في هذه الأثناء دخلا رجلان و هُما يمسكان ب " كاترين " , كانت معصوبة العينين , خائرة القوى , و بدا لي أنها تعرضت لتعذيبٍ شديد .
ألقياها أرضا , دون شفقة أو رحمة , ثمّ همسَ أحدهما في أذن اللعين الذي كان على وشكِ أن يحرقني , فابتسمَ بمكر , ثم ركلَ " كاترين " ركلة قوّية , جعلتها تصرخُ في وجوههم بعنف " أوغاد " " ما أنتم سوى أوغاد منحرفون " .
ضحك الثلاثة بطريقة مستفزة, أثارت غضبا شديدا بداخل نفسي, جعلَ جسدي ينتفضُ و يثور , لكنّ الحبلَ كان لي بالمرصاد , حاولتُ جاهدًا التخلص منه , لكنني ما آذيتُ غير نفسي في الأخير .
نظرَ إليّ اللعين بحقد و كراهية , و وضع يدهُ على رقبتي و قال : " لو لم يكن " مستر جاك " يريدُكَ حيًا , لتفننتُ في تعذيبكَ و قتلكَ أيها الوغد العربي الكريه"
ثمّ أمرَ أحد الرجلين بتقييد " كاترين" إلى حافة سريري , و نزعَ الرباط من على عينيها , و تفقدَ سلامة الحبل الذي كان ملتفا حول جسدي , و خرج من الغرفة و كلباه يتبعاه .
" كاترين " ما الذي حلّ بكِ يا " كاترين " و من هم هؤلاء الأوغاد ؟؟؟
و لمَ أنا هنا ؟؟؟ و ما الذي يريدونهُ مني ؟؟؟
انفجرت المسكينة بالبكاء, و قالت: آسفة جدا يا كريم, فكل هذا يحصلُ بسببي, ليتهم يقتلونني و أرتاح .
و لكن" أندريا " معهم , صديقتكِ الحميمة , أنا لا أفهمُ شيئا .
الحكاية معقدة جدا يا " كريم " و أظنكَ ستصعقُ لو عرفتَ الحقيقة.
حقيقةَ ماذا ؟؟؟ أوّدُ أن أعرفَ كل شيء بالتفصيل.
في إحدى الليالي " اللوديفية" اتصل بي صديق مُقرب يعملُ في إحدى المكتبات القديمة بباريس , و طلب مني أن نتقابلَ في إحدى المطاعم , لأنه سيُحضرُ لي شيئا مهما جدا سيساعدني في إتمام مجموعة مقالاتي التي بدأتُ في نشرها عن طبيعة الجرائم التي تورط فيها عدد من الساسة و العسكر في حرب الجزائر .
في ذلك المطعم تعرفتُ على " أحمد " من باب الصدفة, فقد كان يطالعُ إحدى الجرائد, و يدّخن بطريقة غريبة جدا, جعلت الفضول يرمي بي إلى طاولته, استأذنتهُ فَسمح لي , و تبادلنا أطراف الحديث .
عرفتُ أنه جزائري , و أنه يقيم في باريس , و قد قَدِمَ إلى " لوديف " من أجل حضور مهرجان الشعر المتوسطي الذي يُقام كل سنة , و أنه سيشارك فيه بقصائد عن دول الحوض المتوسط , بطريقة جديدة تماما و مبتكرة .
كنتُ أحسُ بدفء صوته يتغلغلُ إلى أعماقي, و كانت نظراتهُ مميزةً جدا, فقد كان يملكُ سحرا خاصا, و تعبيرا مدهشا, جعلني أتمنى لو أن الزمن يتوقف فجأة كي لا أخسرَ هذه الرفقة الرائعة, فرجلٌ مثل هذا الرجل قليل الوجود.
فجأةً رأيتهُ يلوّحُ بيدهِ لأحدهم , استدرتُ فإذا بهِ " لورانس " صديقي الذي أنتظره , فاستغربتُ الأمر , و لكن بعدها عرفتُ أنهما يقيمان في نفس الحيّ بباريس , و أن " أحمد " من أحد أهم زبائن المكتبة , و قد كان يعشقُ البحث في الكتب القديمة النادرة .
أخذَ " لورانس " حقيبة يدي , فتحها و دسّ بداخلها ملفا ما , ابتسمَ ثمّ رحل ...
يتبع ...
|