أَضْنَى بكَ الوَجدُ أَم أُوْذيتَ باللَدَدِ ؟
حتى رَأيتَ انْعِكاسَ الرُّوحِ في الجَسدِ
لا شَيءَ قبلَكَ أنتَ الكلُّ أَجْمَعُهُ
وَهبْتُكَ الرُّوحَ في ما ظَلَّ مِن جَسَدي
خَصْمانِ قلبي و عقلي، قال قائِلُهُم :
هذا رَشيدٌ و هذا فاقدُ الرَّشَدِ
فَهَا هُما في الهوى نِدَّانِ ما اجْتَمعا
إِلَّا لِـيَخْـتَـلِفا بـالمـــالِ و الـوَلَـدِ
فجِئْتَ أنتَ اتِّفاقَ الكُلِّ جامِعَهم
و كنتَ مُدرِكَهُم في لُجَّةِ العُقَدِ
فأَجْمَعوا أَنَّ مَن يَهواكَ ذو سَعةٍ
و أَنَّ فيكَ غَرامي غَيرُ ذي عَدَدِ
عَدْلٌ أنا فيكَ فانْظُرْ في المَدى هِمَمي
تَطْوي الجَناحَ بعيدًا عنْ جَوَى الحَرَدِ
يا أَيُّها البحرُ فيكَ الدُّرُّ مُكتَنَزٌ
و لَستُ أَرْجو سوى شَيءٍ مِنَ الزَّبَدِ
لا أُنْكِرُ الفَضلَ حاشا أَنْ أَكونَ على
نُكْرانِهِ مُقدِمًا مَهْما طَغى جَلَدي
و كيفَ أُنكِرُ رُؤْيا بالكَرى بَزغَتْ
وَفَدْتُ فيها و مَن أهواهُ لَمْ يَفِدِ
كلُّ الكواكبِ فيها تَحْتفي طَرَبًا
و الشَّمسُ و البَدرُ جَذْلانانِ مِنْ سَعَدِ
فقالَ يعقوبُ في أُذْنَيَّ مُبتسِمًا
إِياكَ أَنْ تَقصُصَ الرُّؤيا على أَحَدِ
قد يُنْكِرُوكَ و هذا الطَّبعُ دَيدَنُهُمْ
و قَدْ يَكيدونَ كيدَ الفُجْرِ و الحُقُدِ
قالَ البُصَيريُّ لمَّا ضاقَ خافِقُهُ
(قد تُنكِرُ العينُ ضوءَ الشَّمسِ مِنْ رَمَدِ)
و طُورُ مُوسى على كَفِّي أُقَلِّبُهُ
فيَصْرُخُ القَلبُ بِسْمِ الواحدِ الصَّمَدِ
و جَاهُ حُبِّكَ تَوراتي و مِنْسأَتي
أَهُشُّ فيها جِراحي في لَظَى الأَبَدِ
فابْعَثْ وَزيرًا إذا ما الدَّهرُ فَرَّقَنا
أَزْدَدْ بهِ جَلَدًا ، أُشْدُدْ بهِ عَضُدي
بَيني و بَينَكَ ما لا عينَ تُبصِرُهُ
كالوِدِّ بينَ أَميرِ القومِ و الجُنُدِ
كلُّ التَّفاسيرِ قالتْ و هْيَ صادقةٌ
لا تُثبِتُ الشُمَّ إِلَّا شِدَّةُ الوَتَدِ
و جِئتَ تَمْشي و تَحتَ النَّعْلِ كم شَمَمٍ
تَرْتدُّ مِن هَيبةِ الرَّاقينَ و الصُّعُدِ
فكيفَ يَثبُتُ قلبٌ أَنتَ ساكنُهُ
و ما رَأَيْنا ثَبَاتًا مِن ذُرَى أُحُدِ ؟
كَلْمى هيَ الرُّوحُ سالتْ مِن هواكَ دَمًا
و لَمْ تَعِشْ مُذْ عَرفْتُ الحُبَّ في رَغَدِ
يَطالُها أَلْفُ شَيطانٍ و زَنْدَقةٍ
فتَقْتَفي إِثْرَهُم طَيشًا على عَمَدِ
فأَدْفَعُ الشَّرَّ في قولٍ وفي عَمَلٍ
وأَطْلُبُ العَونَ بالمُخْتارِ في مَدَدِ
قَبَّلتُ بابَكَ لا حُزنًا و لا فَرَحًا
و بي انْدِهاشُ قَديمٍ ضاقَ بالجُدُدِ
فأَنْكَروني و قالوا لا مَقامَ لهُ
مِثلُ الحَديثِ الذي ما صَحَّ بالسَّنَدِ
ولَمْ يَكُنْ في الهوى خِلِّي أَبو لَهَبٍ
ولَمْ أَكُنْ حَامِلًا حَبْلًا مِنَ المَسَدِ
أَنَّى أَسِيرُ أَرى وَجهًا على صُوَرٍ
و أَنتَ وَجهُكَ مِثلُ النَّقشِ فَي خَلَدِي
لو أَجْمَعتْ هَذهِ الدُّنيا لتَحْذفَهُ
ستَنطِقُ الرُّوحُ هذا فِلْذةُ الكَبِدِ
جَمرُ الهوى مُحْرِقٌ لكنْ سأَحْملُهُ
إِذْ صِرتُ أَمْزُجُ حَرَّ الجَمرِ بالبَرَدِ
و ما أنا غيرُ حَلَّاجٍ يُطاوِعُهُ
حُبُّ النَّقيضَينِ مِن تِيهٍ و مِن رَشَدِ
و لَمْ أَكُنْ في فُنُونِ الشِّعرِ نابِغةً
لكي تَكونَ ذُرى العَلياءِ طَوعَ يَدي