الرمادي رحلة مكوكية حول واقعي و لم أعشها في خيالي و يقظتي ولكني حلمت أن احلم بها ومازلت في بزرخ الأسطورة أتقلب على جمر الصبر استجمع فيها ما بقي من آثار طيفك على وسادة الأمل ..ذلك الأمل المسروق من أزمنتنا الحقيقية العائدة بالضبابية و الزيف والأقنعة الأكثر وضوحا من الوجوه وحين تعود إلينا تستهلك مسافة السؤال على طبق من جواب اللحظة ..عجبنا أم لم يعجبنا فهو الخبز المتوفر والفاكهة المحكومة بالنضج قبل الأوان حد الإحتراق و قبل ان يؤتى أكلها
تلك اللحظة لوحدها كفيلة بإشهار الجواب الشافي تلقائيا , ولكن هل تعلموا حجم الثمن الذي سندفعه لطواعية هذه اللحظة ؟
عندما فهمناهم لم يفهموننا وعندما لم نفهمهم فهمونا وصوبوا على صدور الساعة سهام التباطؤ وعلى إنجازاتنا حراب الوقوف بالتواطؤ ..
لا يهم ..لقد أعتدنا على أن نتكبد أحكام الطقس في أوروبا ..وان ندفع فاتورة رصيدها الحفاظ على بقاء الجوع من أجل أن تتحسن الأوضاع المحسنة للشعب الأمريكي و ازدياد رقعة العلولمة في نزعتها التمددية لزيادة الدعم العائم لإسرائيل و منح الضوء الأخضر لها بكل أنواع الجرائم وهذا الضوء غير قابل للتعامل مع أي نوع من انواع الوقود سوى زيت كرامتنا..يا الله كم من وقود لنا ..رحمة الله على كرامتنا التي هشمت رأسها مطرقة مجلس الأمن بنصف صوت والأمم المتحدة بربع صوت لعرض يبدأ مسبقا على منصة مطبخ البيت الأبيض .
اليوم تُضرب غزة ويُضرب عنق كياننا ووجودنا بسيف الفناء .. غزة التي لا يؤلمها الضباب الأسود ولا الدخان الأهوج الآتي من ترسانات الصهاينة الجبناء وهي تمد يدها في صرتها الحريرية التي تصرف في كل لحظة لؤلؤة بل لألئ جمة آآآآآه يا قلبي الروح لؤلؤة والفناء هنا غاية النفس والهناء .. ولكن يؤلمها أن يختلط زبد دمائها الساخن على سهول ترابها الطاهرة لتصب في مصب الدموع العاجزة خلف أسوار الحدود لأنها تعي تماما إن عادة الجريان أن يجتمع في مصب واحد ...
نعم يجرحها أن يجتمع حكام العرب على مواساة علب المناديل وهم يذرفون دموعهم على اهتزازات مقاعدهم الخالية من قواعدها سوى كف الريح التي تعصف بها قوى المصالح والصالح يضع يده في يد الطالح , يبدو لي أنهم نهلوا والله اعلم من كتاب العقد الإجتماعي( التنين) لتوماس هوبز أكثر مما جاء فيه ووجدوا بكل إخلاص أن التشبث بظل سلطة أبقى وأبقى ..(كما حمّلت النازية نظرية هيغل أوزارها بقراءة خاطئة في التطبيق المتطرف وهذه هي معضلة النظريات السياسية في نزولها الى الميدان.. فتنحرف عن المسار وتفقد هويتها بتشريح تطبيقي يغتال روح النظرية ويشوه معالمها )
يتبادلون الاتهامات لبعضهم البعض و يتقاذفون كرة التقصير والتقتير بحثا عن مرمى ..لا توجد كرة ولا حارس هنا..لا أحد هنا سوى صدى يعود الى مصدره ..ولم تقترب أياديهم المغلولة الى قرارات العدو من القضية خوفا من الغرق بصمتهم الذي أغرق التماسيح وهم مازالوا يتنافسون على مصبات أنهار الكذب والتقهقر نعم إنهم يجيدون دور المقهور والسباق إلى حلبة تفخر بهم فلولا ..
قال أحد رؤساء العرب متأثرا بالوضع وهو يميل الى رئيس عربي اخر مستشيرا اياه : سوف أتخذ موقفا أكثر إيجابية من الشجب والتنديد لقد مللت من هذا .
رد عليه الآخر كيف ستتحمل عواقب ذلك؟
قال : أليسوا هم من طلبوا منا تحقيق الديمقراطية للشعب وهذه أيضا إرادة شعبنا ان نتخذ موقفا واضحا إزاء هذه الأزمة التي نصب بنارها وقود الصمت ..
رد الآخر إذن سوف تتكبد تنفيذ أمر آخر قد لا يعجبك
قال : وما هو ؟
رد صاحبه : أكمل خطوات الديمقراطية وتنازل عن السلطة للحزب المعارض الذي ليس له مكتبا في البلاد والديمقراطية يا صديقي مصيدة لا فكاك منها وباب اذا فُتح لن يغلق
قال الاول ..إذن هلم بي لأتناول اسبرين الصمت وفي الصمت تكمن راحة البال ولا اتخاذ موقفا يجر علي الوبال
المواقف مثل الميزان ترفع الصوت الثقيل وتهبط بآخر هزيل إلى القاع ولا احد يسمع صوتا يتدحرج على ثلوج التردد والانكسار ما بين الرغبة في الصمت والمحاولة الواهنة لإظهار السخط ....أغرب موقف قابلته إن إحدى السيدات وهي تعد نفسها للحج سألت لجنة الحج والأوقاف عما اذا ستتكفل اللجنة بأخذها الى القدس لتكملة النسك ؟
غريب هذا الطلب ..هل بالفعل غريب ؟
أم إننا أصبحنا عبئا على أنفسنا لنتواكل ولا نتوكل ..أخبرت هذا الموقف لشخص احترمه قال لي إن هذه السيدة نطقت بالحق بل عين العقل بكل عفويتها.
وليت كل مسلم يفكر مثل هذه السيدة ويطالب بتحرير القدس ولا يتركوا أبناء فلسطين يعانون لوحدهم عواقب حروب لا تنتهي ..ليتنا نتجرد من التفكير الذي يقودنا الى الحرص بشيء لا نملك الحفاظ عليه
الرمادي ..إسقاط نثار الدجى بكل طغيانها على صفحة هذا البلور المتتالي الذي يرصع جباه الشرفاء والشهداء و ستار زجاجي مسدل على جدار الريبة واليقين لأسألك يا أبي ..هل كنت تدري بأن الضعف والوهن ينخر في عظامنا منذ الحربين العالميتين التي شحنت محركاتها من دمائنا ومدت رقعتها لأرضنا ومازالت أسراب بعوضهم تعيش على فرقتنا.. هل ترى معي كل هذا ؟
عندما ينبثق طيفك من نوافذ همومي لأقف ثانية على أقدام الثبات وليس هذا الثبات قوة من عندي إنه حالة فرضت تواجدها و الاستغناء عنها محال ...ولكن على ارض الواقع امتلاك هذا الثبات يعد من سابع الاحتيال في قانون وجودية الموت وموت التواجد وخاصة بعد أن أصبحت مهمة اليد الواحدة محكومة بأحجام أصابعها وتباين كفاءتها فكيف لا تتفرق الأيادي وقد فرقوا أصابع اليد الواحدة بين مؤيد للإبهام ومعارض للسبابة حين اتهموا التشهد بالإرهاب وفرقوا بين الإبهام والسبابة ... أم إنه محاولة ترويض الريح حتى تتلاءم مع الأوراق المبعثرة على سطح واقعنا فتنتظر لحظة القراءة أو أليست القراءة تلزم القارئ باستدراك المقروء ؟ ....
تتصدع الخواطر وتتشقق المخاطر ليصبح الهم مضاعفا وعندما تشم روحي عطرك الذي لم يغادر متعلقاتك بينما لم يزل عبق ذكراك يتسلق فقرات وجعي أمام ما يحدث هنا وهناك .. لأجدني أنقى وأتقى بأناقة الشوق حين يتنحى الرمادي عن لونه الصريح ويتخفى بلون البيئة كالحرباء, أكاد أجزم بأن الموت أكبر حجاب يخفي الوجوه واللحد هو المكان الوحيد الذي يحتفظ بهوية الرجال وان كفت أياديهم من العمل وعيونهم عن قراءة الواقع بصورها الكئيبة الا إن لحظة الغروب تلك تعود الينا ثانية باشراقة ..
سأخبرك يا أبي : هناك ثمة معركة تثبت أقدام الرجال وثمة مواقف تحدد خريطة الغد في لحظة مفاجئة توثيقا لعلاقات الأخوة والصداقة في تجاهل سافر لكل ما قيل عن المناخ وما أرخته الوثيقة البيولوجية للتفريق بين الطوائف والطرائق ووصفة دواء جيولوجية منحرفة تأتي لتزرع فينا روح الفرقة خوفا من أن تُستدل إلى أوجاعنا طيور في الجوار ومن يغمض عيون الصبح من يغمض ؟
ومن الذي يستطيع ان يمنع مسار دم النخوة بأوردة حية ؟
أقول لكل من ينتعل التردد والتخاذل سيطول المسار وستبقى الحاجة الى نعل أقوى والمسار لا يختار السائر ما لم يحسن القدم سلوك المشي وهو لا يعي بتاتا محطته ؟
أترى المحطة هي التي ضاعت ؟
5/1/2009