بسم الله الرحمن الرحيم
بوصلة الأمة
د.أشرف يوسف

منذ فترة طويلة حدد الغرب غايته في صراعه مع المسلمين في أمرين :
الأول : العمل على ضرب الفكرة الإسلامية ؛ من خلال إدخال المفاهيم المغلوطة ، واستبدال المفاهيم والأفكار الإسلامية بمفاهيم وأفكار غربية وإلباسها اللباس الإسلامي ، فبعد الهجمات العسكرية والاستعمارية ، كان المسلمون يستعيدوا قوتهم ويوقعوا الهزيمة بالكفار ، حينها أيقن الغرب بان قوة المسلمين تكمن في عقيدتهم ، وما يحملوا من أفكار ومفاهيم ومقاييس وقيم ، لذلك أخذ الغرب يغزو العالم الإسلامي غزواً تبشيرياً وثقافياَ ، وأتخذ لذلك الجمعيات التبشيرية والثقافية باسم العلم والإنسانية ، وكانت هذه الأعمال والخطط حلقات متصلة أحدثت أثراً بليغاً ، ومن نتائجه ما نعانيه اليوم من ضعف في فهم الإسلام ، وإدخال مفاهيم وأفكار ليست من الإسلام من مثل ( الوسطية – والديموقراطية – والوطنية - وتغيير الأحكام بتغير الزمان والمكان – وحوار الأديان .................) والكثير من الأفكار التي أصبحت تُلبس على المسلمين على أنها من الإسلام.
الثاني: هدم الكيان السياسي التنفيذي الجامع للمسلمين ( دولة الخلافة ) ، حاول الكفار القضاء على الدولة التي أسسها الرسول  في المدينة ، ومن حينها لم يهدا لهم بال فكانت الحروب تلو الحروب والمكائد تلو المكائد والمؤامرات تترى لا مجال لذكرها ، فكان للكفار أن احتلوا بلاد المسلمين بعد هدم دولة الخلافة وقاموا بتثبيت حكمهم لها على الأسس التي رسموها وعمل الكافر المستعمر بنشر وتشجيع مفاهيم القومية والوطنية ، فاستقل الأتراك على أساس قومي وطني ، وأخذ العرب يعملون للحكم الذاتي على أساس قومي وطني ، وشاعت القومية والوطنية وملأت الأجواء وصارت موضع فخر واعتزاز .
وفي هذه الأجواء القومية والوطنية قسمت البلاد الإسلامية إلى دويلات ، وجُعل أهل كل بلد يركزون هذا التقسيم ، فقسمت الدولة الإسلامية إلى عدة أقسام : ( تركيا ، مصر ، العراق ، لبنان ، فلسطين ، شرق الأردن ، الحجاز ونجد ، واليمن ،.....إلخ ) ، وصار المشتغلون بالسياسة وممن يسمون سياسيين من عملاء للغرب المستعمر ، ومن غيرهم من حسني النية يعقدون المؤتمرات ويسيرون المظاهرات ويطالبون بالاستقلال ؛ أي استقلال الجزء الذي رسم لهم عن غيرة من باقي الأجزاء ، وعلى هذا الأساس قامت الدول الكرتونية في بلاد المسلمين . والله سبحانه وتعالى يقول ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) ، ويقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم : (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية, ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها, ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).
والبلاد الإسلامية مرت بجملة من الظروف التاريخية لا يتسع المجال لذكرها فالكل يعلمها ، لكنها تركزت على أهداف كبرى عمل الكافر المستعمر على تركيزها للمحافظة على مخططهم وتحقيق غايتهم وهي :
1-عزل البلاد الإسلامية عن بعضها ، وتدمير إمكانية التواصل بينها من خلال التبعية الشاملة للنظام العالمي المنبثق من إتفاقيات سايكس/ بيكو .
2-إبعاد أفكار الإسلام عن الحكم وتسيير العلاقات بين الناس .
3-الإشراف على عمليات التفكيك من خلال المحافظة والدعم للأنظمة التابعة للغرب .
4-تركيز الحضارة الغربية من خلال الإذابة والدمج للأفكار الغربية ( الديموقراطية – الوسطية – حقوق الإنسان – العولمة – فصل السلطات - ................) .
كل ذلك أدى إلى فصام واضح بين القيادة الفكرية للأمة والقيادة السياسية وتراجع الطاقة المسلمة، وتمزيق النسيج المسلم، وتدهور الفكر، مما أحاط العقل الإسلامي بمناخ غير نقي وتغذية غير سليمة جعلته قاصراً عن القيام بدوره فأصبح المسلمون مقلدين لغيرهم في أنظمة الحياة كافة ( السياسية – والاقتصادية – والتشريعية – والتعليمية ، ............. ) يطبقون نظاماً غريباً عن عقيدتهم وثقافتهم الإسلامية الأصيلة ، فأفقدهم هذا التطبيق هويتهم وشخصيتهم المميزة التي كانت لهم إبان عظمة وازدهار الأمة الإسلامية .
لكن الأمة اليوم ومن خلال جهود المخلصين من حملة الدعوة بدأت تتغير وتتبدل أحوالها باتجاه بوصلة العقيدة الإسلامية والثقافة الإسلامية ، فالأمة اليوم ما عادت تقبل غير الإسلام بديلاً ، بعد أن جُرب عليها كل الأنظمة الوضعية من اشتراكية ورأسمالية وخليط من الاشتراكية والرأسمالية ، فالأمة بدأت تدرك أنه لا خلاص لها مما هي فيه إلا بتطبيق عقيدتها وما انبثق عنها من أحكام تشكل أنظمة الحياة والمجتمع ، وهذا ما أكدته أخر استطلاعات الرأي من أن أكثر من 80 % من أبناء الأمة الإسلامية في بلاد المسلمين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية ، والأمة اليوم أيقنت أن حكامها ما هم إلا دمى يحركها الغرب ، والأحداث السياسية والعسكرية الأخيرة في العراق والشيشان وأفغانستان وفلسطين ولبنان والسودان ....... ، أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك ظلم وعمالة وتواطؤ حكام البلاد الإسلامية ، فلم يعد أحد يثق ويدافع عن هذه الأنظمة ، أما جامعة الدول العربية ؛ التي أوجدها الغرب لحرف التوجهات الوحدوية الحقيقية لدى الأمة ، فقد أدركت الأمة بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الجامعة لا تخدم إلا الغرب الكافر ، وأنها لا تستطيع حل ولا مشكلة واحدة تتعلق بالأمة بل هي أعجز من الحكام الحاليين ، وبالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، والتي أوجدها الغرب بالتعاون مع حكام الضرار لحرف التوجهات والمشاعر الحقيقية لدى أبناء الأمة الإسلامية نحو الوحدة الحقيقية ، أصبحت أفسد من أن يُتحدث عنها ، فقد انكشفت للأمة ولكل ذي عين بصيرة في ظل الأزمات التي مرت وتمر بها الأمة من احتلال لبلاد المسلمين ونهب لثرواتها واغتصاب لنسائها ، وسب وشتم لرسولها الكريم صلوات ربي عليه وعلى أله أجمعين .
فالأمة تتوق وتتشوق للوحدة على أساس العقيدة الإسلامية وكفرت بحدود سايكس/ بيكو ، ورايات سايكس بيكو ، وتتشوق للخلاص من حكام الضرار باتجاه إيجاد من ينوب عنها للحكم بكتاب الله وسنه رسوله، والإنعتاق من ربقة الاستعمار وأدواته في المنطقة من حكام ووسط سياسي خادم لهذه الأنظمة ، بعد أن انكشف زيف الديموقراطية ، وما يتشدقون به من حقوق إنسان ، فقد أصبح واضحاًً وضوح الشمس في رابعة النهار أن كل ما تفعله أمريكيا وبريطانيا وإسرائيل والغرب إجمالاً من مصائب بالمسلمين من قتل للأطفال والنساء والشيوخ ، وحصار قاتل طال الحجر والشجر ، كل ذلك باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان .
فتوجهات الأمة الآن تسير باتجاه عقيدتها وتطبيق ما انبثق عنها من أنظمة تتناول كل مجالات الحياة ( حكم ، واقتصاد ، واجتماع ، وتعليم ، وسياسة خارجية وداخلية ،.........إلخ ) ، وذلك بإيجاد الكيان الوحدوي التنفيذي لمجموع هذه الأنظمة والمتمثل بدولة الخلافة ، وإزالة كل بقايا الاستعمار الغربي من حدود ورايات سايكس بيكو ، وحكام باعوا البلاد والعباد ونهبوا الثروات وسخروها لخدمة الغرب الكافر ، مما يمكنها من استعادة مكانتها التي أرادها الله لها " خير أمة أخرجت للناس " .
هذا التحول في حال الأمة لم يكن ليوجد لولا جهود العاملين المخلصين من حملة الدعوة ، واللذين تصدوا ويتصدوا بكل حزم لمشاريع الكفار المستعمرين وأفكارهم ، في الوقت الذي كان فيه الكثير من الجماعات الوطنية والقومية وبعض الجماعات المسماة إسلامية تتغنى بالوطنية والقومية والديموقراطية ، وتطرح أنظمة بديلة عن أنظمة الإسلام وثقافة غربية غريبة عن ثقافة الأمة وعقيدتها ، وتحاول أن تلبس الكثير من الأفكار والمفاهيم الغربية على الأمة ، وبجهود حملة الدعوة المخلصين وجديتهم في العمل ، ووضوح الرؤيا السياسية لديهم تحولت بوصلة الأمة بالاتجاه الصحيح ، اتجاه استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية .
هذا هو مشروع الغرب الكافر للإبقاء على حالة التردي والانحطاط والضعف والتمزق في العالم الإسلامي ومنعاً لعودة الإسلام للحكم والسياسة وتسيير العلاقات بين الناس ، وتسهيلاً لنهب الثروات ، والإبقاء على تحكمهم بالعالم ، وهذه هي توجهات ومشاعر الأمة وأفكارها تتجه باتجاه مشروعها النهضوي الحضاري وإيجاد دولتها التي من خلالها ترتقي إلى المكانة التي أرادها الله لها " أمة شاهدة على الناس " ، " وخير أمة أخرجت للناس " .
فمن الذي يعبر عن توجهات الأمة ومشاعرها الصادقة والحقيقية ويحمل مشروع الأمة النهضوي الحضاري ؟ ، ويعمل لاستئناف الحياة الإسلامية ، أهي الجماعات التي تتغني بالوطنية والقومية والتي هي من أهم الأفكار التي استخدمها الغرب الكافر لضرب المسلمين وتمزيق وحدتهم ؟ هل هي الجماعات التي تقدس الحدود القائمة بين المسلمين ، وتعطي شرعية للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين من خلال مشاركتها في الحكم والتنسيق معها ؛ وبالتالي المحافظ علي مشروع الغرب الكافر ؟ أم من يحمل المشروع النهضوي الحضاري للأمة ، ويسعي لإزالة حدود التمزيق ورايات الفرقة وإزاحة حكام الضرار ، وكل أسباب الضعف والانحطاط من خلال إقامة الكيان التنفيذي الجامع للمسلمين ( دولة الخلافة ) ؛ التي ترفع راية الرسول  ( راية العقاب ) ، وتحافظ علي العقيدة وتطبق ما انبثق عنها من أنظمة للحياة ، فكل تغيير داخل هذه الوطنيات لا يأخذ بعين الاعتبار القضاء على هذه الوطنيات وهذه الحدود التي مزقت الأمة ، ولا يسعي للتغيير على أساس إسلامي لا يعتبر سيراً في الطريق الصحيح للتغيير ولا يعبر عن توجهات الأمة ومشاعرها ومشروعها السياسي .
فبدون البحث والدرس في القضية الأساسية والأسباب والمسببات لضعف الأمة وتمزقها والسيطرة عليها ونهب ثرواتها يعتبر تناول سطحي ، وأي وصفة فهي تداري ولا تداوي .