..
ليست فقط غمامة ذاكرتي هي من تهطل بك مطرا ...حتى شباب الوطن الذين ينساقون دوما الى موجات جديدة طافية في المجتمع كانوا يخلعون نظاراتهم الضبابية عن أبصارهم لمجرد النقاش معك .. وكنت تركز دوما على الشباب حرصا عليهم بل على الوطن والمواطن ..لأن في صلاح واعتدال الشباب تصلح بقية الامور ولكن من يدري هذا بعدك يا أبي ؟ ..لم تكن تهتم بزوبعة الموسم والكسب الآني المتوهج إنما كنت تركز على الآتي ..أخبرني أحدهم ذات مرة وقال لي بأنه كان يراقبك من فترة لأخرى فقط ليعرف عنوان الكتاب الذي استحوذ على اهتمامك وأضاف بأنه أخذ مفكرة وطفق يدون عليها عناوين الكتب التي كان يجدك مكبا على قراءتها لمدة سنة ..حتى أصبحت لديه سطورا تشكل كلام ذات مغزى عند جمعه لعناوين تلك الكتب في جمل مفيدة ..لكني نسيت أن اسأله ماذا كانت النتيجة ..رغم فضولي العجيب نسيت هذا الامر لكني معذورة فقط أحببت ان أهذب انصاتي لدرجة إني استعرت هدوء جبل (* رأس دُميرة) الذي أحتك فيه الهمس باللمس و أنتهى فيه شهر عسل الصداقة بين سلطتي ارتريا وجيبوتي وتحوم حوله بوارج أمريكية بحثا عن رجل سقط من الزحل ..كل يغني على ليلاه ..(تذكرت قصة الفتاة العفرية المحجبة فاطمة ح. ا ..التي هربت من التجنيد الإجباري للفتيات في أرتريا الى جيبوتي لوحدها متتبعة فطرتها وسالكة طريق الساحل المتعرج الذي يمد المسافة ويطول ..وعندما وصلت قرب مدينة ابوخ في منطقة غدوريا وجدوها مغمى عليها ..لكنها وصلت) ماذا أخبرك يا أبي أصبحت ذاكرتي أشبه بسوق الخضار مما يحدث في الوطن من العجائب ومن الصعب ان يترصدها العقل ..ولا تقبض عليها عدسة كاميرا ...أ أضحك عندما اتذكر ممن يبحثون بكل وسائل التكنولوجيا عن شوكة سمك صادته سنارة صياد مات من الف سنة ؟ وممكن ما يبحثون عنه أكثر استحالة من هذا ..دعهم يبررون تواجدهم هنا وهناك ......نسيتُ إني كبرت واولادي ايضا ..ومع هذا مازال طين البراءة مترسبا في أعماقي لذا أريد ان أتعلم الخوف يا أبي ولا أنصاع لهذيان الحروف ...تبا للحظة الضعف الكتابي ...أخبرتني صديقة وقالت فلان في الوطن يقرأ لك وانت حروفك مصبوغة بقوس قزح ..قلت لها وهل الوان المداد حُرمت أيضا ! فليقرأ اللون الذي يعجبه ويترك البقية ...وكان الرمادي هو البرق المتنامي في جسد فكري ..أتوقف يا أبي كثيرا على آثار ظلالك الذي اقتبسه جدار وعيي ..منذ صبيحة يوم الميلاد الأول للوردة على كفي مازلت أتلذذ برائحة القطف قبل تسلل الذبول سوف أخبرك أمرا ستظنه أقصى من المبالغة ..عندما زرت الوطن مسحت سطح الرمال حتى الأماكن التي لم يمر عليها ظلك ظنا مني تحمل شيء منك ..لا ادري لماذا ابحث عنك في كل شيء....
الرمادي ..جبين يوعد الشمس بالانطفاء و مازال يعابث أقمار ليلي ويلاعبني على مرج الوهج الأخضر العاكس لنقاء الطبيعة لأني عندما أصدق حضور طيفك أخلط بين حقيقة الغياب وتوهم الحضور .......
الرمادي نسر ذهبي يقف على نافذتي في لحظات الشفق...يصافحني دون أن يلامس راحة يدي ويلامس أحاسيسي بعدسته المحدبة دون أن يتفقد دفاتري أتذكر دفاتري ؟
إنها تفتقدك وتفتقد فضولك الرائع الذي كان يرى قبح خطي ضربا من الجمال ياااااااااااه ..
.ظننتك تلامسها الآن
..
وكم أمسكت بحلم ذات سحر يخلب العقل الباطني الذي يرسم صور الرضا على تعابير وجهي وكادت عيوني تتحدث حتى صدمت بأني كنت أخاطبني ولا احد معي وتوجست إن احد ما يراقبني ويتهمني بالجنون
..جنون مسار يسير بي الى دروب غير ممهدة ومسالك مفرطة في الوعورة لأنك تركتني في وسط الطريق لا ألومك ولا ألوم عقرب الساعة الذي لا يشحن طاقته الا من أعمارنا و مازالت تدرجان لون الفقد والوحشة رغم كثرة الأحبة تقود سفينتي وشراعها نحو بحار تكثر حولها خفر السواحل المتضامنة مع قراصنة متعددة الجنسيات وتمتد يدك مسرعة الخطوة لتنتشلني من كل هذا لأجد لا شيء هنا سوى رمادي ينتحل كل الألوان وأنا إحداها وهل تراني كما أراك؟
لأن صوتك مازال يسكب نسغ وميض المحبة في حقول صباحاتي ...
*راس دميرة (شمال جيبوتي)، وهو مرتفع استراتيجي يشرف على مدخل البحر الاحمر( باب المندب) .وتلتقي عنده حدود جيبوتي بأرتريا ..