رمزي
"حروف صغيرة تتشابك في كلمات معدودة،أناشيد قصيرة؛ متابعة رسم أطفال لا يجيدون الأبعاد.. يا له من عمل وضيع".. هكذا يصف عمله.. يتنفس الصعداء بعد نهاية كل درس ويُشغل التلاميذ الصغار بالنسخ أو الرسم، ويجلس على كرسيه، يمد قدميه ويتأمل صفه المكتظ بالتلاميذ، يتأمل المقاعد التي تكاد تتلاصق والجدران التي علقت بها بقايا أوراق امتلأت برسومات التلاميذ، لم يكن يسعى لهذا، لطالما انتظر فرصة في وزارة من تلك التي يعمل فيها الموظف القليل ويجني الكثير.. كما يقال له.. تلك التي لا يسأل فيها موظف عن شاردة أو واردة، "ما أتعسني" يقول في نفسه وعيناه ترقب التلاميذ؛ يتأملهم واحدا واحدا، ويتمتم:"هل عليّ أن أحفظ أسماء الأربعين؟"... منذ شهر نقل إلى هذه المدرسة البعيدة، قاده مدير المدرسة إلى هذا الصف المعتم البارد وعند مدخل الصف تركه، وهكذا أصبح "مربي الصف الثاني الابتدائي" في هذه المدرسة "القرويّة" المتبعة لنظام التعليم الجامع وذلك بعد شهرين من بدأ العام الدراسي، إقتيد هنا ليحل في مكان"المربي" الأسير الذي يتوقع له حكما بالمؤبد.. "ماأتعسني" يكررها في نفسه وتتمتم بها شفتيه؛ ويستمر في تأمل التلاميذ الصغار، يصرخ باتجاه المشاغبين ويشيد بالصامتين المنشغلين بأوراقهم، ينتهي من فنجان القهوة ويبدأ في رصد علامة الشهر؛ يفتح دفتره وينادي التلاميذ كل باسمه فيقف التلميذ ليتأمله المعلم ويقدر له علامة؛ أحمد أنت ممتاز؛ عشر علامات ويتمتم قائلا "بالتأكيد أهله يهتمون به؛ إنه طالب مريح"، خالد؛ سبع علامات "انه طالب مشاغب"؛ رمزي..رمزي.. لم يقف رمزي ولم يلتفت إلى المعلم كالتلاميذ الذين ذكر اسمهم، فما عرف المعلم من هو هذا التلميذ المدعو "رمزي" إلا بعد أن أشار إليه التلاميذ وبعد أن هز زميل رمزي كتف رمزي ودفعه للنظر نحو المعلم؛ احتار المعلم في أي العلامات يدون لهذا التلميذ، فهو في نظره مجرد طفل "غبي" هاديء لا يسمع له صوت.. بعد حيرة قصيرة كتب "خمس علامات"؛ وهكذا قدر المعلم علامات الشهر لتلاميذه الأربعين في بضع دقائق ثم خرج لجلب فنجان آخر من القهوة؛ فلما عاد وجلس على كرسيّه يتأمل التلاميذ ويفكر في "حظه التعس"؛ لفت نظره أن مقعد "رمزي" فارغ؛ صرخ المعلم مناديا على رمزي بين تلاميذ الصف وقد استفزه كيف يجرؤ أحد التلاميذ على تغيير مقعده أو الخروج دون إذن؛ فما كان من التلاميذ إلا أن بدأوا بالضحك، وكلما كرر المعلم نداءه إلى رمزي يزداد ضحك التلاميذ، وأخذ صوتهم يعلوا نحو المعلم قائلين:" يا أستاذ إن رمزي لا يسمع.. لا يسمع"، توجه المعلم نحو مقعد "رمزي" الذي التف حوله بعض التلاميذ فوجد تلميذه "الأصم" قد جلس على الأرض الباردة تحت مقعده وانشغل بالرسم....

ربيحة علان علان
1-1-2005م
مخيم الجلزون- رام الله
Rabeeha82@hotmail.com