أحدث المشاركات
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 41

الموضوع: حرائق البلبل في سرير الوردة

  1. #11
    الصورة الرمزية أحمد حسين أحمد في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : ألمانيا
    المشاركات : 257
    المواضيع : 32
    الردود : 257
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    الأديب والشاعر المبدع الصديق مازن دويكات

    كم أنت جميل ورائع بهذا النص الثري بكل شيء
    هنا أتابعك منذ أن بدأت وسابقى

    تقبل محبتي
    أخوك أحمد

  2. #12
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شريفة العلوي مشاهدة المشاركة
    الكلمة كائن حي منذ أقدم العصور وستظل تمتد فينا بكل صورها كتابة وصوتا ثم في تحولها الى الفعل ...والكلمة للأدب عماد وللصدق عمود وللخيال إعتماد ..وللسؤدد إمتداد ..تتشكل الكلمة من عرض ووصف ثم تنعطف الى مسار التحليل والتفسير والتصوير حتى تقرب المسافة بين الإدراك والوعي هكذا الكلمة تعد سلاحا بحدين
    صاحب المدن القصائدية مازن دويكات ....هذه الجزيرة هي إحدى مدنك التي تطفو على محيط لغة الإبداع والتي تتجاوز معايير الحدود في الإتساع ..هل نحن أمام لغة تمد سواعد ذائقتنا الى مدى لا يحد حتى التخيل ؟ أم إننا بحاجة لمعرفة المدن التي نسكنها حتى نبقى من سكان مدنك القصائدية بصورة دائمة , لأننا بحاجة الى أن نتكيف مع طقس هذا الجمال كي نتعلم ونروض فكرنا مع أشرعة الخيال التي تبحر فينا قبل ان نتعلم السباحة في بحرك العميق ................رائعة هذه السلسلة المميزة بدءا بالعنوان وانتهاءا بالدهشة
    شريفة

    دائماً تثقلين عليّ المهمة بردودك الشافية الوافية , بحيث أقف على قنطرة الحيّرة لا أعرف أين أتّجه, علماَ أن كل الطرق تؤدي إلى هذا الابداع البهي والبهاء المبدع.

    دمت بكل هذا الألق سيدتي.

  3. #13
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي


    (4)

    ليس أخلاقياً أن أحشر نفسي في دائرة اتهامك، لكنك حين تقدمين رؤاك الغامضة دون دلالاتٍ مفسّرة، فكأنك تحشرينني في دائرة أسئلتي الجارحة، والسؤال لا يمتلك صيغة التأكيد، وإن كان يساعد على بلورتها من خلال أجوبتك الواضحة التي لم تصل في حينه، لذلك كان هذا اللبس وعدم الوضوح الذي لم أشارك في صنعه لا من قريب ولا من بعيد، لأنني أعتقد أن بيني وبين اتهامك مسافات طويلة، معبّدة بالتعرجات والانحناءات، من الصعب على أي سندباد اقتحامها والوصول إلى حقيقة ما تعتقدين، ولكن، أليس من حقي أن أبحث عن الدلالة كي أصل!
    وسأخطّئ نفسي لو وجدتها حتى من خلال مجهر يجعل من النملة فيلاً. كم كنت أتمنى لو أنني أطلقت صرخة " أرخميدس" وجدتها.... وجدتها... لكني لم أجد إلا كلاماً تقوّلته ولم أقله، ولقيت نفسي أحمل لقباً علمياً في علم التشريح الجنسوي لا أدعيه، كيف لا وأنا مخترع الجنس الثالث المتأرجح بين الذكورة والأنوثة والمتداخل في وظائفه حد التماهي! كل ما أدّعيه، أن هناك أثنية رائعة تتفجر من طرفيها عاطفة نبيلة، وماذا إن رأت فيه أنوثتها قريباً من المقدس، وإن رأى فيها رجولته بعيداً عن المدنس؟ إنها أسئلة لئيمة جارحة تستعين بسراج ديوجين للبحث في عز الظهيرة عن أجوبة مستقيمة واضحة.
    ***
    حدثنا حارس البستان ذات مرة، وقال: حين استلقى البلبل في سرير الوردة، أخذت تهدهده بنشيد العبق:
    لنعمان الفتى كانت شقيقة
    تفتش عن بقايا للحقيقة
    فصارت حين أعيّتها الطريقة
    تفتشُ عن عدوٍ في الحديقة

    ***
    ليس كل الغناء يطرب، وليس كل الطرب يعيد إلى الروح توازنها و إلى القلب اتزانه، قد يكون بعض الكلام أجمل من الغناء، أي مغنٍ هذا الذي يلتبس عليه اللحن! بالتأكيد هذا ليس بلبلاً. قد يكون غراباً طاعناً بالنقيق، فالكلام هو الأساس. مثلما شذى الوردة هو الأصل وليس لونها، ما جدوى اللون لفاقد البصر، والغناء لفاقد السمع، والطعم لفاقد حاسة التذوق، وهذا يعني: ليست الأهمية في تواجد الأشياء، ولكن المهم هو الإحساس بها. إن غناء البلبل وشذى الوردة، امتداد طبيعي لمنظومة الجمال الكونية، وهما أيضاً ساحة مجهزة لتدريب الوحوش الآدمية لتعود من جديد وتمارس إنسانيتها.
    سأعود و أحاول التأكيد على أن الإنسان رومانسي بالطبع، ولكن انزياحه عن الرومانسية مرهون بثقافته وذائقته وتجربته في الحياة. هناك من يمارس الرومانسية بشغفٍ جميل، وهناك من يتحسسها بخجلٍ وخوف، وهناك من يتعاطاها في السر كي لا يقع تحت طائلة الشبهة حسب مفاهيم منظومته الثقافية. أعتقد أن كل إنسان يعود إليها في لحظة ما، خاصة حين تتفجر فينا ينابيع الحنين إلى الماضي، ومجرد تذكّر الأشياء الجميلة المفقودة هو فعل رومانسي. لكن دهشتنا لحظة الاحتفاء بها، تظل ناقصة لاستحالة استعادة الزمان لحظة تمكننا من العودة إلى المكان، وهذه إشكالية اللاجئ / العائد إلى أرض الوطن بعد غياب طويل، لأنه سيصاب بمرض رومانسي عضال لفقدانه أحلى وأجمل أيقونات الحنين في زمنٍ غائب، في وطنٍ مغّيب.
    لم أتحدث في السابق عن المذاهب الأدبية حين أشرت إلى شخوص أميل زولا وديستويفسكي الروائية، كنت أتحدث عن هؤلاء الذين لم تستطع حتى الرواية الواقعية والواقعية الاشتراكية أن تتجنب بؤسهم الرومانسي، ورومانسيتهم البائسة، على اعتبار أنهم واقع معاش.

    أنا الوردة المتعبة
    ليهدأ قليلاً طنينك
    أيتها النحلة الطيبة
    خذي عسلي بهدوء الفراشة
    أو فاستريحي
    وسوف أحاول
    في الخلية أن أسكبه

    من محاسن هذا البياض المتبادل أنه فجّر فيك ينابيع الشعرية، وحّرك فيّ ينابيع الشاعرية، وإن ظل الخلاف قائماً في فهم العلاقة بين هو وهي، كأنك تفهمين أن الحق الطبيعي والإنساني للواحد في الآخر، لا يخرج عن سياق التابع والمتبوع، المَلغى والمُلغي، النفي الأنثوي والثبات الرجولي، ليخرج هذا الفهم في النهاية بمساحة محدودة لا تتسع إلا لسرير شهرزاد وشهريار. وكأنك لا تعرفين أن التوتر الدائم بين طرفي المعادلة الإنسانية يضر بثباتها المشترك، وأن الصراع الدائم يقود إلى شحن القوى وتكريس الاستفراد الأحادي.
    ما قيمة الانتصارات في ساحة لا يجد فيها المنتصر من يحدثه؟ حتى في تفسيرنا لعلاقة الثنائيات المتنافرة في السلالة والجنس، ما الجدوى من البستان بلا إنسان يتقن أبجدية أشيائه الرائعة، يعرف ويدرك أن هذه شجرة بثمار وظلال، وان هذه وردة تسر الناظرين، وأن هذا عصفور يغرد وينسج عشّاً، وأن هذا نهر يتدفق ويتموسق خريراً أخاذا. فكيف بالعلاقة بين امرأة من عواطف وأحاسيس وحرير وعسل! ورجلٍ من حنين ولهفة وينابيع ورذاذ مقدس! نحن لسنا في ساحة حرب لنتباهى بقوتنا المنفردة، وما العيب في أن يضعف البلبل الذي تعرفينه وأعرفه في لحظة إنسانية شفافة أمام السطوة الحريرية للوردة المبتهجة! وما الضرر في أن تستكين الوردة التي أعرفها وتعرفينها في لحظة ما أمام حرائق البلبل المرتعش! قوتها وضعفه يشكلان نصف المشهد، وقوته وضعفها يشكلان النصف الآخر، وبهذا وبذاك يكتمل المشهد الرائع.

  4. #14
    الصورة الرمزية أحمد حسين أحمد في ذمة الله
    تاريخ التسجيل : Sep 2004
    الدولة : ألمانيا
    المشاركات : 257
    المواضيع : 32
    الردود : 257
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    الرائع مازن دويكات

    مشهد متكامل ورؤية من جميع الزوايا رصفتها هنا بشكل ممتع وسأعود هنا دائما لأملأ صدري بهذه الارهاصات السريالية فأطمئن ويرتاح قلبي المتعب من تشردي وعشقي المبتور للوطن

    صباحك عشق ووطن حر

  5. #15
    الصورة الرمزية شريفة العلوي أديبة وشاعرة
    يرحمها الله

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : بقلب جيبوتي
    المشاركات : 2,093
    المواضيع : 139
    الردود : 2093
    المعدل اليومي : 0.36

    افتراضي

    اغرف بملعقة الذائقة حلوى المعاني وسلوى المفردات في كل محطة بين سحابة وأخرى بهذا الفضاء المبدع ...............ومازل ت ممسكة بطرف خيط يؤدي الى بر الأمان حيث يختتم قلمك رحلاته ...منعطفا بنا الى خط الرجعة وهل فعلا يوجد هذا الخط ؟ ....أتوقع باني سوف اعود الى نقطة البداية لأني ادمنت هذه التسابيح .............وأظل اتتبع مسار الخطى ........

    صاحب المدن القصائدية مازن دويكات ...
    هذا كتاب بل مكتبة تضم كل العلوم منها العلوم الصرفة واخرى اجماعية ..تنوعت المدارس وأزدادت مساحات المدارك
    [/SIZE]

  6. #16
    الصورة الرمزية سعيدة الهاشمي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    المشاركات : 1,346
    المواضيع : 10
    الردود : 1346
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    وددته لو لم يكتمل لأنهل من عذب كلماتك أيها السامق أدبا والراقي حسا مازن دويكات

    رسمت بحروفك التي تشبه الدرر لوحات أخادة بجمالها وعمق دلالتها، ألوان امتزجت فأبهجت

    العين، غنت لها العصافير وانتقلت بينها الفراشات وأصرت لها الغيمات لواعج نفسها

    وددت لو أطيل السكن هنا. ولا يسعني إلا العودة لحروفك أرتشف منها معاني الجمال والإبداع.

    تحيتي لك أخي ودمت بإبداع متجدد.

  7. #17
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعيدة شكري مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    صدقا أيها الأديب المبدع لن ينفع الكلام ولا الرد على ما كتب، ولأني لا أريد تشويه

    جمال المكتوب هنا بكلمات بائسة سأرحل لمملكة صمتي أنتشي بحلاوة الحرف المنثور

    سأحط الرحال على ضفاف حرفك لكي أعود حين تعود.

    تحية تقدير لك أخي ودمت بإبداع.



    الأخت المبدعة سعيدة شكري

    وعليك السلام ورحمة الله

    سعادتي لا توصف بهذا المرور العذب

    وهذا الحضور الخصب,

    وما تبعهما من شهادة ثمينة كانت وما زالت محط فرحي .

    دمت أيتها النبيلة بكل هذا النقاء.

  8. #18
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الجميل المبدع / مـازن دويكــات

    ممتع جدا هذا الحرف الذي يعرف كيف يحاكي الاستحالة و كيف يمكث طويلا بين الورد و الرماد .
    أراكَ تحاول أن تبني قلعة الوسطية العادلة في مدينة المشاعر الانسانية بلبنات العطاء اللامحدود و التوحد الوجداني و العقلي و تخوض المعركة ضد نزعات النفس البشرية التي تهدم في الوقت ذاته أركان هذه القلعة .
    يمكننا الوصول إلى الإعتراف بهذه الجماليات في النفس و الإقرار بروعتها و لكن من المستحيل إدمانها و التواصل من خلال معجماتها النرجسية .
    و يبقى دوما البحث في تجسيدها من خلال الحرف إبداعا راقيا يخلق نصا مدهشا كهذا الذي بين أيدينا ...

    فلتجعل من رماد حرائق بلبلك طاقة وردية .

    دمت بهذا الألق ...

    اكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشـــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #19
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثائر الحيالي مشاهدة المشاركة
    الاستاذ مازن دويكات

    عميقة رؤاك..حدَّ الذهول..!

    سلمت..وسلم مدادك..

    محبتي

    العزيز ثائر الرائع

    السعادة تكمن في مرورك

    والغبطة ترفّ بأجنحتها في حضورك

    دمت أيها النبيل.

  10. #20
    الصورة الرمزية مازن دويكات قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2008
    المشاركات : 132
    المواضيع : 14
    الردود : 132
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (5)


    هناك عدة مستويات للتعامل مع النص، وأسوأها ما يسمى بالقراءة البريئة، وفيها تسلط قرون استشعار حواسنا الخمس صوب جهة واحدة ومكان واحد، وخلاصتها أننا نفهم من النص ما نحب أن نفهم. وأجمل هذه المستويات ما يسمى التعامل المفخخ، وفيه نستدرج النص إلى المكان الذي نحب، وبإرادته يبدأ بالتكشف لنا. ويأتي هنا الفهم على خلاف إرادتنا، وفي هذه اللحظة تأتي الدهشة والصدمة في آن، لتفتح لنا باب الهرب إلى ما نريد، ومن هنا تظل أبواب الاتهام مشرعة على كل الاحتمالات، وتحتم الإنسانية أن يظل حبل النجاة ممتداً على رخام عتبات الأبواب، إنها النجاة الزاحفة من خلال الشقوق.
    تبارك الله الذي خلق العبقريات وأطلقها كالظباء في البراري! إنها الظباء توقع الأسود الجائعة في فخاخ رقتها، ثم تغادر الغابة الواسعة زاحفة إلى كناس البراءة، وبعد أن يرتطم الرأس الثمل برخام باب النجاة، كان لابد من التذكر أنك غمست القلم بمداد الدم وسطرت على الأوراق كلمات تبرأت منها قبل أن يجف حبرها. وبعد، أليس من حقي أن أسأل أين؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟
    وهل يعني هذا أن الموسيقيّ حين ينتقل من مقام إلى مقام، يكون تراجع عن نشيده! لماذا يفعل هذا؟ ولماذا لا يكون حصاراً غنائياً من كل الجهات، لإراحة المستمع وتعزيز فهمه للأغنية! مع أن فهمها في بعض الأحيان يفسدها ويتركها ذابلة على المقاعد بعد أن يغادر الجمهور.

    ومن لا يحبُ
    يحب الأغاني البليدة
    ويرى الكون في
    كلمات الجريدة
    وإن بّلل الماء حبر الحروف
    تغيمُ رؤاه
    ويصيرُ عماه
    نافذته الوحيدة


    الفنان الأصيل يعرف ما يريد ويدرك ما يجول في محترفه الأول الذي لا يعرف طريقه سواه، وصعوبة استخراج منجزه بأبهى حالاته، ليس لبساً، فله الحق في التدرب كي يعيد ترتيب الأشياء في طرقات التوازي بين الشكل والجوهر، وتبدو عبقريته في قدرته على تطويع المكان بين خطي التوازي، فكلما امتد هذا المكان واتسع بينهما مع المحافظة على الإيقاع المتبادل، تأتيه العبقرية زاحفة، وهناك فنان جيد أقل درجة لا يجد بداً من الزحف صوب العبقرية، فمن تأتيه زاحفة ليس كمن يذهب إليها زاحفاً. أما الفنان الفاشل فهو الذي لا يزور ولا يزار، لا يذهب صوب أحدٍ ولا أحد يأتي صوبه، ومن هنا يتراءى له السراب ماءً، لأنه في الواقع لا يعرف الماء في تجلياته الإبداعية، وهذا هو اللبس بعينه، يعيشه بتوحد مريض حقاً. إن عماه نافذته الوحيدة.
    وهل كان لصمم بيتهوفن أن يسمح له بمغامرة التجريب؟ يجرب من؟ وكل إبداعاته صوتيه، كأني بها كقطرة المطر التي تسح في البرية وبين الوعر، تذهب بلا ملامسة، تطلق الأعشاب والأزهار، دون تجريب وإدراك لكيمياء التكاثر النباتي. هكذا هي إبداعات بيتهوفن الموسيقية، قوتها في بكورتها وعذريتها، وخلودها في استعصائها على الفض، كلٌ يحاول أن يجرب، ومع تواتر الفشل تزداد حدة المغامرة، لذلك قد يفقد الفنان بريقه المضيء حين نتعرف على أسرار خاماته، وله الحق في أن يتوحد في محترفه الأرضي لحظة الإبداع، ويفقد هذا الحق بعد أن ينفض يديه من غبار الطين والألوان والحبر والموسيقى، لأن ما بعد ذلك فهو للناس، عشاق فنه.


    تريث قليلاً
    إلى أن انتهي من نشيدي
    وبعد اشتعال القرنفل
    فوق سياج قصيدي
    وصمّ هنا أذنيك
    لتسمع رائحة الوردة العاشقة
    فوق أوتار عودي


    قولي لمن رأى عشتار في شوارع أورشليم أن يدلني عليها. أشتهي أن أراها هنا، صاعدة إلى جبل التجربة أو هابطة منه في الصباحات الندية. عشتار لا تكون إلا حيث يكون أدونيس، فتاها الصاهل مثل حصانٍ تقدح حوافره أحجار البرية.
    عشتار هناك في جبال الأرز وليست هنا، وكأن ما يفصل هنا عن هناك مجرد خيط شفاف من الصهيل المجدول بالحناء والمسك، والمغموس بدموع الشمس في ظهيرة تموز.
    هنا يبوس الجميلة التي منحت أسمها لكل مقدسٍ وجميل، لكنهم جاءوا* على عربات الغبار بكل بداوتهم وأغاروا على كروم كنعان مثل الثعالب، فككوا الاسم إلى ي ، ب ، و ، س ، وألقوا كل حرف في جهة خارج الحدود، أربعة حروف مقدسة توزعت على شمال المنفى وجنوب التيه، وشرق المذلة وغرب الموت المعلب. يبوس من زيتٍ وحناء في نشيد الكنعانيات، في حقول الحنطة ووعر الميرمية وجبال الزعتر، وسفوح النرجس وقباب البابونج. هذا هو مزيج يبوس المقدسة، مع قناعتي أن لا فرق بين يبوس وعشتار وأوغاريت وشكيم، في ساحلنا السوري الأبيض، هذا هو فضاء أجنحتنا وتراب أمزجتنا.
    هل تسمعين أيتها الوردة بوح البلبل الطعين؟
    وبعد كل هذا، أما زلت تبحثين عن قبس يضيء عتمة الجسد؟ أخرجي إلى البرية، تشاهدين سوسنة الوعر ونرجسة الأودية. كلٌ تضيء الحجارة، وتشعل التراب بأريجها، وتبلل أجنحة الفراشة، جوسيها من شمال شكيم إلى جنوب يبوس في مملكة كنعان الطيبة، فالضوء هنا، وما يُضاء يُضيء، هذا هو حديث الشمعة للعتمة، وأجمل الضوء ما يؤدي إلى الحريق، وأروع هذا الحريق، حريق البلبل في سرير الوردة.

    يبوسُ الجميلة في كرمها قاعدة
    ظهرها للجدار
    تدافعُ عن وردة العاشقين
    من القادمين
    على عربات الغبار.



    ..............
    يبوس: من أسماء القدس القديمة, قبل التواجد العبري في فلسطين.
    *العبرانيون حين أتو فلسطين, كانوا فقراء الحال أشبه بالبدو الرحّل,مما دفع بالعرب الكنعانيين بالشفقة عليهم واحتضانهم
    .

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حرائِقُ الرّحيل
    بواسطة تركي عبدالغني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 22-02-2013, 08:14 AM
  2. حرائقُ في القلب
    بواسطة مختار عوض في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 21-03-2010, 10:37 PM
  3. ضدّان على سرير المعنى
    بواسطة شكري بوترعة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 28-07-2009, 06:07 PM
  4. حرائق الحب والسفر
    بواسطة شجاع الصفدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 21-03-2009, 03:20 AM
  5. فوق سرير أبيض
    بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 29-03-2007, 05:30 AM