السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كلمــة
هذه مقتبسات متفرقة من كتاب أعبرُ فيه عن خلاصة تصوراتي التي قيض لها أن تنشر في عمل سابق، لكنها اتخذت هنا نزعة الفن والأدب. وفيها أبين جملة من الأفكار وقواعد التغيير عبر الأسلوب الأدبي والتصوير الفني؛ نظرا للحاجة القصوى لأن تصل هذه الأفكار إلى وعي الناس الذين تتوق نفوسهم إلى سماع وتر الخير والجمال وهو يهتز ملتاعا؛ يبحث عن أسماعٍ تسمع، وأرواح تصغي، وإرادات تتحرك، لكن أجهدها الفكر المجرد والمعرفة الباردة، ولها الحق في هذا؛ بعد أن حطمت النزعة الأكاديمية سياقات كثيرة من غائية العلم وهدفه الإنساني؛ بذريعة المنهجية والتخصص، فالناس في شعور من الإحباط وندرة الكلمة الوثابة؛ بعد أن تحول غالب الفن والأدب إلى شيء يصعب التعبير عنه سوى أن يقال: سوقا يعرض فيه خضمٌ من الأفكار والنزعات النفسية والتأزمات الذهنية والنقدية تُفرض على الناس كهنوتا مقدسا.
بت مؤمنا بأن الكلمة روح تسري بين الحنايا والعقول؛ وأن غير الكلمة المتفجرة بالقوة وبالحب وبالجمال عاجزة عن سبر أغوار الحقيقة في زمن يكاد تُطمس في الإنسان معالمُ الإنسان. وإني لدارٍ أن كثيرين سيروق لهم ما أكتب، وآخرين سيجدون فيه ما تعودوا أن يبحثوا عنه، أعني بؤرةً سهلة تنوشها سهامُهم التي لطالما فوقوّها على لاشيء؛ سوى أن يقال أنهم يطلقون السهام. ولكن هيهات أن تكون بؤرة سهلة، لأن من يكتب بدمه يعرف سامعوه أن الدم روح.
وعلى هذا فرسالتي: أن أنزل أفكارا عليا إلى مستويات من التلقي أكثر بساطة وسهولة مع الحفاظ على نوعها وخصوبتها. ولا أدعي أن ما أكتب هو بالضرورة أصاب الصحة، بل أقر بأن ما وافق الصواب فهو منه سبحانه، وما أخطأتُ فيه فهو من عندي، ويرجع إلى قلة حيلتي وضعف بشريتي .
وألفِتُ عناية القارئ الكريم إلى أن هذا العمل ليس أدبا خالصا كما أنه ليس فكرا مَحضا. وعليه فإنه يحتاج إلى نباهة وصبر؛ خصوصا وان هذه مقتبسات خارجة عن سياقها السردي وحبكتها القصصية. لكن ما يرتق هذا الخرق كونها في الأصل ممنهجة بحسب تقسيمات موضوعية، فضلا عن إطارها القصصي الرمزي. هذا الإطار الرمزي هو عنصر من عناصر الجمال والسعة فيحتاج إلى عناية وتأمل من قارئ ذكيٍ مرهف يخرج بالمعاني عن حرفيتها المباشرة. وليس هدف نشرها هنا إلا رغبتي بان أساهم مع الأخوة والأخوات الذين تجردوا هنا للدفاع عن الخير والحقيقة والأمل.
وأخيرا لست انتظر رأي النقاد ولا متخصصي اللغة والفن؛ بقدر ما يهمني نبض القارئ الإنسان الذي هو بذاته هدفي، ورجائي أن تصل قلبه ووعيه كلماتي هذه وأنفاسي.
أرجو أن ينتفع الناس ... كل الناس بما أقدم، وهذا حسبي.