواطف وخلق مودة، لكن المجتمع الغربي العلماني اعتبر الطعام بالمعنى المادي الخالي من القيمة، اعتبر الأكل فقط وسيلة للحصول على الطاقة (ماكدونالد، كنتاكي)، وصار الأكل فقط شكلا استهلاكيا، وقديما كان الفقهاء المسلمون لا يقبلون شهادة الرجل الذي يمشي في الشارع وهو يأكل، وهذه قيمة إسلامية جيدة.
    ويضرب مثالا آخر قائلا: المرأة في ظل هذا الوضع لم تعد إنسانة ذات مشاعر وقيم وأحاسيس، بل أصبحت جسدا، سلعة تباع وتشترى وشكلا من أشكال الاستهلاك للإعلان (موديل جميلة بفستان قصير جدا تقف بجوار سيارة للإعلان عنها).
    ويضيف: في عام 1965 حصلت ثورة في عالم الأزياء وتغير رداء المرأة من الميدي جيب إلى الميني جيب إلى الميكروجيب، الجسد أصبح مرجعية ذاته، تعرية الجسد أصبحت هدفا في حد ذاتها بعيدا عن العرى من أجل الجنس، ففي الغرب حتى ثلاث سنوات فقط كان كشف بطن المرأة في غاية العيب، أما اليوم فالنساء في أنحاء العالم الغربي وفي القنوات الفضائية العربية يتبارين في تعرية بطونهن.كما أن ظهور الأسرة التي تقوم على فرد واحد (single family) يعد أحد تجليات العلمانية الشاملة.
    مثال آخر في مصر وهو انتشار الوظائف المهمشة، قديما كانت مضيفة الطيران أو الراقصة أو الفنانة مثلا تقول على استحياء إنها تعمل "مضيفة أو راقصة"، الآن كل بنات الطبقة الوسطى يتمنين أن يكن مضيفات وراقصات في الملاهي الليلية ويلبسن الميدي أو الميني جيب، وقد قدمت في كتابي تشريحا لتسعة وعشرين مثالا لتبدي ظاهرة العلمانية الشاملة في المجتمع الشرقي.
    الاختراق الأخلاقي
    وعن مشكلة العلمانية الشاملة يقول المسيري إنها سحبت الأشياء من عالم الإنسان، ثم سحبت الإنسان وألقته في عالم الأشياء، فالعلمانية الشاملة تهتم بالظاهر لا بالباطن، ومن هنا تهتم لا بقيمة الإنسان أو عاطفته بل بكم سيدفع، ويتم تفسير سلوك الإنسان من خلال الجنس والأنزيمات والأعصاب وليس من خلال تأثيره القيمي والأخلاقي.
    ويؤكد: مشكلة المسلمين أنهم تنبهوا للاختراق الأخلاقي ولم يتنبهوا للاختراق المعرفي، وهو ما يمكن أن نرصده في سلوكيات وتصرفات الناس وفي حياتهم اليومية، فأثناء إقامتي في السعودية سألت شابا عاش في ألمانيا 25 عاما عن رأيه في المصارعة الحرة، فقال: "الخطأ أنهم لا يرتدون الشورتات الشرعية". وإحدى المتسابقات في مسابقة ملكات الجمال كانت ترتدي البكيني قالت لها أمها وهي معها: "حينما تدخلين يا ابنتي ادخلي برجلك اليمنى واقرئي الفاتحة".
    ويفسر المسيري هذا التناقض بأنه يعبر عن الوقوع في فخ الاختراق المعرفي، وعن الأزمة المعرفية لدى قطاع كبير من المواطنين في عالمنا الإسلامي.
    الفكر الإسلامي ومؤامرة الصمت
    ويؤكد الدكتور المسيري أنه ليس ضد التحديث أو التقدم أو العلمانية الجزئية، ولكنه ضد أن يتحول العالم لمادة استهلاكية، مؤكدا أهمية أن يعاد تعريف التقدم والتحديث بالطريقة التي تتناسب مع طريقتنا وطاقتنا وإمكانياتنا، فلا بد من مراجعة كاملة لما حولنا، وهذا ما أطرحه في كتابي "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة".
    وينتقل الدكتور المسيري في معرض تشريحه الحالة الراهنة التي يمر بها الفكر الإسلامي قائلا: الخطاب الإسلامي لم يتطور بما فيه الكفاية إلا مؤخرا، وكانت الساحة خالية للعلمانيين، الفكر الإسلامي يشهد حالة من الإبداع والنضوج والتجديد، وهو ما يتمثل في كتابات عدد من المفكرين الإسلاميين الذين استطاعوا أن يخوضوا بكتاباتهم في كافة المسائل الحياتية، فلم يعد الفكر الإسلامي عاجزا عن التعاطي مع مشاكل الإنسان المعاصر، ولكن ما يحدث هو أن هناك تجاهلا لهذه الكتابات من قبل مفكري العلمانية، وهو ما أسميه "مؤامرة الصمت"، وهو نفس ما يحدث مع كتاباتي عن العلمانية، فلا يوجد واحد من العلمانيين يمكنه أن يفند كتاباتي أو يرد عليها، ولكن هو فقط يتجاهلها، وهذا أيضا ما حدث مع موسوعتي "اليهود واليهودية والصهيونية"؛ لأن الصهاينة واليهود لم يستطيعوا أن يردوا عليها؛ لأنها ستفتح عليهم أبواب جهنم، وما فعلوه معها هو التجاهل.
    وأنهي الدكتور المسيري حديثه مشيرا إلى أنه يجب ألا نقبل الأفكار الوافدة من الغرب على عواهنها، وإنما يجب إخضاعها للبحث والتفكيك بهدف إعادة البناء حسب الرؤية الإسلامية، وبالتالي إمكانية الدخول في حوار متكافئ مع الآخر، بحيث يكون لدينا موقف مختلف عن موقف الآخر وليس موقفا رافضا، وهو ما يمكن أن نسميه الإنسانية الإسلامية، أو الخطاب الإنساني ذا المرجعية الإسلامية.
    *************
    منقول عن اسلام اون لاين بتصرف

  6. #6
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي
    مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 58
    المشاركات : 12,624
    المواضيع : 378
    الردود : 12624
    المعدل اليومي : 1.75

    افتراضي

    لا يمكن ترجمة مصطلح العلمانية الغربي إلى فضاءنا الفكري لعدة أسباب

    1\
    نحن نؤمن بظاهرة الوحي المقدس الذي شرع لنا الله به النص الذي يحكم مفاصل حياتنا وآخرتنا .
    2\
    العلمانية يعني فصل الكنيسة وشروط الزامها عن السلطان والحكم وعندنا لايوجد لاهوت ملزم ولا كنيسة
    3\
    العلمانية ترتكز على قيم اصلاح الانسان بالطرق المادية دون التصدي لقضية الايمان بالقبول والرفض
    اما نحن فنؤمن ان الحجر الاساس في اصلاح الانسان هو التشبع بالايمان قبولاً ورفض كل ما يتعارض من قين الايمان وشرائطه
    4\
    العلمانية نجحت في فصل الضمير عن العقل مع العلم ان الحضارة الغربية ليست بلا مقدس العلمانية حولت الضمير المرتكز على المقدس إلى ضمير مادي بحت تحكمه البراغماتية النفعية .
    في الاسلام النفعية ليست مادية بل روحية بدليل أن المسلمين مكلفين بحماية المجتمع طوعاً لا كرهاً والجيش في الاسلام وجد لحماية المستضعفين ضد المستكبرين أينما كانوا وكيفما دانوا ..


    لايحضرني الكثير الكثير من النقاط .. ولكن اكتفي بهذه لغرض اثراء النقاش

    \

    بوركتم
    الإنسان : موقف

  7. #7
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الأخوة الأفاضل جميعًا ، السلام عليكم ..

    أستأذن الأخ العزيز \ مصطفى سلام ، والأخوة المشاركين الذين أثنوا على الموضوع دون تحفظ .!
    أستأذنكم بإبداء بعض الملاحظات ( تتخلل المقال - باللون الأزرق ) .!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى سلام مشاهدة المشاركة
    العلمانية
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى سلام مشاهدة المشاركة
    العلمانية اتجاه – وإن كان متوافقا مع الظروف و الطبائع الغربية ، فإنه – بغير شك – قد قصد بنقله إلى العالم الإسلامى مقاصد خبيثة تستهدف صرف المسلمين عن الدين و حصر الحياة فى الدنيا مع عدم الاهتمام بالآخرة على أنها هى حياتنا الدنيا نموت فيها و نحيا .
    أتساءل هنا .! من أين للأخ العزيز \ مصطفى سلام ، أن يقول أنه لا شك في هذا التحليل .؟

    أنا أجد أن السير باتجاه العلمانية ونقلها إلى عالمنا الإسلامي هو أمرٌ نابعٌ من واقعٍ مؤلمٍ عندنا كمسلمين .!
    ونابعٌ من أمر العلمانية الذي يفرض نفسه على الأرض ، واقعٌ أوجد للإنسان حقوقه وكيانه ووفر له مناخ الحرية الفكرية والإبداع العلمي وحرية المعتقد الديني ، وأوجد بيئة مناسبة للتعايش السلمي والتنافس الحر الهادئ بين الأديان والطوائف والأعراق المختلفة .! وذلك بشكلٍ عملي مُطبق على الأرض لا مجال للتشكيك في نجاحه ولا غموض في آلياته .! وقد أدى ذلك إلى نشوء حضارات إنسانية نشهدها اليوم ( وقد لجأ لها بعض أتباع الإسلام طلباً للحرية والحياة الكريمة - دون أن تُطالبهم العلمانية بالارتداد عن دينهم أو التهاون فيه .! فلماذا لا نذكر للعلمانية ما لها وما عليها .؟ ) .
    ...
    ...
    لقد استخدم مصطلح "Secular" (سيكولار) لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا - الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوربا - عام 1648م، وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيرًا إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية.
    إذا كان مصطلح العلمانية قد ظهر - وانتهت بظهوره عصور الظلام بأوربا - عصور الحروب الدينية .! فهل يُحسب ذلك للعلمانية أم يُحسب عليها .؟


    وقد اتسع المجال الدلالي للكلمة على يد جون هوليوك (1817-1906م) ( و هو بريطانى ملحد )الذي عرف العلمانية بأنها: "الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض". بغض النظر عن معتقد هذا المفكر االبريطاني .. ولكن ، أليس تعـريفه للعلمانية هنا يدل على فكر ناضج -يتفق مع الفطرة الإنسانية السوية المنصفة .!


    تطبيقا لهذه النظرية فإننا نجد أن الولايات المتحدة ـ مثلا ـ تمنع تدريس المواد الدينية في مدارسها العامة لتعارض تدريس تلك المواد مع الدستور الأمريكي العلماني الداعي لفصل الدين عن الدولة. ما يهمني هنا هو حال الإسلام والمسلمين .! هل لهم مساجدهم ويُمارسون طقوسهم بحرية أم لا .! هل يفرض عليهم القانون العلماني بأمريكا أن يتركوا الصلاة أو أن يقطعوا صلة الرحم أو أن لا يصوموا أو لا يذهبوا للحج ، أم هل يفرض عليهم شرب الخمر أو الزنا أو ... ؟


    ويطلق الكثير من معارضي العلمانية وخاصّة المتدينون لقب "الكفّار" على العلمانيين لمناداتهم بنظام إداري علماني بينما يصّر بعض العلمانيين على أنهم مسلمون أو مسيحيون لبّاً وقالباً في كنائسهم ومساجدهم ولكن ليس في ردهات المحاكم وعند إقرار التشريعات أو إختيار حاكم للبلد. هل توجدآلية أو طريقة إسلامية مفهومة متكاملة واضحة مُطبقة لدى المسلمين لاختيار الحاكم .؟ أم أننا نتجاهل الواقع السياسي الإسلامي الذي لم يُسجّل له التاريخ نجاحاً أو اتفاقاً على اختيار الحاكم - بعد الرسول صلى الله عليه وسلم - قط .! وأن كل ما هنالك هي انتقادات لكل ما هو غير إسلامي .! وتنظير وتبشير نظري شفهي بكل ما هو إسلامي - ولا شيء على الأرض .؟

    و لقد قام المثقفون العرب بترجمة الكلمة من اللغة الإنجليزية ( سيكولاريتي Secularity ) التى تعنى " لا دينية " أو " لا عقائدية " إذا كانت هذه هي ترجمة المثقفين العرب للكلمة .. فهذا تسييس للموضوع إلى حدٍّ ما .! لأن ترجمة هذه الكلمة - معلومة ومفهومة - وهي تعني الجانب الدنيوي المادي من الحياة - ولا تعني محاربة الجانب الديني الروحي - الذي تعتبره العلمانية شأنًا فردياً شخصياً بين الإنسان وربه .!
    ونحن كمسلمين نقول أن الإيمان مقره القلب ، وقد نعلم أن الإنسان مسلمٌ ظاهريًا - يُصلي ويشهد الشهادتين ويحج - أما حقيقة الإيمان وبقية الأركان والالتزام بالنواهي والأخلاق .. فكلها أمور شخصية فردية لا يُمكن إثباتها أو نفيها عن الإنسان - سواء أكان الحكم علمانياً أو دينيًا .!

    والعلمانية ليست مناسبة للإسلام لأن العلمانية نشأت في أوروبا بعدما ضيق القساوسة على العلماء فخرج هذا الفكر كردة فعل للتضييق بينما الإسلام لا يمنع العلم بل يدعو إليه قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)سورة فاطر. هنا توجد مقارنة في صورة مُغالطة فكرية كبيرة وخطيرة ( أرجو أن لا تكون مُتعمدة من الكاتب ) .. ذلك أن المقارنة هنا ليست موضوعية ولا منطقية .! حيث أنه يُقارن الإسلام بالقساوسة .! المقارنة يجب أن تكون بين الإسلام والمسيحية .. مثلاً .! فهل الديانة المسيحية تمنع العلم .!
    ويجب أن نقارن المسيحيين بالمسلمين .! فهل توجد حرية فكرية في ديار المسلمين .؟ .. هكذا تكون المقارنة صحيحة .. ديانة مقابل ديانة ، أو بشر مقابل بشر .!
    فنحن نؤمن بالكتب السماوية كلها ، ونعلم أنها من عند الله ، وأنها مُكملة لبعضها .! وعندما نقول أن الإسلام لا يمنع العلم .. فكأننا نقول أن المسيحية ( الإنجيل ) يمنع العلم .! وهذا غير صحيح .!


    و فى العالم الاسلامى بدأت أولى التجارب لتطبيق العلمانية فى تركيا : ففى3 مارس 1924 م قام مصطفى كمال أتاتورك بعزل الشريعة الإسلامية عن الحكم والسياسة – فهل أدى ذلك إلى تحقيق الرفاهية و السعادة للشعب التركى ؟
    نعم ، إنّ وضع المواطن والشعب والدولة والاقتصاد والعلم والحرية والاستقرار والقوة .. في تركيا .. هي أفضل من كل الدول العربية مجتمعة .!


    الملاحظ أنه على الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قد قدمت للإنسان كل وسائل الراحة وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئاً واحداً وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيداً من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق والاكتئاب، وذلك لأن السعادة والسكينة أمور تتعلق بالروح، والروح لا يشبعها إلا الإيمان بخالقها، والالتزام بأوامره واجتناب نواهيه؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} أي جعل الطمأنينة والوقار في قلوب المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما أطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيماناً مع إيمانهم. يجب أن نذكر هنا ، أن الحضارة العلمانية قد وفرت للإنسان مناخ التواصل مع العالم والانفتاح على كل الحضارات والثقافات والأديان ، وتركت له حرية اختيار المعتقد الديني لإشباع الجانب الروحي والإيماني .!
    ولو أن الحضارة العلمانية فرضت على أتباعها حكم الإعدام إن هم اتبعوا الإسلام .! لقلنا هذا هو الظلم والانحراف بعينه .! ولكن مع بالغ الأسف ، فقد ... .!

    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"

    مصطفى سلام


    تحياتي للجميع ..
    إذا سرَّكَ ألا يعود الحكيم لمجلسك .. فانصحه بفعلِ ما هو أعلم به منك !

  8. #8
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار
    مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,897
    المواضيع : 99
    الردود : 1897
    المعدل اليومي : 0.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوبكر سليمان الزوي مشاهدة المشاركة
    الأخوة الأفاضل جميعًا ، السلام عليكم ..

    أستأذن الأخ العزيز \ مصطفى سلام ، والأخوة المشاركين الذين أثنوا على الموضوع دون تحفظ .!
    أستأذنكم بإبداء بعض الملاحظات ( تتخلل المقال - باللون الأزرق ) .!



    تحياتي للجميع ..
    الإخوة المشاركين
    الأخ أبوبكر
    لا مست في ردك عدة إشكالات
    غير أني أود أن أناقشك فس بعض ما جاء في ردك
    عودة قريبة إن شاء المولى عز وجل

  9. #9
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    أخي عبد الصمد حسن زيبار ، عذراً لهذا الخلط الذي حصل ولا أدري سببه .!

    حيث إنني أردتُ الرد على مشاركتك باقتباس ، فظهر الرد باسمك ، فحذفت مشاركتي ، ولكن الذي حدث أنه حُذفت المشاركتان ..!

    وعلى كل حال فقد أعدتُ مشاركتك .

    أعتذر منك على ما حصل ، وأنا بانتظار ملاحظاتك على مشاركتي السابقة .!

    تحياتي ..


  10. #10
    الصورة الرمزية محمد المختار زادني
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : المملكة المغربية
    المشاركات : 1,230
    المواضيع : 143
    الردود : 1230
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    إخوتي الكرام
    السلام عليكم
    أرى ان هذا الموضوع قد وقع في ظرف مكاني وآخر زماني كانا في مطابقة النعت للمنعوت، وقد انصرف الأخ أبوبكر سليمان إلى طرْقِ الإشكال من الوجهة الأصحّ - في نظري - فقال ما يدل على أننا أمام مصطلح يجسد منهاجا حياتيا سلكه البشر منذ مايزيد على قرنين من الزمن ويجب أن نوفيه إثر المناقشة بما له وما عليه ولا يحسن بنا الاندفاع الأعمى وراء وهم المسرح السائد في المناقشات السطحية ...
    ووجهة نظري لا تختلف عما تفضل به من سبقني بل إني أركّز على المصطلح نفسه؛ حيث إن ما يقابل لفظة العلمانية تكون "الجهلانية " وليس الدين ول هو التديُّن. وقد يقول قائل إن المصطلح لا يهمنا في شيء ما دمنا نناقش أثر الظاهرة وليس بما سميت به ! وأودّ أن أذكّر إخوتي بأن إطلاق المصطلحات وترجماتها لم يكن اعتباطا بل كان محل دراسات عديدة تدخّل فيها البعد السياسي والاجتماعي والفكري في تظافر -أحيانا - لم يدرك المراد منه علماءنا وفقهاءنا الذين استمروا وراء الخباء الذي نصبوه للفكر الإسلامي منذ قرون...
    وإننا نحصد اليوم ما أنبته ظل ذلك الخباء فعبارة الإلحادية عوضوها بالعلمانية مثلما بدّلوا الكثير! لماذا؟
    لعلم الدارسين للمجتمعات من أمثال (دوركهايم) بالأثر الذي يحدثه العداء للمصطلح على النفسية والسلوك العام للجماعات التي درسها (جوستاف لوبون) وصنف تصرفاتها حسب ما ورد في كتابه "سيكولوجية الجماعات " Psychologie des foules .
    وتبدو طريقة تفكيرنا تنصرف بسرعة نحو شمّاعة منصوبة في هذا العصر مكتوب عليها "أعداءنا" وهم الذين يحقدون على ديننا وعلى قيمنا وعلى ... وعلى... بينما نرى من إخواننا في الدين من هم أكثر ضررا للمجتمع الإسلامي ولا نقصدهم بنعت من تلك النعوت. وتستمر اللعبة نحن نناقش انطلاقا مما توارثناه من جيل كان يجهل كل شيء عن - أعدائنا - دون أن نعمل الفكر بما يجب من الدقة في تناول الأمور...
    ولي عودة بإذن الله

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. نعم العلمانية كافـــــــــرة ؟؟؟
    بواسطة محمد شعبان الموجي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 23-12-2004, 11:03 PM
  2. الرد على الفتاوى الصليبيّة< الصهيونية > العلمانية - وعلى البيان الأممي ضد " الجهاد "
    بواسطة نعيمه الهاشمي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-12-2004, 06:02 PM
  3. العلمانية في الشعر العربي الحديث
    بواسطة الصمصام في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 17-08-2003, 05:26 AM
  4. تعريف العلمانية والليبرالية ...؟؟
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-03-2003, 11:01 AM
  5. تعريف العلمانية تكمله...؟؟
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 27-01-2003, 05:58 AM