أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: يـوميـــات رمضـانيــة ( لقمان و زكيــة )

  1. #1
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي يـوميـــات رمضـانيــة ( لقمان و زكيــة )

    يوميات رمضانية
    لقمان و زكية
    من عمق المجتمع الجزائري سأحاول أن أنقل إليكم يوميات زوجين
    خلال شهر رمضان المبارك ..
    الأحداث روحها من الواقع مع توظيف الخيال القصصي بالطبع
    أتمنى أن تروق لكم و تنال إعجابكم و رضاكم
    الرؤية الأولى
    حديث الصباح

    استيقظ" لقمان " على صراخ الجارة "حياة " التي ألف أن يكون صوتها منبهه الخاص كل صباح .. لم يتذمر لأنه اعتاد على ذلك .. مسح عينيه بأصابعه ثم نظر إلى زوجته " زكية " التي ما زالت تغط في نوم عميق ..
    تساءل كالعادة .. " كيف يمكنها أن تستمر في النوم و تلك الشمطاء
    تصرخ بأعلى و أقبح صوت .. " همس في أذنها برفق .. استيقظي فالصباح قد لاح .. و لكن هيهات أن تستفيق .. فصوت المدفع ما أيقظها.. هل سيتمكن صوته الذي شاخ بفعل الزمن أن يوقظها..ثم أعلن الحركة فهي الطريقة المثلى لجعلها تفيق .. مد يده إلى كتفها و قام بتحريكه فاستمالت على جنبها و أخدت الغطاء على وجهها كإعلان على التمرد .. لا تحاول يا لقمان لن أستيقظ الآن ..
    طأطأ رأسه برهة ثم قام متكاسلا يجر خطواته نحو المطبخ .. كالعادة لم يجد شيئا ليفطر به .. و لكن وجد مفاجئة تنتظره فوق الطاولة .. قفة و أمامها ورقة مطرزة بالطلبات المختلفة للمطبخ.. هاله الأمر إنها الأيام الأخيرة من الشهر و أوراقه المالية بدأت تنفذ ...
    قال : يا الله ماذا سأفعل و خصوصا أن الأسعار ملتهبة فشهر الرحمة يبدأ بالغد .. و بدأت خيالات السوق و الباعة تتجسد أمام عينيه و تكالب الناس على السلع بمختلف أنواعها و كأن القيامة ستقوم ...
    دخل غرفته من جديد و فتح الخزانة و أخرج ملابسه و صندوق مدخراته ... في هذه اللحظة استيقظت زكية .. فهي بالطبع لحظة لا بد أن لا تفوتها , صاحت بوجه لقمان .. ماذا تفعل يا رجل ؟؟؟ أجابها: الناس يقولون صباح الخير يا زوجتي العزيزة ... قالت : صباح الخير .. ماذا تفعل يا زوجي العزيز ... ( بنبرة ماكرة ) عرف لقمان أنها قرأت ما يدور بخلده .. فتظاهر بالبراءة و قال لها: لا شيء أبحث عن قميصي الأسود فأنا لا أجده .. ( ابتسمت زكية ) و قالت : قميصك بالغسيل و لكن ماذا يفعل ذاك الصندوق بين يديك ؟؟
    قال بنبرة غاضبة : و ما تفعله هذه القائمة فوق تلك الطاولة ؟؟ قالت : إنها طلبات البيت و بعض الحاجيات لشهر رمضان , قال : إذن لا بد من فتح هذا الصندوق لأنني مفلس يا عزيزتي ...
    نهضت زكية من فوق السرير و تقدمت منه و لمست شعره بلطف و قالت بصوت هادئ : لا يا زوجي العزيز فأنت تعرف أن هذا المال تعبنا في ادخاره من أجل الضيف القادم و اتفقنا على عدم الاقتراب منه مهما حصل قال لقمان : أعرف و لكن ما باليد حيلة يا زكية و مصاريف الشهر باهظة و لا يمكنني الوفاء بها .. و أنت تعرفين البئر و غطاه ..
    أخدت زكية الصندوق من بين يديه بلطف و قالت : هناك حلول كثيرة من بينها أننا سنفطر غذا بمنزل والدك و بعدها بمنزل أمي و قد دعتني صديقة في اليوم الثالث .. و بعدها نرى ما سنفعله ...
    استشاط لقمان غضبا .. ويحك يا امرأة هل ستجعلين مني سخرية على آخر الزمن .. أعرف أن المسلسلات التي تقبعين على مشاهدتها يوميا لحست مخك , كيف تفكرين بهذا الأسلوب ؟؟ ..
    قالت (بخبث ) : هم من وجهوا لنا الدعوة أنسيت ؟؟ أنا فقط أبحث عن مخرج لمشكلتنا ..
    أشاح بوجهه عنها و قال : خدي الصندوق و أنا سأتدبر أمري و راح يتمتم ... لا أعرف لماذا لم أتزوج ابنة عمي و اخترتك أنت .. فعلا وقتها كنت مجنونا .. ضحكت زكية و قالت : اسأل قلبك فهو من أطاح بك في شباكي , ألا تتذكر وقفتك تحت نافذتي بالساعات ؟؟ نظر إليها بامتعاض و قال : كنت أحمقا حينها .. و لا أفكر بعقلي أبدا ... ابتسمت زكية لأنها تعرف مدى حب لقمان لها و قالت : لا عليك يا زوجي العزيز وقع الفأس في الرأس و لا مجال للهروب من قبضة زكية
    ضحك لقمان و قال لها : أين هي القفة سأخرج للتسوق قبل أن يكتظ السوق بالناس و لا أجد ممرا للخروج..
    الرؤية الثانية
    لقمان و المطبخ
    ها هي زكية سيدة المطبخ القسنطيني قد بدأت في تحضير أول فطور (و الذي يتميز عندنا بالشرق الجزائري بطبق رئيسي يسمى " الجاري "و هو شربة بالفريك و لحم الخروف ) بالإضافة إلى طبق طاجين العين و هو طبق حلو مع الزبيب عادة ما يتم تحضيره باليوم الأول و نصفية رمضان..
    ***********
    دق باب المنزل .. هرعت زكية نحو الباب لأنها أرسلت ابن الجيران كي يقتني لها "ربطة دبشة " من السوق و لكنها تفاجئت بلقمان و هو يحمل أكياسا مختلفة من المشتريات .. و لون وجهه قد مال إلى الاصفرار , حملت عنه بعض الأكياس و راحت خطواته المتثاقلة تتبعها نحو المطبخ وضع الأكياس فوق الطاولة و جلس على الكرسي محاولا استرجاع بعض أنفاسه التي كادت أن تضيع منه بسبب سلالم العمارة الستون التي صعدها , تأملته زكية بعين مشفقة و قالت : وجهك أصبح يشبه حبة الليمون يا لقمان ... ابتسم متهكما و أجابها: من يده بالنار ليس كمن يده بالماء
    قالت : هذا نتيجة حبك للأماكن العالية .. ذق الآن و لا تتذمر يا زوجي العزيز .. نظر إليها عاتبا و قال : هذا بدل من أن تقومي بمواساتي ؟؟ أو لا تلحظين بأنني في أسوء حالاتي .. ؟؟ قالت له : قم هيا و اذهب لتستريح ريثما أحضر الفطور دعني أتابع عملي , قام لقمان متكاسلا و اتجه نحو غرفة الجلوس و اتكأ على الأريكة البنفسجية و حاول النوم و لكن هيهات ... فمعدته الخاوية لم تمكنه من ذلك... قام من جديد و اتجه نحو المطبخ و راح يتفقد ما أعدته زكية من أطعمة شهية و قال : ألا تريدين أن أساعدك بشيء ..؟؟؟
    استغربت زكية من طلبه و قالت : عجبا من متى يا لقمان .. يبدو أن الصوم بدأ يؤثر بك ...قال : إنها موضة العصر .. سأصبح رجلا مهذبا في آخر زماني .. قالت: و ما يمكنك أن تفعله يا سيدي ؟؟ ابتسم بلؤم و قال أحضري ذاك الكيس الأخضر فلي به غاية ... قدمت له زكية الكيس وأخدت تراقبه و هو يفرغ محتوياته على الطاولة... إنها مستلزمات " البوراك "
    قال لها لقمان : الآن سأحضر "البوراك " كما كنت أفعل أيام الخدمة الوطنية ..أعدك بأنك ستأكلين أصابعك بعده ..
    أخرج كيس " الخطفة " و التونة و الزيتون و بعض اللحم المفروم ضحكت زكية و قالت : يبدو أن الفكرة كانت تدور بخلدك قبل هذا قال : بل لم أستطع النوم و أردت مساعدة زوجتي الحبيبة ...
    التفتت زكية لأشغالها و تركته غارقا في التخطيط لمشروعه الكبير و لكنه أخد يطلب منها أن تساعده فمرة يطلب منها تتبيل اللحم المفروم و تارة أخرى بسلق البطاطس و أخرى بفرمها .. و هكذا.. و هي تفعل ذلك و بداخلها ابتسامة عريضة ..
    ها هي تقوم بقلي"البوراك " و هو يرمقها بعينيه الجائعتين .. و فجأة استدارت نحوه ضاحكة : أريد أن أطلب منك طلب يا زوجي العزيز ... قال لها : تفضلي بكل تأكيد .. قالت : أخرج لي الصحون من الخزانة
    و ضعها على الطاولة قام لقمان من مكانه مرغما لأنه لم يحب مفارقة ذاك المشهد و البوراك بدأ يميل إلى اللون الذهبي .. فعيناه مصوبتان نحوه و خطواته تتجه نحو الخزانة ... آه .. صرخ لقمان .. لأن رأسه اصطدم بشيء ما .. ما بك يا رجل هل أفقدك الصيام توازنك ؟؟ قالت زكية , قال ضاحكا : تحدث في أرقى العائلات .
    لم تبقى سوى دقائق على أذان المغرب و زكية في خفة و نشاط تنقل ما أعدته على الطاولة و تضعه بأبهى حلة .. بينما لقمان قام ليتوضأ استعدادا للصلاة , انتهت زكية أخيرا من كل شيء و جلست إلى الطاولة قرب لقمان ثم همست في أذنه : اسمع يا رجل هذا أول يوم استضفتك فيه بالمطبخ و سيكون آخر يوم يا عزيزي .
    أتعرف لما ؟؟؟ لأنني أنا من أعدَّت "البوراك" و لست أنت ؟؟ فقط كنت توجه الأوامر هاتي .. خذي .. أبشري.. اسلقي .. ثم تضحك
    تفطن لقمان بأنه لم يفعل شيء حقا .. سوى أنه أفرغ مستلزمات الكيس , فضحك و قال : لا تنسي فأنا من قام بجلب ووضع الصحون , ابتسما .. و ارتفع من هناك صوت المؤذن ليعلن جوازا الإفطار
    الرؤية الثالثة
    دعوة إلى الفطور
    كانت الساعة تشير إلى تمام الرابعة مساءا بالتوقيت المحلي لمدينة قسنطينة وكانت زكية تنتظر بشغف عودة لقمان من العمل و قد جهزت نفسها للخروج و لبست حجابها الأسود الذي اشترته قبل أيام و جلست على الأريكة و بيدها حقيبتها التي اقتناها لها لقمان في شهر زفافهما الأول من محل بسوسة في تونس .. و راودتها ذكرى تلك الأيام الرائعة فسلمت مخيلتها لها و راحت تستحضر كل اللحظات الجميلة و الأحداث الطريفة التي مرت بهما و قد ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة .. تذكرت مشاكسات لقمان لها
    و مفاجئاته الغريبة و كيف كان يتعطش ليرى ابتسامتها الحلوة كي يتوسل لها بأن لا تحجمها عنه و تطلق العنان لثغرها الباسم كي يشهد أروع لحظة تمر عليه ... كان لقمان برغم مظاهر القسوة التي تبدو عليه انسانا حنونا طيب المعاشرة .. خفيف الظل .. واسع القلب , اندمجت زكية في ذكرياتها الجميلة و عادت بها إلى الوراء أيام كانت تدرس بالثانوية المقابلة لمتجر لقمان و كيف كان يقف عند عتبة المحل يرقب خطواتها و تكاد عينياه تقفزان من مخبأهما لتلحقانها عند المنعطف .. كانت تحس بكل نظرة يرمقها بها و تعرف معناها و لكنها كانت تتجاهله في دلال واضح برغم أنه تمكن من روحها و عقلها و أصبحت وقفته تلك حدثا مهما بيومها , و زادت ابتسامتها اتساعا عندما تذكرت أول يوم تقدم فيه منها ليكلمها و كيف كانت فرائصه ترتعد و الكلمات تستعصي أن تنفذ من حلقه و كيف تمكن من استجماع قواه ليقول لها : من فضلك هل يمكنني أن أتحدث إليك ؟؟؟ بالطبع تذكر تمنعها و دلالها عليه و هو يجر خطواته و يبحث عن الكلمات التي يمكنها أن تنفذ إلى قلبها و روحها .. تتذكر جيدا أنها كانت في قمة الفرح و هو يحاول جاهدا أن يقنعها بأنه ابن حلال و غرضه شريف و يود أن تكون نصفه و شريكته بالحياة ...
    في هذه اللحظة دق الباب دقات متوالية .. جعلها تفيق من ذكرياتها , إنها دقات لقمان فقد اعتادت سماعها .. قامت نحو الباب و فتحته و إذ بلقمان يحمل كيسا من الفواكه المتنوعة .. حملته عنه و قالت له : على سلامتك زوجي العزيز .. ابتسم لقمان كالعادة و لم يقل شيئا , اتجه نحو الأريكة و جلس و أمسك الريموت كنترول و شغل جهاز التليفزيون , و لكن زكية أخدته بسرعة و أغلقته و قالت : قم يا كسول فأهلك بانتظارنا, و هناك شاهد ما تريد .. قال لها : لحظة فقط أسترجع بعض أنفاسي فقد تعبت و أعياني الصوم ... قالت : لا تحمل الصوم أخطائك فأنت من لا يقوم بالتسحر لذلك تحس بهذا .. فالسحور بركة و له فوائده , قال : بدأنا في اسطوانة كل يوم .. تعرفين أنني لا أحب أن أقطع نومي و إذا فعلت فلن أستطيع النوم مجددا .. قالت له : هيا إنهض و اجلب معك ذاك الكيس من الفواكه لنأخذه معنا .. قام مبتسما : تحت أمرك يا " لالا " ..
    فتحت أم لقمان الباب فارتمى لقمان بحضنها كطفل صغير و أخذ يقبل يداهاو رأسها و هو يمتم بكلمات الشوق و الحنين و هي تبادله نفس الكلمات .. زارتنا بركة .. أهلا تفضلوا الدار داركم.. و قبلتها زكية بحرارة كالعادة , فأم لقمان امرأة رائعة (لسانها كالسوط لكن قلبها أبيض كاللبن ) .. و يحبها كل الأهل لأنها مرحة و صاحبة نكتة .. و لقمان أخذ منها الكثير ...
    جلس الضيوف بقاعة الجلوس و بدأت الوفود تتهاطل فها هي حسنة أخت لقمان تأتي مسرعة للترحيب بهما و بعدها سولاف و عبد الناصر و حسن وابنته المشاغبة "كوكة" .. كما يحب لقمان مناداتها .. جلس الجميع يتبادلون أطراف الحديث و يسألون عن أخبار بعضهم البعض .. في هذه الأثناء دخل العمدة .. الحاج مصطفى و بيده كيس الزلابية المشهورة , فقام لقمان نحوه و سلم عليه و راح يدغدغه كالعادة محاولا اختطاف قهقهته المميزة .. قائلا : بالسلامة يا الحاج .. أظن أن رمضان غلبك .. ( جملة نستعملها كإشارة لمن يؤثر به الصوم ) و كالعادة جلس العمدة أمام زوجة ابنه لقمان و راح يحدثها عن أحوالها و ما يفعله لقمان معها قائلا : لا شك أنه قد أخرجك من عقلك هذه الأيام ... ابني و أعرفه , تضحك زكية بملء فاها : الحمد لله أن هناك من يشهد معي .. يا الحاج ولدك ما زال مدلل و يحتاج لمصاصة ..
    يضحك الجميع و تنهض الحاجة أم لقمان و تطلب من ابنتها سولاف اللحاق بها إلى المطبخ كي يقوما بإعداد مائدة الإفطار فالوقت أزف و لم تبقى سوى لحظات و يضرب المدفع ( جملة كنا نستعملها كثيرا لأن الإعلان عن وقت الإفطار قديما كان من خلال صوت المدفع )
    اجتمعت العائلة حول مائدة الإفطار الشهي و "كوكة" بمفردها تتذوق ما لذ و طاب من مأكولات و لقمان يرمقها بعين الجائع ..
    الرؤية الرابعة
    سهرة رمضانية
    أخيرا .. ها هو صوت المؤذن يجلجل بالتكبير ... و كل الأيدي قد مُدت نحو صحن التمر أو سيدة التمر " دقلة نور " التي لها سمعتها العالمية ... و التي تصدّر إلى الخارج ... فقليلا ما نراها بأسواقنا و إن وجدت فبأسعار باهظة رغم أننا نحن من ننتجها .. لا تستغربوا .. فالمفارقات في بلدي عجيبة و سعر البطاطس يفوق سعر الموز أحيانا ..
    بعدها قام لقمان و مدّ سجادة الصلاة بين قدميه و كبر .. في هذه الأثناء كانت" كوكة " قد تفردّت بمشغل التلفاز و راحت في محاولة يائسة تود تشغيل هذا المربع العجيب .
    ابتسمت" سولاف " من هناك و نادتها : انتظري عندما ينتهون من الصلاة و سأشغله لك أيتها المشاغبة ... جرت نحوها "كوكة" بعفوية تاركة الريموت كنترول و رمت بنفسها بين أحضانها ... آه يا عفريته .. قالت سولاف . عرفت أنها تريد افتكاك ما تبقى من حبة " البوراك " التي بيدها .. فناولتها إياها عن طيب خاطر .. فجلست "كوكة " إلى الأرض تلتهمها بسرعة .. و كأنها في سباق مع الزمن .
    يا ترى .. ما يدور بخلد الصغيرة الآن ؟؟؟
    أنهى الجميع صلاتهم و التفوا حول طاولة الإفطار و راحوا يحتسون الشربة الساخنة طبعا مع "البوراك" الذي لا تحلو إلا به ... في هذه الأثناء أحسّت سولاف بشيء يشد فستانها من الأسفل .. بالطبع إنها "كوكة" تذكرها بتنفيذ الوعد ... ابتسمت كالعادة و شغلت التلفاز على المحطة الأرضية .. و إذ به عميد المالوف القسنطيني " الحاج الفرقاني " في إحدى ترانيمه المميزة ... أحسّت "كوكة " بخيبة أمل كبيرة لأنها كانت تنتظر رسما يتحرك لا فرقة موسيقية تعزف ... لم تهتم كثيرا لأنها بدأت في البحث عن هرتها "فيفي" لتتصارع معها ..
    نطقت أم لقمان : تفضلي زكية تذوقي هذا الطبق من "الشخشوخة" و قولي لي ما رأيك ؟؟ مدّت زكية يدها : بسم الله ... حار يا خالتي بصَّح بنينة ( لذيذة ) يسلموا الايادي اغتبطت أم لقمان و قالت : إنه من تحضير حسنة .. لقد أصبحت ربة بيت ممتازة ... طأطأت حسنة رأسها و احمرت وجنتاها خجلا .. لأنها سمعت بأن رياض أخ زكية ينوي التقدم لخطبتها .. ابتسمت زكية و قد فهمت تلميح الخالة خديجة (أم لقمان) و قالت : الله يبارك .. صارت عروسة .. قريبا نفرح بها إن شاء الله.
    نظر لقمان إلى زكية معاتبا إياها لأنه يعرف مدى خجل أخته و نعومتها و كأنه يقول لها : لا تتكلمي هكذا أمامنا .. فأختي حسنة شديدة الخجل و فعلا انسحبت حسنة من الطاولة بحجة إحضار القهوة .. فالعمدة يحب أن يشرب القهوة بعد الإفطار مباشرة و دون تأخير ..
    في هذه الأثناء سمعت موسيقى برنامج الكمرة الخفية .. استدار الجميع نحو الشاشة فالكل يحب مشاهدة مقالبها الفكاهية ..
    انتهى العمدة من فطوره و سيقت إليه مائدة القهوة فعمدَ إلى غليونه يستنشق منه بعض الهواء المسموم ..
    بينما قامت زكية و معها سولاف إلى المطبخ لغسل الصحون و الاستعداد بعدها للذهاب لحضور صلاة التراويح بالمسجد فقد وعدهما حسن أنه سيقلهما بسيارته الجديدة ذهابا و إيابا ..
    بينما لقمان فضّل أن يقطع المسافة مشيا على قدميه إلى المسجد .. أولا لفضل ذلك و ثانيا لترويض بطنه التي انتفخت من كثرة الأكل... بينما حسنة و العجوز ستقعدان بالمنزل لمشاهدة المسلسلات الاجتماعية
    دقت الساعة التاسعة ليلا .. و بنفس الوقت دق الباب بالخارج .. قامت حسنة و فتحته و إذ بهما زكية و سولاف قد وصلتا بعد أدائهما صلاة التراويح ..
    " حسن " لم يصعد معهما لأنه قصد محل عمي معزوز ليحضر بعض الحلوى التركية و صحن البسبوسة الحلو.. بعد لحظات اجتمعت كل العائلة من جديد حول مائدة السهرة و قد تنوعت بأشكال من الحلويات .. فهذه " الزلابية "و هي تقطر عسلا و هذه حلوى الحلقوم بألوان و أحجام مختلفة .. و بعض حلوى الترك و طبق من " السفنج " الذي نتناوله عادة مع الحليب ... بدأ العمدة الآن في طرح أحجيته الصعبة .. "حاجيتك ماجيتك .. و الأبناء يجتهدون في حلها .. و دائما لقمان يخرج من الدور الأول لأن إجاباته دوما خاطئة و سريعة .. بينما زوجته "زكية" فتحاول أن تصمد في وجه عبد الناصر الذي يتفوق عليهم دوما بالأخير ..
    لعلكم تسألون عن" كوكة " .. ماذا تفعل في هذه الأثناء ..؟؟؟
    إنها تغط في نوم عميق بعدما أتعبها صراعها مع هرتها " فيفي "
    كل أفراد العائلة مجتمعون في وئام و سرور .. اقترب لقمان من أخيه حسن و قام بهمسه " يتوجب عليك إيصالي أنا و زكية للمنزل فسيارتي عند الميكانيكي و قد أتينا بالحافلة " . يبتسم حسن: بالطبع يا أخي .. و باستهزاء: كم ستدفع لي ؟؟؟ ... بعض اللكمات الساخنة .. أجاب لقمان .
    في هذه الأثناء يرتفع صوت العمدة ليخيم على المكان .. هذا موعد المسلسل الديني لا أريد سماع صوت ذبابة .. يتابع الجميع أحداث المسلسل باهتمام كبير .. فهو يروي بطولات قائد عظيم " خالد بن الوليد "
    يرن الهاتف بالطابق السفلي فتهرع سولاف جارية نحوه .. لا بد أنه زوجها دحمان الذي هو بالخارج الآن في مهمة عمل ..
    آلو .. من المتكلم ..
    هل هذا بيت والد لقمان
    نعم أخي .. من معي على الخط
    أنا أحمد جار لقمان
    خيرا .. هل هناك شيء .. لا قدر الله
    حولي لي لقمان بسرعة لو سمحتي
    ..........
    بقلم هشام 2006
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    المشاركات : 804
    المواضيع : 100
    الردود : 804
    المعدل اليومي : 0.12

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هشام عزاس مشاهدة المشاركة
    يوميات رمضانية
    لقمان و زكية
    من عمق المجتمع الجزائري سأحاول أن أنقل إليكم يوميات زوجين
    خلال شهر رمضان المبارك ..
    الأحداث روحها من الواقع مع توظيف الخيال القصصي بالطبع
    أتمنى أن تروق لكم و تنال إعجابكم و رضاكم
    الرؤية الأولى
    حديث الصباح

    استيقظ" لقمان " على صراخ الجارة "حياة " التي ألف أن يكون صوتها منبهه الخاص كل صباح .. لم يتذمر لأنه اعتاد على ذلك .. مسح عينيه بأصابعه ثم نظر إلى زوجته " زكية " التي ما زالت تغط في نوم عميق ..
    تساءل كالعادة .. " كيف يمكنها أن تستمر في النوم و تلك الشمطاء
    تصرخ بأعلى و أقبح صوت .. " همس في أذنها برفق .. استيقظي فالصباح قد لاح .. و لكن هيهات أن تستفيق .. فصوت المدفع ما أيقظها.. هل سيتمكن صوته الذي شاخ بفعل الزمن أن يوقظها..ثم أعلن الحركة فهي الطريقة المثلى لجعلها تفيق .. مد يده إلى كتفها و قام بتحريكه فاستمالت على جنبها و أخدت الغطاء على وجهها كإعلان على التمرد .. لا تحاول يا لقمان لن أستيقظ الآن ..
    طأطأ رأسه برهة ثم قام متكاسلا يجر خطواته نحو المطبخ .. كالعادة لم يجد شيئا ليفطر به .. و لكن وجد مفاجئة تنتظره فوق الطاولة .. قفة و أمامها ورقة مطرزة بالطلبات المختلفة للمطبخ.. هاله الأمر إنها الأيام الأخيرة من الشهر و أوراقه المالية بدأت تنفذ ...
    قال : يا الله ماذا سأفعل و خصوصا أن الأسعار ملتهبة فشهر الرحمة يبدأ بالغد .. و بدأت خيالات السوق و الباعة تتجسد أمام عينيه و تكالب الناس على السلع بمختلف أنواعها و كأن القيامة ستقوم ...
    دخل غرفته من جديد و فتح الخزانة و أخرج ملابسه و صندوق مدخراته ... في هذه اللحظة استيقظت زكية .. فهي بالطبع لحظة لا بد أن لا تفوتها , صاحت بوجه لقمان .. ماذا تفعل يا رجل ؟؟؟ أجابها: الناس يقولون صباح الخير يا زوجتي العزيزة ... قالت : صباح الخير .. ماذا تفعل يا زوجي العزيز ... ( بنبرة ماكرة ) عرف لقمان أنها قرأت ما يدور بخلده .. فتظاهر بالبراءة و قال لها: لا شيء أبحث عن قميصي الأسود فأنا لا أجده .. ( ابتسمت زكية ) و قالت : قميصك بالغسيل و لكن ماذا يفعل ذاك الصندوق بين يديك ؟؟
    قال بنبرة غاضبة : و ما تفعله هذه القائمة فوق تلك الطاولة ؟؟ قالت : إنها طلبات البيت و بعض الحاجيات لشهر رمضان , قال : إذن لا بد من فتح هذا الصندوق لأنني مفلس يا عزيزتي ...
    نهضت زكية من فوق السرير و تقدمت منه و لمست شعره بلطف و قالت بصوت هادئ : لا يا زوجي العزيز فأنت تعرف أن هذا المال تعبنا في ادخاره من أجل الضيف القادم و اتفقنا على عدم الاقتراب منه مهما حصل قال لقمان : أعرف و لكن ما باليد حيلة يا زكية و مصاريف الشهر باهظة و لا يمكنني الوفاء بها .. و أنت تعرفين البئر و غطاه ..
    أخدت زكية الصندوق من بين يديه بلطف و قالت : هناك حلول كثيرة من بينها أننا سنفطر غذا بمنزل والدك و بعدها بمنزل أمي و قد دعتني صديقة في اليوم الثالث .. و بعدها نرى ما سنفعله ...
    استشاط لقمان غضبا .. ويحك يا امرأة هل ستجعلين مني سخرية على آخر الزمن .. أعرف أن المسلسلات التي تقبعين على مشاهدتها يوميا لحست مخك , كيف تفكرين بهذا الأسلوب ؟؟ ..
    قالت (بخبث ) : هم من وجهوا لنا الدعوة أنسيت ؟؟ أنا فقط أبحث عن مخرج لمشكلتنا ..
    أشاح بوجهه عنها و قال : خدي الصندوق و أنا سأتدبر أمري و راح يتمتم ... لا أعرف لماذا لم أتزوج ابنة عمي و اخترتك أنت .. فعلا وقتها كنت مجنونا .. ضحكت زكية و قالت : اسأل قلبك فهو من أطاح بك في شباكي , ألا تتذكر وقفتك تحت نافذتي بالساعات ؟؟ نظر إليها بامتعاض و قال : كنت أحمقا حينها .. و لا أفكر بعقلي أبدا ... ابتسمت زكية لأنها تعرف مدى حب لقمان لها و قالت : لا عليك يا زوجي العزيز وقع الفأس في الرأس و لا مجال للهروب من قبضة زكية
    ضحك لقمان و قال لها : أين هي القفة سأخرج للتسوق قبل أن يكتظ السوق بالناس و لا أجد ممرا للخروج..
    الرؤية الثانية
    لقمان و المطبخ
    ها هي زكية سيدة المطبخ القسنطيني قد بدأت في تحضير أول فطور (و الذي يتميز عندنا بالشرق الجزائري بطبق رئيسي يسمى " الجاري "و هو شربة بالفريك و لحم الخروف ) بالإضافة إلى طبق طاجين العين و هو طبق حلو مع الزبيب عادة ما يتم تحضيره باليوم الأول و نصفية رمضان..
    ***********
    دق باب المنزل .. هرعت زكية نحو الباب لأنها أرسلت ابن الجيران كي يقتني لها "ربطة دبشة " من السوق و لكنها تفاجئت بلقمان و هو يحمل أكياسا مختلفة من المشتريات .. و لون وجهه قد مال إلى الاصفرار , حملت عنه بعض الأكياس و راحت خطواته المتثاقلة تتبعها نحو المطبخ وضع الأكياس فوق الطاولة و جلس على الكرسي محاولا استرجاع بعض أنفاسه التي كادت أن تضيع منه بسبب سلالم العمارة الستون التي صعدها , تأملته زكية بعين مشفقة و قالت : وجهك أصبح يشبه حبة الليمون يا لقمان ... ابتسم متهكما و أجابها: من يده بالنار ليس كمن يده بالماء
    قالت : هذا نتيجة حبك للأماكن العالية .. ذق الآن و لا تتذمر يا زوجي العزيز .. نظر إليها عاتبا و قال : هذا بدل من أن تقومي بمواساتي ؟؟ أو لا تلحظين بأنني في أسوء حالاتي .. ؟؟ قالت له : قم هيا و اذهب لتستريح ريثما أحضر الفطور دعني أتابع عملي , قام لقمان متكاسلا و اتجه نحو غرفة الجلوس و اتكأ على الأريكة البنفسجية و حاول النوم و لكن هيهات ... فمعدته الخاوية لم تمكنه من ذلك... قام من جديد و اتجه نحو المطبخ و راح يتفقد ما أعدته زكية من أطعمة شهية و قال : ألا تريدين أن أساعدك بشيء ..؟؟؟
    استغربت زكية من طلبه و قالت : عجبا من متى يا لقمان .. يبدو أن الصوم بدأ يؤثر بك ...قال : إنها موضة العصر .. سأصبح رجلا مهذبا في آخر زماني .. قالت: و ما يمكنك أن تفعله يا سيدي ؟؟ ابتسم بلؤم و قال أحضري ذاك الكيس الأخضر فلي به غاية ... قدمت له زكية الكيس وأخدت تراقبه و هو يفرغ محتوياته على الطاولة... إنها مستلزمات " البوراك "
    قال لها لقمان : الآن سأحضر "البوراك " كما كنت أفعل أيام الخدمة الوطنية ..أعدك بأنك ستأكلين أصابعك بعده ..
    أخرج كيس " الخطفة " و التونة و الزيتون و بعض اللحم المفروم ضحكت زكية و قالت : يبدو أن الفكرة كانت تدور بخلدك قبل هذا قال : بل لم أستطع النوم و أردت مساعدة زوجتي الحبيبة ...
    التفتت زكية لأشغالها و تركته غارقا في التخطيط لمشروعه الكبير و لكنه أخد يطلب منها أن تساعده فمرة يطلب منها تتبيل اللحم المفروم و تارة أخرى بسلق البطاطس و أخرى بفرمها .. و هكذا.. و هي تفعل ذلك و بداخلها ابتسامة عريضة ..
    ها هي تقوم بقلي"البوراك " و هو يرمقها بعينيه الجائعتين .. و فجأة استدارت نحوه ضاحكة : أريد أن أطلب منك طلب يا زوجي العزيز ... قال لها : تفضلي بكل تأكيد .. قالت : أخرج لي الصحون من الخزانة
    و ضعها على الطاولة قام لقمان من مكانه مرغما لأنه لم يحب مفارقة ذاك المشهد و البوراك بدأ يميل إلى اللون الذهبي .. فعيناه مصوبتان نحوه و خطواته تتجه نحو الخزانة ... آه .. صرخ لقمان .. لأن رأسه اصطدم بشيء ما .. ما بك يا رجل هل أفقدك الصيام توازنك ؟؟ قالت زكية , قال ضاحكا : تحدث في أرقى العائلات .
    لم تبقى سوى دقائق على أذان المغرب و زكية في خفة و نشاط تنقل ما أعدته على الطاولة و تضعه بأبهى حلة .. بينما لقمان قام ليتوضأ استعدادا للصلاة , انتهت زكية أخيرا من كل شيء و جلست إلى الطاولة قرب لقمان ثم همست في أذنه : اسمع يا رجل هذا أول يوم استضفتك فيه بالمطبخ و سيكون آخر يوم يا عزيزي .
    أتعرف لما ؟؟؟ لأنني أنا من أعدَّت "البوراك" و لست أنت ؟؟ فقط كنت توجه الأوامر هاتي .. خذي .. أبشري.. اسلقي .. ثم تضحك
    تفطن لقمان بأنه لم يفعل شيء حقا .. سوى أنه أفرغ مستلزمات الكيس , فضحك و قال : لا تنسي فأنا من قام بجلب ووضع الصحون , ابتسما .. و ارتفع من هناك صوت المؤذن ليعلن جوازا الإفطار
    الرؤية الثالثة
    دعوة إلى الفطور
    كانت الساعة تشير إلى تمام الرابعة مساءا بالتوقيت المحلي لمدينة قسنطينة وكانت زكية تنتظر بشغف عودة لقمان من العمل و قد جهزت نفسها للخروج و لبست حجابها الأسود الذي اشترته قبل أيام و جلست على الأريكة و بيدها حقيبتها التي اقتناها لها لقمان في شهر زفافهما الأول من محل بسوسة في تونس .. و راودتها ذكرى تلك الأيام الرائعة فسلمت مخيلتها لها و راحت تستحضر كل اللحظات الجميلة و الأحداث الطريفة التي مرت بهما و قد ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة .. تذكرت مشاكسات لقمان لها
    و مفاجئاته الغريبة و كيف كان يتعطش ليرى ابتسامتها الحلوة كي يتوسل لها بأن لا تحجمها عنه و تطلق العنان لثغرها الباسم كي يشهد أروع لحظة تمر عليه ... كان لقمان برغم مظاهر القسوة التي تبدو عليه انسانا حنونا طيب المعاشرة .. خفيف الظل .. واسع القلب , اندمجت زكية في ذكرياتها الجميلة و عادت بها إلى الوراء أيام كانت تدرس بالثانوية المقابلة لمتجر لقمان و كيف كان يقف عند عتبة المحل يرقب خطواتها و تكاد عينياه تقفزان من مخبأهما لتلحقانها عند المنعطف .. كانت تحس بكل نظرة يرمقها بها و تعرف معناها و لكنها كانت تتجاهله في دلال واضح برغم أنه تمكن من روحها و عقلها و أصبحت وقفته تلك حدثا مهما بيومها , و زادت ابتسامتها اتساعا عندما تذكرت أول يوم تقدم فيه منها ليكلمها و كيف كانت فرائصه ترتعد و الكلمات تستعصي أن تنفذ من حلقه و كيف تمكن من استجماع قواه ليقول لها : من فضلك هل يمكنني أن أتحدث إليك ؟؟؟ بالطبع تذكر تمنعها و دلالها عليه و هو يجر خطواته و يبحث عن الكلمات التي يمكنها أن تنفذ إلى قلبها و روحها .. تتذكر جيدا أنها كانت في قمة الفرح و هو يحاول جاهدا أن يقنعها بأنه ابن حلال و غرضه شريف و يود أن تكون نصفه و شريكته بالحياة ...
    في هذه اللحظة دق الباب دقات متوالية .. جعلها تفيق من ذكرياتها , إنها دقات لقمان فقد اعتادت سماعها .. قامت نحو الباب و فتحته و إذ بلقمان يحمل كيسا من الفواكه المتنوعة .. حملته عنه و قالت له : على سلامتك زوجي العزيز .. ابتسم لقمان كالعادة و لم يقل شيئا , اتجه نحو الأريكة و جلس و أمسك الريموت كنترول و شغل جهاز التليفزيون , و لكن زكية أخدته بسرعة و أغلقته و قالت : قم يا كسول فأهلك بانتظارنا, و هناك شاهد ما تريد .. قال لها : لحظة فقط أسترجع بعض أنفاسي فقد تعبت و أعياني الصوم ... قالت : لا تحمل الصوم أخطائك فأنت من لا يقوم بالتسحر لذلك تحس بهذا .. فالسحور بركة و له فوائده , قال : بدأنا في اسطوانة كل يوم .. تعرفين أنني لا أحب أن أقطع نومي و إذا فعلت فلن أستطيع النوم مجددا .. قالت له : هيا إنهض و اجلب معك ذاك الكيس من الفواكه لنأخذه معنا .. قام مبتسما : تحت أمرك يا " لالا " ..
    فتحت أم لقمان الباب فارتمى لقمان بحضنها كطفل صغير و أخذ يقبل يداهاو رأسها و هو يمتم بكلمات الشوق و الحنين و هي تبادله نفس الكلمات .. زارتنا بركة .. أهلا تفضلوا الدار داركم.. و قبلتها زكية بحرارة كالعادة , فأم لقمان امرأة رائعة (لسانها كالسوط لكن قلبها أبيض كاللبن ) .. و يحبها كل الأهل لأنها مرحة و صاحبة نكتة .. و لقمان أخذ منها الكثير ...
    جلس الضيوف بقاعة الجلوس و بدأت الوفود تتهاطل فها هي حسنة أخت لقمان تأتي مسرعة للترحيب بهما و بعدها سولاف و عبد الناصر و حسن وابنته المشاغبة "كوكة" .. كما يحب لقمان مناداتها .. جلس الجميع يتبادلون أطراف الحديث و يسألون عن أخبار بعضهم البعض .. في هذه الأثناء دخل العمدة .. الحاج مصطفى و بيده كيس الزلابية المشهورة , فقام لقمان نحوه و سلم عليه و راح يدغدغه كالعادة محاولا اختطاف قهقهته المميزة .. قائلا : بالسلامة يا الحاج .. أظن أن رمضان غلبك .. ( جملة نستعملها كإشارة لمن يؤثر به الصوم ) و كالعادة جلس العمدة أمام زوجة ابنه لقمان و راح يحدثها عن أحوالها و ما يفعله لقمان معها قائلا : لا شك أنه قد أخرجك من عقلك هذه الأيام ... ابني و أعرفه , تضحك زكية بملء فاها : الحمد لله أن هناك من يشهد معي .. يا الحاج ولدك ما زال مدلل و يحتاج لمصاصة ..
    يضحك الجميع و تنهض الحاجة أم لقمان و تطلب من ابنتها سولاف اللحاق بها إلى المطبخ كي يقوما بإعداد مائدة الإفطار فالوقت أزف و لم تبقى سوى لحظات و يضرب المدفع ( جملة كنا نستعملها كثيرا لأن الإعلان عن وقت الإفطار قديما كان من خلال صوت المدفع )
    اجتمعت العائلة حول مائدة الإفطار الشهي و "كوكة" بمفردها تتذوق ما لذ و طاب من مأكولات و لقمان يرمقها بعين الجائع ..
    الرؤية الرابعة
    سهرة رمضانية
    أخيرا .. ها هو صوت المؤذن يجلجل بالتكبير ... و كل الأيدي قد مُدت نحو صحن التمر أو سيدة التمر " دقلة نور " التي لها سمعتها العالمية ... و التي تصدّر إلى الخارج ... فقليلا ما نراها بأسواقنا و إن وجدت فبأسعار باهظة رغم أننا نحن من ننتجها .. لا تستغربوا .. فالمفارقات في بلدي عجيبة و سعر البطاطس يفوق سعر الموز أحيانا ..
    بعدها قام لقمان و مدّ سجادة الصلاة بين قدميه و كبر .. في هذه الأثناء كانت" كوكة " قد تفردّت بمشغل التلفاز و راحت في محاولة يائسة تود تشغيل هذا المربع العجيب .
    ابتسمت" سولاف " من هناك و نادتها : انتظري عندما ينتهون من الصلاة و سأشغله لك أيتها المشاغبة ... جرت نحوها "كوكة" بعفوية تاركة الريموت كنترول و رمت بنفسها بين أحضانها ... آه يا عفريته .. قالت سولاف . عرفت أنها تريد افتكاك ما تبقى من حبة " البوراك " التي بيدها .. فناولتها إياها عن طيب خاطر .. فجلست "كوكة " إلى الأرض تلتهمها بسرعة .. و كأنها في سباق مع الزمن .
    يا ترى .. ما يدور بخلد الصغيرة الآن ؟؟؟
    أنهى الجميع صلاتهم و التفوا حول طاولة الإفطار و راحوا يحتسون الشربة الساخنة طبعا مع "البوراك" الذي لا تحلو إلا به ... في هذه الأثناء أحسّت سولاف بشيء يشد فستانها من الأسفل .. بالطبع إنها "كوكة" تذكرها بتنفيذ الوعد ... ابتسمت كالعادة و شغلت التلفاز على المحطة الأرضية .. و إذ به عميد المالوف القسنطيني " الحاج الفرقاني " في إحدى ترانيمه المميزة ... أحسّت "كوكة " بخيبة أمل كبيرة لأنها كانت تنتظر رسما يتحرك لا فرقة موسيقية تعزف ... لم تهتم كثيرا لأنها بدأت في البحث عن هرتها "فيفي" لتتصارع معها ..
    نطقت أم لقمان : تفضلي زكية تذوقي هذا الطبق من "الشخشوخة" و قولي لي ما رأيك ؟؟ مدّت زكية يدها : بسم الله ... حار يا خالتي بصَّح بنينة ( لذيذة ) يسلموا الايادي اغتبطت أم لقمان و قالت : إنه من تحضير حسنة .. لقد أصبحت ربة بيت ممتازة ... طأطأت حسنة رأسها و احمرت وجنتاها خجلا .. لأنها سمعت بأن رياض أخ زكية ينوي التقدم لخطبتها .. ابتسمت زكية و قد فهمت تلميح الخالة خديجة (أم لقمان) و قالت : الله يبارك .. صارت عروسة .. قريبا نفرح بها إن شاء الله.
    نظر لقمان إلى زكية معاتبا إياها لأنه يعرف مدى خجل أخته و نعومتها و كأنه يقول لها : لا تتكلمي هكذا أمامنا .. فأختي حسنة شديدة الخجل و فعلا انسحبت حسنة من الطاولة بحجة إحضار القهوة .. فالعمدة يحب أن يشرب القهوة بعد الإفطار مباشرة و دون تأخير ..
    في هذه الأثناء سمعت موسيقى برنامج الكمرة الخفية .. استدار الجميع نحو الشاشة فالكل يحب مشاهدة مقالبها الفكاهية ..
    انتهى العمدة من فطوره و سيقت إليه مائدة القهوة فعمدَ إلى غليونه يستنشق منه بعض الهواء المسموم ..
    بينما قامت زكية و معها سولاف إلى المطبخ لغسل الصحون و الاستعداد بعدها للذهاب لحضور صلاة التراويح بالمسجد فقد وعدهما حسن أنه سيقلهما بسيارته الجديدة ذهابا و إيابا ..
    بينما لقمان فضّل أن يقطع المسافة مشيا على قدميه إلى المسجد .. أولا لفضل ذلك و ثانيا لترويض بطنه التي انتفخت من كثرة الأكل... بينما حسنة و العجوز ستقعدان بالمنزل لمشاهدة المسلسلات الاجتماعية
    دقت الساعة التاسعة ليلا .. و بنفس الوقت دق الباب بالخارج .. قامت حسنة و فتحته و إذ بهما زكية و سولاف قد وصلتا بعد أدائهما صلاة التراويح ..
    " حسن " لم يصعد معهما لأنه قصد محل عمي معزوز ليحضر بعض الحلوى التركية و صحن البسبوسة الحلو.. بعد لحظات اجتمعت كل العائلة من جديد حول مائدة السهرة و قد تنوعت بأشكال من الحلويات .. فهذه " الزلابية "و هي تقطر عسلا و هذه حلوى الحلقوم بألوان و أحجام مختلفة .. و بعض حلوى الترك و طبق من " السفنج " الذي نتناوله عادة مع الحليب ... بدأ العمدة الآن في طرح أحجيته الصعبة .. "حاجيتك ماجيتك .. و الأبناء يجتهدون في حلها .. و دائما لقمان يخرج من الدور الأول لأن إجاباته دوما خاطئة و سريعة .. بينما زوجته "زكية" فتحاول أن تصمد في وجه عبد الناصر الذي يتفوق عليهم دوما بالأخير ..
    لعلكم تسألون عن" كوكة " .. ماذا تفعل في هذه الأثناء ..؟؟؟
    إنها تغط في نوم عميق بعدما أتعبها صراعها مع هرتها " فيفي "
    كل أفراد العائلة مجتمعون في وئام و سرور .. اقترب لقمان من أخيه حسن و قام بهمسه " يتوجب عليك إيصالي أنا و زكية للمنزل فسيارتي عند الميكانيكي و قد أتينا بالحافلة " . يبتسم حسن: بالطبع يا أخي .. و باستهزاء: كم ستدفع لي ؟؟؟ ... بعض اللكمات الساخنة .. أجاب لقمان .
    في هذه الأثناء يرتفع صوت العمدة ليخيم على المكان .. هذا موعد المسلسل الديني لا أريد سماع صوت ذبابة .. يتابع الجميع أحداث المسلسل باهتمام كبير .. فهو يروي بطولات قائد عظيم " خالد بن الوليد "
    يرن الهاتف بالطابق السفلي فتهرع سولاف جارية نحوه .. لا بد أنه زوجها دحمان الذي هو بالخارج الآن في مهمة عمل ..
    آلو .. من المتكلم ..
    هل هذا بيت والد لقمان
    نعم أخي .. من معي على الخط
    أنا أحمد جار لقمان
    خيرا .. هل هناك شيء .. لا قدر الله
    حولي لي لقمان بسرعة لو سمحتي
    ..........
    بقلم هشام 2006

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    العزاس العزيز...
    لو لا الجغرافية التي قيدن مساحة النص لقلت هي للرواية القصية اقرب ، فمن خلال هذا الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة ، وهذا النقل الجواني والخارجي لماهية الرؤى النفسية والعلاقاتية ، والوجدانية والاجتماعية ، كلها تنصب في خانة الرواية ، لكن ربما جغرافية السردية جعلتها تدور ضمن رحى القصرة القصيرة التي كتبت باسلوب سردي افقي جميل ، وبلغة انسيابية رصينة ، يمتزج فيها احيانا الانفعال بالحدث نفسه حتى يخرج لنا النص صورة للذوات الكائنة في الاجتماع هناك ، في النص بعض الوقفات العقلية التي يمكن للمتلقي ان يقف عندها ليتأمل نوعية التفكير السائد في الاجتماع ضمن الاطار العام العلاقاتي ، والاطار العلاقاتي الخاص ، وكذلك بعض التمويهات حول مفاهيم سائدة ، تعكر صفو العلاقات الانسانية نفسها ، ومن خلال السردية تم تمرريها احيانا بصورة قسرية ، لكنها لم تضر بالعام في النص ، اعجبني البناء المكم هذا ، واعجبني منك هذا النفس السردي الرائع.

    محبتي
    جوتيار

  4. #4
    أديب
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    المشاركات : 909
    المواضيع : 35
    الردود : 909
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    أخي العزيز هشام عزاس/
    كم اشتقت لقراءة حرفك الراقي
    سرد جميل لتفاصيل يوميات أسرة صائمة
    جعلتنا نعيش هذا النص ونراه امانا فنسعد به كثيراً
    مصطلحات شعبية تعلمناها لأخواننا في الجزائر فشكرا لك كثيراً
    اقبل مني تحية عطرة

  5. #5
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة أولاد حمو يشو مشاهدة المشاركة
    شكرا جزيلا على تواجدك الكريم الأخت فاطمة و رؤيتك للنص و نظرتكِ لأبعاده الإجتماعية و الثقافية
    فلكل مجتمع عاداته و تقاليده و نمط معيشته الخاصة به .. فقد حاولت قدر الإمكان هنا أن أبرز بعض المظاهر الإجتماعية الواقعية سواء بإيجابياتها أو سلبياتها و خصوصا في شهر رمضان بمجتمعي و الذي قد يعكس صورا لمجتمعات عربية أخرى ...
    رمضانك كريم و أعاده الله عليكِ بالخير و البركات
    دمت بخير

  6. #6
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
    العزاس العزيز...
    لو لا الجغرافية التي قيدن مساحة النص لقلت هي للرواية القصية اقرب ، فمن خلال هذا الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة ، وهذا النقل الجواني والخارجي لماهية الرؤى النفسية والعلاقاتية ، والوجدانية والاجتماعية ، كلها تنصب في خانة الرواية ، لكن ربما جغرافية السردية جعلتها تدور ضمن رحى القصرة القصيرة التي كتبت باسلوب سردي افقي جميل ، وبلغة انسيابية رصينة ، يمتزج فيها احيانا الانفعال بالحدث نفسه حتى يخرج لنا النص صورة للذوات الكائنة في الاجتماع هناك ، في النص بعض الوقفات العقلية التي يمكن للمتلقي ان يقف عندها ليتأمل نوعية التفكير السائد في الاجتماع ضمن الاطار العام العلاقاتي ، والاطار العلاقاتي الخاص ، وكذلك بعض التمويهات حول مفاهيم سائدة ، تعكر صفو العلاقات الانسانية نفسها ، ومن خلال السردية تم تمرريها احيانا بصورة قسرية ، لكنها لم تضر بالعام في النص ، اعجبني البناء المكم هذا ، واعجبني منك هذا النفس السردي الرائع.
    محبتي
    جوتيار
    الفذ حوتيار أسعدني وقوفك على هذه اليوميات و تحليلك للنص و أبعاده الداخلية و الخارجية
    أردت من خلال هذه اليوميات نقل نموذج و لو بسيط عن واقع يومي معاش حقا بكل صوره كما هي ... مع إضافة بعض الفكاهة لكي لا يكون مملا ... أتمنى أن أكون قد وفقت إلى حد ما
    يروق لي دوما وجودك الهام بالنسبة لي حقا .
    كن بالجوار ... لا فقدتك
    محبتي

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صهيب توفيق مشاهدة المشاركة
    أخي العزيز هشام عزاس/
    كم اشتقت لقراءة حرفك الراقي
    سرد جميل لتفاصيل يوميات أسرة صائمة
    جعلتنا نعيش هذا النص ونراه امانا فنسعد به كثيراً
    مصطلحات شعبية تعلمناها لأخواننا في الجزائر فشكرا لك كثيراً
    اقبل مني تحية عطرة
    الحبيب صهيب أشكرك على تعقيبك الكريم و أعتذر عن ردي المتأخر جدا و لكن ها هو شهر رمضان يعيدُ ذكرى هذه اليوميات التي أتمنى أن تنال رضى و استحسان ذائقة الأخوة الكرام .

    رمضانك كريم أخي و أسأل الله أن يعيده عليك بالخير و اليمن و البركات .

    محبتي

  8. #8

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    بسرد سلس الإنسياب وبإسهاب ـ وبخفة ظل وتفاصيل دقيقة
    استطعت أن تجعلنا نشم روائح رمضان الزكية منبعثة من الأراضي الجزائرية
    فتعرفنا على بعض العادات والتقاليد ، وبعض أنواع الطعام المرتبطة برمضان
    بحرفيتك المعهودة، وبألقك القصصي وذائقتك الرفيعة حيث يحني الإبداع هامته أمامك
    رمضان كريم ـ أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة العربية جمعاء بالخير والبركة
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. درس بليغ من لقمان الحكيم(1)
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 20-02-2012, 11:43 PM
  2. درس بليغ من لقمان الحكيم(2)
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 31-01-2012, 08:05 PM
  3. وصايا لقمان
    بواسطة ياسمين في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 22-04-2003, 02:59 AM